تخلد دول المعمور في السابع من أبريل المقبل، اليوم العالمي للصحة، في ظرفية يطبعها تزايد التحديات الصحية والديموغرافية، واستمرار وجود نواقص كثيرة لا زالت تشوب الأنظمة الصحية للبلدان النامية ، لا سيما إشكاليات جودة العلاجات المقدمة ونوعية البنيات الاستشفائية ومنهجية تدبير الخدمات الصحية. ووعيا منها بضرورة معالجة مختلف هذه التحديات المحورية من خلال خطط عمل واستراتيجيات وطنية متكاملة، دأبت منظمة الصحة العالمية، التي تخلد اليوم العالمي للصحة لهذه السنة تحت شعار " 1000 مدينة، 1000 حياة "، على إصدار تقارير دورية تشخص مكامن الخلل الواجب معالجتها عبر الاستراتيجيات القطاعية في مجال الصحة. ويبرهن تبني المغرب لاسترتيجية 2008 - 2012 في القطاع الصحي، على سيره في هذا التوجه ووعيه بضرورة سد الثغرات التي تعتري القطاع، من خلال إصلاح شامل ومستدام يستهدف جميع أجهزة تدبيره ومناهج تسييره، كما يطال مختلف شرائح المجتمع المغربي، وخاصة ساكنة العالم القروي والمناطق النائية. وبعد مرور أزيد من سنتين على شروع وزارة الصحة في تفعيل بنود هذه الاستراتيجية، شهد قطاع الصحة في المغرب تحولات ملموسة همت على الخصوص، إعادة هيكلة أجهزة وبنيات القطاع وتقريب الخدمة الصحية من المواطن ووضع خطة عمل وطنية خاصة بالبرامج ذات الأولوية. وتزامنا مع تخليد المغرب، على غرار باقي دول العالم، لليوم العالمي للصحة، الذي يركز هذه السنة على ظاهرة التوسع العمراني كأحد التحديات الأساسية التي تواجه الصحة العمومية، يكون المغرب قد اجتاز سنتين ونيف على درب إصلاح قطاع الصحة، وفقا لمقتضيات هذه الاستراتيجية التي تستلهم فلسفتها من الأهداف الإنمائية للألفية، كما تندرج في إطار ورش وطني محوري تجسده المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. + حقائق ومعطيات تضع وزارة الصحة على سكة الإصلاح + انطلقت وزارة الصحة في وضعها لاستراتيجية 2010- 2012، من حقائق ومعطيات تفيد بوجود اختلالات بنيوية متعددة تطال مختلف أوجه تدبير المنظومة الصحية، ونقص البرامج الكفيلة بتطوير أداء القطاع في أفق تمكين المواطن المغربي من الحصول على خدمات صحية جيدة، تراعي مبدأ تكافئ الفرص وحق جميع المواطنين في الحصول على العلاجات الضرورية. ومن ثم خلصت الوزارة إلى العديد من الاستنتاجات، التي تتمثل على وجه التحديد، في صعوبة الولوج إلى العلاجات الصحية بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة والتوزيع غير العادل للخدمات العلاجية على امتداد التراب الوطني، يصاحبه غياب التكافؤ بين العرض والطلب على مستوى العلاجات بالنسبة لبعض الأمراض المزمنة، خاصة داء السكري والسرطان والقصور الكلوي وأمراض القلب والشرايين والصحة العقلية. كما توقفت الوزارة عند وجود مجموعة من النقائص التي تشوب تدبير المستشفيات العمومية، تتجسد أبرزها في التدبير الإداري الممركز وغياب الاستقلالية، وعدم التنسيق فيما بين مراكز العلاجات الصحية الأساسية والمستشفيات على المستوى الترابي مع سيادة التدبير التقليدي للأدوية. وبخصوص الإشكالات المرتبطة بالموارد البشرية، انطلقت استراتيجية 2008 - 2012، من معطيات تحيل على نقص في عدد الأطر الصحية الكفيلة بمواجهة تزايد طلبات العلاج، إثر الإحالات على التقاعد وتوسيع البنيات الاستشفائية، لا سيما بعد إحداث عدد من المراكز الاستشفائية الجامعية، وكذا نقص برامج التكوين المستمر. ومن جهة أخرى، توصلت وزارة الصحة إلى غياب سياسة للشراكة مع المجتمع المدني، الذي أضحى أحد الفاعلين الأساسيين في مسلسل التنمية البشرية، وكذا القطاع الخاص الذي يشتغل على هامش منظومة الصحة بدون أي مشاركة متفق عليها في سياق مجهود التكوين والاستثمار. وفي ضوء مجموع هذه الخلاصات، وانطلاقا من التزام الوزارة بتفعيل توجيهات منظمة الصحة العالمية، تم تسطير مجموعة من الأهداف الأساسية التي تندرج ضمن مخطط عمل دقيق ومحدد في الزمان والمكان، ينتقي الوسائل والإمكانيات الكفيلة بتنفيذ الأنشطة المبرمجة في هذا الإطار. + استراتيجية 2008 - 2012 ورهانات تطوير أداء المنظومة الصحية + لقد اختارت وزارة الصحة، من خلال استراتيجيتها للفترة ما بين 2008 - 2012، على غرار باقي الاستراتيجيات القطاعية ، تحديد أهداف مضبوطة، تتجلى أبرزها في تخليق القطاع وضمان العدالة في العرض الصحي ما بين مختلف الجهات وما بين الوسط القروي والحضري، وتوفير خدمة عمومية صحية ذات تنافسية وأداء عال. كما وضعت الوزارة نصب أعينها، تقليص نسب وفيات الأمهات إلى 50 وفاة في كل 100 ألف ولادة حية في أفق 2012، وتقليص نسب وفيات الأطفال إلى 15 وفاة عن كل 1000 في نفس السقف الزمني، علاوة على تخفيض الجزء المتحمل من طرف الأسر فيما يخص تمويل الصحة إلى أقل من 25 بالمائة في أفق سنة 2015. إلى جانب هذه الأهداف قالت وزيرة الصحة، السيدة ياسمينة بادو، في كلمة ألقتها خلال أشغال المنتدى الوطني حول الرعاية الصحية، المنظم بالرباط في شهر أبريل من السنة الماضية، إن الاستراتيجية الوطنية لوزارة الصحة تعتبر أرضية خصبة لاستنبات وتفعيل مبادئ الرعاية الصحية الأولية كما أقرتها منظمة الصحة العالمية، وذلك من خلال تيسير الولوج للعلاجات بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، خصوصا بالنسبة لساكنة العالم القروي، والتكفل بالأمراض طويلة الأمد. وفي سياق آخر، أوضحت الوزيرة أن الانتقال الديمغرافي والوبائي الذي عرفه المغرب كسائر البلدان السائرة في طريق النمو، والذي أدى إلى ظهور أمراض جديدة واستفحال الأمراض المزمنة، وكذا ارتفاع كلفة العلاجات والتمويل الصحي المتزايد، أفرز تحديات جديدة لم تكن متوقعة في المغرب وسائر البلدان النامية. ورغم جسامة هذه التحديات، استطاعت الوزارة الوصية على القطاع بمعية باقي الشركاء الحكوميين والدوليين والفاعلين في المجال الجمعوي تحقيق مجموعة من الأهداف المسطرة ضمن الاستراتيجية الوطنية، وبالتالي الرقي بمستوى أداء المنظومة الصحية إلى مستويات مشرفة على الصعيدين الإقليمي والقاري. + إنجازات إيجابية عديدة تؤكد فعالية الاستراتيجية + وبعد مرور أزيد من سنتين على تطبيق استراتيجية وزارة الصحة للفترة ما بين 2008 - 2012، تمكن المغرب من إقرار ضرورة اعتماد خريطة صحية كفيلة بضبط عروض العلاجات من أجل ملائمة الطلب على مستوى الكم والكيف بطريقة عادلة ومتوازنة تطال مجموع التراب الوطني. وفي كلمتها خلال المنتدى الوطني حول الخريطة الصحية، المنظم أيام 1 و2 و3 مارس الماضي بالرباط، أوضحت وزيرة الصحة أن إحداث خريطة صحية ومخططات جهوية لعرض العلاجات، باعتباره جزءا لا يتجزأ من مشروع القانون المتعلق بالمنظومة الصحية، يهدف إلى استشراف الوضعية المستقبلية لهذا العرض وتحفيز المتدخلين على تطويره من أجل استجابة أمثل لحاجيات الساكنة في العلاج والخدمات الصحية وتحقيق الانسجام المجالي للموارد وتصحيح الاختلالات بين الجهات وداخل كل جهة. ومن جهة أخرى تمكنت الوزارة من إقرار مجانية الاستشفاء بالنسبة للنساء الحوامل بمختلف المستشفيات العمومية، مع إقرار مشروع إنشاء مصالح المساعدة الطبية الاستعجالية للتوليد، ومدها بآليات الاتصال والنقل الصحي لإسعاف النساء الحوامل من مكان سكناهن إلى المستشفيات، وكذا توسيع لائحة الأدوية الخاصة بصحة الأم والطفل. وفي سياق آخر، قامت الوزارة في إطار هذه الاستراتيجية ببرمجة دورات تكوينية لفائدة الأطر الطبية وشبه الطبية العاملة بالوسط القروي لتمكينها من تحسين قدراتها المهنية ومسايرة التغيرات التي يعرفها القطاع. إلى جانب ذلك تمكنت الوزارة من تحسين ظروف استقبال المرضى بالمؤسسات الاستشفائية، والرقي بمستوى التدبير الداخلي للمستشفيات من خلال منحها الاستقلالية الإدارية، المنضبطة بمبدأ تحمل المسؤولية. وبذلك تكون الاستراتيجية القطاعية لوزارة الصحة للفترة مابين 2008 -2012، قد حققت بعد سنتين من دخولها حيز التنفيذ، جزءا هاما من الأهداف المسطرة، في أفق تحقيق الرقي الاجتماعي الذي تصبو إليه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.