يندرج مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق وإحداث هيئة وطنية للموثقين المعروض حاليا أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، في إطار المقاربة الشمولية لإصلاح القضاء، ويهدف إلى تحديث المهنة وعصرنتها وإدماجها في المسار التنموي الذي يشهده المغرب. ويأتي هذا المشروع، الذي ينسخ مقتضيات ظهير 1925 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق، ليواكب التحديات الجديدة التي تعرفها هذه المهنة جراء انتشار المشاريع الكبرى التي لها علاقة بالعقار، وكذا لكسب رهان الإندماج داخل المحيط الإقليمي والدولي، خاصة بعد انضمام المغرب منذ 1986 إلى المنظمة العالمية للتوثيق اللاتيني مما يفرض ملائمة تشريعات المملكة وتنظيماتها مع قوانين الدول المتواجدة بهذا المحيط. + مستجدات مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق وإحداث هيئة وطنية للموثقين + جاء مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق وإحداث هيئة وطنية للموثقين بالعديد من المستجدات، أهمها إحداث هيئة وطنية للموثقين، تمارس اختصاصاتها بواسطة مجلس وطني ومجالس جهوية، والتنصيص على المباراة لولوج مهنة التوثيق، وإحداث معهد التكوين المهني للتوثيق، وإعادة تشكيل اللجنة المكلفة بإبداء الرأي في تعيين الموثقين ونقلهم وإعفاءهم، وإسناد الاختصاص في البت في المتابعات التأديبية إلى هذه اللجنة. كما ينص المشروع على أن تعيين الموثق يتم بقرار من الوزير الأول باقتراح من وزير العدل، بعد إبداء اللجنة المشار إليها لرأيها في الموضوع، ووضع مسطرة دقيقة لإجراء المتابعات التأديبية في حق الموثقين والمتمرنين، وإعادة تنظيم مسؤولية الموثق، وإلزام الموثق والمتمرن معا بالمحافظة على السر المهني، وتنظيم المشاركة المهنية بين الموثقين. ولتأطير مهنة التوثيق وضمان تكوين الموثقين، نص المشروع على إحداث هيئة وطنية للموثقين تتمتع بالشخصية المعنوية، وتضم وجوبا جميع الموثقين، وتمارس اختصاصاتها على الصعيد الوطني بواسطة مجلس وطني، وعلى الصعيد الجهوي بواسطة مجالس جهوية. وتهدف الهيئة الوطنية للموثقين، حسب المشروع، إلى صيانة مبادئ وتقاليد مهنة التوثيق، والحرص على تقيد الموثقين بما تقضي به القوانين والأنظمة والأعراف التي تحكم ممارسة هذه المهنة. وبموجب هذا المشروع، فقد صار بإمكان الموثقين إبرام عقد مشاركة مهنية بينهم، شريطة أن يكونوا معينين في نفس الدائرة الترابية لمحكمة الاستئناف. وبين المشروع بهذا الخصوص كيفية إبرام عقد المشاركة وإنهائه وعمليات التصفية المتعلقة به. ومن أهم مستجدات المشروع المقتضيات الجديدة التي جاء بها فيما يخص مراقبة أعمال الموثقين وتأديبهم في حالة إخلالهم بواجباتهم المهنية. وهكذا، وبموجب المادة 65 من المشروع، يتولى المراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف التي يوجد بدائرة نفوذها مكتب الموثق، بمشاركة وزارة المالية فيما يتعلق بالجانب المالي لعمل الموثق. وللوكيل العام للملك الحق بزيارات مفاجئة لمراقبة مكاتب التوثيق وكذا المحفوظات والسجلات النظامية التي يجب على الموثق مسكها. + ارتياح في صفوف المهنيين وطموح إلى مزيد من الإصلاحات + أكد رئيس الغرفة الجهوية للتوثيق العصري بالرباط السيد أمين زنيبر، على أهمية مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق مسجلا في هذا الصدد أن ظهير 1925 "قانون قديم ولم يعد مواكبا للعصر، وتشوبه نواقص عديدة، منها على الخصوص، عدم تنصيصه على إمكانية التنظيم الداخلي للمهنة، وكذا عدم إقراره اجتياز المباريات للولوج إلى المهنة ". وأشار في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء إلى أن التنصيص على مباراة للولوج إلى مهنة التوثيق، يعد من الإيجابيات المهمة التي جاء بها المشروع، غير أنه اعتبر أن شرط التوفر على الإجازة لاسيما في إطار النظام التعليمي الجديد، "غير كاف" من أجل تحصيل وإدراك ما يكفي من المعرفة القانونية. ودعا في هذا الصدد إلى رفع مستوى الشهادة المحصل عليها من طرف المرشحين لاجتياز مباراة مهنة التوثيق، وجعلها في 5 سنوات من الدراسة الجامعية بعد شهادة الباكالوريا (باكالوريا زائد 5)، عوض شهادة الإجازة. وحول المشاركة المهنية، أبرز أنه عكس ظهير 1925 الذي يمنع المشاركة المهنية بين الموثقين، فإن المشروع فتح هذا الباب وأقر إمكانية عقد المشاركة، غير أن المشروع، يضيف السيد زنيبر، "اقتصر فقط على مفهوم المشاركة والمساكنة، المتعلقة باقتسام مصاريف المكتب، أما فيما يخص العقود والاختصاصات الممارسة فكل واحد تبقى له مسؤولية ومستقل عن الآخر"، معربا عن أمله في أن يتم مستقبلا التنصيص على مفهوم الشركة المدنية المهنية في هذا المجال. وفيما يخص مراقبة المهنيين، أوضح السيد زنيبر أن مراقبة النيابة العامة " كانت فعالة عندما كان عدد الموثقين لا يتجاوز العشرين، غير أن تزايد عدد الموثقين الذي بلغ اليوم 900 موثق، يتركزون خاصة في المدن الكبرى، شكل ضغطا عليها (النيابة العامة) ولم تعد مراقبتها اليوم فعالة". وأشار في هذا الصدد، إلى أن تشريعات الدول المجاورة تنص على إسناد المراقبة إلى أصحاب المهنة، مبرزا أن مشروع القانون أسند هذه الصلاحية للنيابة العامة ووزارة المالية عن طريق إدارة الضرائب، "وبالتالي غيب بشكل كامل الدور الفعلي لهياكل المهنة سواء على الصعيد الوطني أو الجهوي". وقال إنه "لا يمكن الحديث عن الإصلاح إذا لم تكن لنا إمكانية مراقبة المهنة من الداخل"، مضيفا "أن تخويل المراقبة للوكيل العام للملك لا يمنع من أن تكون هناك إمكانية مراقبة قبلية تسند لهياكل المهنة". وأوضح أن المراقبة القبلية تتمثل في "أن يكون للهياكل التنظيمية، التي تعد القلب النابض لأي مهنة، أحقية أو إمكانية سن قواعد العمل والسهر على تطبيقها عن طريق تفعيل المراقبة لمكاتب الموثقين". من جهة أخرى، توقف رئيس الغرفة الجهوية للتوثيق العصري بالرباط عند بعض الإشكالات التي تتعلق بطريقة التعامل مع العقد التوثيقي، حيث أبرز أن المشروع لم يمنح الموثق أي اختصاص نوعي، مشيرا إلى أن القانون المنظم لشقق الملكية المشتركة لسنة 2003، هو الذي أقر الاختصاص النوعي، من خلال نصه على إبرام العقود المنصبة على تفويت حقوق عينية متعلقة بالعقارات المنظمة في إطار الملكية المشتركة في عقد رسمي. واعتبر أن هذا القانون هو الذي "أعطى متنفسا للمهنة"، مبرزا أن "الاختصاص النوعي الذي تنفرد به المهنة، أو تنفرد به مع شركاء آخرين، هو الذي يسمح للمهنة بالاستمرارية وبأن تلعب دورها في المجتمع". ودعا السيد زنيبر في هذا الصدد إلى ضرورة أن يتم إثبات انتقال الحقوق العينية المتعلقة بالعقار بواسطة عقد رسمي "الذي ليس هو بالضرورة عقد توثيقي"،لأنه "يوفر ضمانات للمتعاقدين ويسند لأهل الاختصاص لتفادي السقوط في مجموعة من الأخطاء".