لطالما كانت صحة الإنسان محط اهتمام كبير عبر التاريخ خصوصا بالنظر لما عانته البشرية سابقا من أمراض فتاكة وقاتلة، واليوم وبعد تطور الوساذل التقنية وتشعب الأبحاث والدراسات الطبية لا زالت بعض الأمراض مستفحلة وتحصد الكثير من الأرواح سنويا في مختلف مناطق العالم، ولما كان الإنسان هو محور التطور والتنمية كان أمرا طبيعيا أن يصبح الاهتمام بصحة المستهلك وإرساء ثقافة لحمايته أن تتولى الدولة هذه المسؤولية، خصوصا وأننا نعيش اليوم في ظل تقلبات جديدة وسريعة غير معروفة النتائج المستقبلية. الجميع يعلم اليوم أن تحول وتطور ظروف العيش (العولمة ظاهرة استعمال الهاتف النقال تقنيات حديثة في مجال الفلاحة وتربية المواشي...) تفرض المزيد من التشديد على حفظ وصيانة صحة المستهلك الذي غالبا ما يكون عرضة للاستغلال، باعتبار أن المواطن يشكل محور أية استراتيجية تنموية. كما يجب تمكينه من جميع الوسائل والمعلومات الخاصة بالاستهلاك، سيما وأنه طغت في الآونة الأخيرة مجموعة من الأحداث (جنون البقر مرض الديوكسين غلاء المعيشة محاولات الإثراء على حساب المستهلك...) فالضمانة وإقرار جودة المنتوجات والخدمات هي من أوجب واجبات حقوق المستهلك باعتبارها تحافظ على صحته ومصالحه وتخدم الاقتصاد المغربي. كما أن القضاء على بعض الأمراض الاجتماعية كالرشوة، يساهم في النمو والنهوض الاقتصادي والاجتماعي ويؤهل بلادنا لمواجهة غول العولمة والمنافسة. ومن أجل هذه الأهداف تعمل العصبة الوطنية لحماية المستهلكين التي مهمهتها الأساسية وهدفها الرئيسي يتجلى في العمل على فرض كل الإجراءات القانونية والعملية لحماية مصالح المواطنين المستهلكين، وكذا إرساء ثقافة حماية المستهلك وجعل المجتمع المدني والمنتخبين وأصحاب المصالح يؤمنون بضرورة توفير الجودة والحفاظ على صحة وسلامة المستهلك وجعلهما إحدى مميزات مجتمعنا وركائز اقتصادنا. ولذلك فدور العصبة اهتم بعصرنة القوانين المتعلقة بحماية المستهلك وجعل المستهلك المغربي يتوفر على آليات للحماية والمحافظة على الصحة وبصفة عامة احترام حقوق المستهلك، وتوعية مختلف الفاعلين في المجتمع بضرورة اكتساب المواطن المغربي لصحة جيدة سيما وأن الواقع الحالي لا يبشر بالخير. كما أن العصبة ركزت تدخلاتها على القضاء على عصر الامتيازات ودمقرطة المعاملات التجارية، وهي مهمة على شكل مراقبة مستمرة لحماية حقوق ومصالح المستهلكين وتحسيس الفاعلين على مختلف المستويات (الدولة المنتخبين...) بضرورة إدماج هذا الميدان في جميع المعادلات والمعاملات وتدعيم مبادئ الشفافية والجودة وعصرنة خدمات المؤسسات الوطنية. إن الحكومة لا زالت بعد لم تنهج استراتيجية واضحة لحماية المستهلك في المغرب كما أنها لم توفر آليات جديدة ولم تعمل على إخراج مدونة حماية المستهلك التي تم إعدادها من طرف وزارة التجارة ودراستها من طرف جميع الفاعلين. والمغرب يتوفر منذ وقت مبكر على قوانين منذ بداية القرن العشرين، وجب تحديثها وجعلها تتلاءم ومعطيات العصر، لأن ذلك ضرورية لإنعاش الاقتصاد الوطني وحفظ سلامة وصحةالمواطن المغربي. ويكفي أن تعطي مثالا بدور المحتسب، وكذلك الأمناء الذين يجب تمكينهم من آليات وقوانين جديدة. كما أن قانون المنافسة وحرية الأسعار الذي تم التصويت عليه لا يمكنه أن يفي بجميع المتطلبات، سيما وأنه أقصى حركة حماية المستهلك وكان المأمول هو مناقشة قانون حماية المستهلك على مستوى البرلمان وتخصيص ميزانية لذلك، مما سيعمل وبدون شك على بلورة رؤية واضحة في مجال حماية الحقوق الأساسية للمستهلك المغربي. كما لا يجب إغفال الجانب الإعلامي وكذا الانفتاح على المجتمع المدني لبناء وإرساء ثقافة حقيقية للاستهلاك بما في ذلك تشجيع إحداث جمعيات حماية المستهلك طبقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 09 أبريل 1985. ومن أجل ترسيخ ثقافة حماية المستهلك ينبغي تحسيس جميع شرائح المجتمع بأهمية المحافظة على صحة وحماية مصالح المستهلكين، وذلك من خلال انخراط وتوسيع شبكات الإعلام والاتصال في هذا المنحى. وهذه المهام تخصص بالأساس الصحافة المرئية والمسموعة والمكتوبة والمنتخبين والحكومة وبصفة عامة جميع المتدخلين في قضايا الاستهلاك سواء كان غذائيا أو خدماتيا. كما أن الأمر يقتضي إقحام دروس في برامج التعليم المدرسي خاصة بالاستهلاك. وإشراك بعض ممثلي المجتمع المدني (جمعيات، مكونات حرفية...) في اتخاذ القرارات التي تهم المستهلكين وإحداث مصالح مختصة في جميع الإدارات لسماع وتلبية رغبات المستهلكين، ولم لا تجميع جميع القطاعات التي لها علاقة بالاستهلاك في إدارة واحدة حتى تحدد المسؤوليات وتبسط المساطير في هذا الميدان. إن المنتوجات والمواد الغذائية لها تأثير مباشر على صحة المستهلك، لذا فحماية هذا الأخير شرط أولي وأساسي، وقد طالبت العصبة الوطنية في أكثر من مرة بتقوية الإمكانيات والوسائل لمراقبة جودة المنتوجات الغذائية لسلامة المواطنين، وفي البداية توفير مختبرات على مستوى الجهات والقيام بمراقبة مستمرة ضد كل محاولة للغش أو التزوير أو التلاعب بالأموال، وضد كل شكل من أشكال الأنشطة الاقتصادية غير الطبيعية التي تسعى للمس بالمصالح الصحية والاقتصادية والاجتماعية للمستهلك ، الذي غالبا ما يبقى تائها وحائرا أمام تشتت الجهات المسؤولة عن حماية المستهلك (المصالح البلدية مصالح زجر الغش التابعة لوزارة الفلاحة مصالح زجر الغش التابعة لوزارة الداخلية والمتمركزة في العمالات مصالح الدرك الملكي مصالح الشرطة مصالح وزارة الصحة...). ومادام الحق في الصحة هو من الحقوق البديهية، فإنه لابد من تقريب المؤسسات الصحية من المواطن وتحقيق مجانية خدماتها، وتجيزها بأحدث الآلات وتأطيرها بطاقات بشرية مدربة ومؤهلة التأهيل الكامل ومحاربة كل مظاهر الجهل والأمية والشعوذة، الشيء الذي سيجعل المستهلك المغربي يتمتع بظروف اجتماعية أفضل ويبعد عنه الأمراض النفسية ويجعله سالما من الاضطرابات والعقد. وفي هذا الصدد، فقد طالبت العصبة الوطنية لحماية المستهلك ب: تطبيق النسبة المنصوص عليها من طرف المنظمة العالمية للصحة ألا وهي 10% من الميزانية العامة للدولة. 2 إنشاء مستشفيات إقليمية في كل الأقاليم التي يفوق عدد سكانها 100000 نسمة وتزويدها بكل التجهيزات اللازمة. 3 العمل بمبدأ مجانية العلاج وتوفير كل الأدوية اللازمة والضرورية مع حماية المستهلك من غلائها وذلك بتخفيض الضرائب عن الأدوية بصفة عامة والإعفاء من الرسوم الضريبية بالنسبة للأدوية الضرورية مثل الأنسولين. 4 الاهتمام بالصحة المدرسية وتعميم المراقبة الصحية على جميع المؤسسات العمومية والخصوصية. فرض استعمال الوسائل والأجهزة الوقائية بالنسبة للعاملين في القطاعات المعرضة للإصابات ببعض الأمراض المعدية مثلا التهاب الكبد الفيروسي السيدا... 6 إجبارية المشاركة في التغطية الاجتماعية بالنسبة لكل المواطنين. 7 إحداث صندوق تضامني يعتمد على الهيآت والزكاة وبعض الضرائب المتعلقة بالمعامل والأوراش التي تساهم في انتشار بعض الأمراض وتضر بالبيئة (كمعامل إنتاج التبغ المعامل الصناعية المعامل البترولية المعامل الكيماوية) واستثمار هذه الأموال في مشاريع منتجة تضمن انخراط الطلبة والعاطلين. 8 توفير ما يحتاجه المعاقون من طب خاص. 9 تزويد المستعجلات بالوسائل والتجيهزات الضرورية المتطورة ليتسنى لها القيام بدورها كاملا. 10 وضع برنامج متكامل للتربية الصحية تساهم فيه جميع الفعاليات الإعلامية والتربوية والصحية وتجدير هذا الاتجاه لدى الإعلام الرسمي وجعل خطابه الصحي يستجيب لأولوياتنا وينسجم مع مفاهيم وتصورات المستهلك المغربي. إن بعض المؤشرات الكبرى للصحة تعطي صورة واضحة عن المستهلك المغربي في هذا المجال. فأمد الحياة يقارب 65 سنة، ونسبة الوفيات تصل إلى 6.3 في الألف والطب العمومي موزع بمعدل 14% ومناطق كبيرة تشكو من الخصاص، كما أن بعض الأقاليم كإقليم تاونات تارودانتورزازات شفشاون.. توجد في وضعية تهميش حقيقي أكثر من 10000 فرد للطبيب الوحيد. إن حقوق المستهلك تتجلى في: الحق في سلامة الغداء: وهو حق مشروع حيث للمستهلك حق المشاركة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالسلامة الصحية للأغذية. تسديد الحاجيات الأساسية إمكانية التمتع الملائم بالخيرات والخدمات الأساسية بالتغذية والملبس وبالمسكن وبالخدمات الصحية وبالتربية ويحفظ الصحة. حق السلامة الصحية كالحماية من المواد أو الخدمات وطرق الإنتاج المضرة بالصحة والحياة. حق المعرفة والإرشاد كتمكين المستهلك من العطيات الضرورية ليمارس حقه في الاختيار ويكون محميا من الإشهار المغربي المضلل والبيانات الخداعة. حق الاختيار كتوفير إمكانية الاختيار بين عدة منتوجات وخدمات معروفة بأسعار منافسة مع ضرورة توفير الجودة. حق التمثيل: تمثيل مصالح المستهلك عند إعداد وتنفيذ سياسة حكومية في الغرض وكذلك عند ضبط مواصفات المواد والخدمات. حق التقاضي: ضرورة المعاملة العادلة للقضايا المبررة بما فيها التعويض من أجل الإعلام المغلوط والمواد الفاسدة إلى جانب حق تربية المستهلك. لذلك فالدولة التي تتحمل مسؤولية الاهتمام بصحة المواطن المغربي لجعله يرقى لمستوى الدول التي تعتني بمواطنها في ضمان حقوق المستهلك وحمايته. فتمشيا مع مبادئ ديننا الحنيف والذي يشجع على حفظ الصحة وصيانتها فإنه أصبح من واجبنا جميعا أن نعيد النظر في سياستنا الصحية آخذين بعين الاعتبار النمو الديموغرافي والمخططات والمفاجآت التي قد يحملها إلينا العالم الغربي، الأمر الذي يتطلب الاستعداد للمستقبل وتطبيق برنامج وطني واقعي يراعي إمكانيات الوطن وخصوصية البلاد وحاجيات المستهلك المغربي وتطلعاته، وبالتالي تحقيق نهضة حقيقية في ميدان الصحة ومساواة المستهلكين من خدماتها. محمد بن الماحي رئيس العصبة الوطنية لحماية المستهلك