احتفاء بعيد المولد المولد النبوي الشريف، يقام بمدينة سلا، جريا على العادة، موسم الشموع لمولاي عبد الله بن حسون، من 26 فبراير الجاري إلى 13 مارس المقبل، تحت شعار "المغرب بلد التواصل الحضاري والتقارب الثقافي". ودأبت سلا على الاحتفاء بهذه الذكرى بتنظيم تقليد "الشموع" التي تعلق بضريح الولي الصالح مولاي عبد الله بن حسون عشية ذكرى مولد الرسول، وتستمر لمدة 11 شهرا، حيث تنقل قبل حلول الذكرى إلى مقر صانعها (بلكبير) من أجل صناعتها من جديد. ويأتي هذه السنة اختيار شعار الموسم، الذي ينظمه الشرفاء الحسونيون، اعتبارا لكون المغرب كان في كل محطاته التاريخية عنوانا للتلاقح الثقافي والتفتح الحضاري، مما جعله، على مر العصور، أرض التلاقي والحوار وبلد التسامح والاعتدال. وحوار الحضارات، يقول السيد عبد المجيد الحسوني نقيب الشرفاء الحسونيين في وثيقة بالمناسبة، يشكل "نهجا مبدئيا في توجهات المغرب للنهوض بالتنوع الثقافي والتزام دولي ضد جميع أشكال التطرف ورفض الآخر"، مؤكدا أن المغرب استمر ، بشكل إرادي، لإنجاح الحوار بين الثقافات ك"وسيلة وحيدة لإزالة المنطق الأحادي الذي يحرك، في الغالب أنصار نظرية 'صراع الحضارات' والمواجهة بين الأديان والثقافات". واستحضر السيد الحسوني، في هذا السياق، قول صاحب الجلالة الملك محمد السادس في رسالة سامية موجهة إلى منتدى أصيلا في غشت 2008 "ويظل هدفنا الجماعي، هو انبثاق مواطنة كونية، ونظام عالمي منصف ومتعدد الأطراف، يجعل من العالم قرية للإنسانية جمعاء، تسودها قيم الإخاء والمساواة والديمقراطية، والتنمية المشتركة، والتضامن الإنساني". وتابع أن الطرق الصوفية في المغرب ما زالت حاضرة برصيدها التاريخي وبرموزها العالقة في أذهان المريدين، حيث تدعو إلى معاني الإخاء والرحمة والتضامن وكافة القيم الإنسانية، وفتح صفحة جديدة لعلاقات أتقى للحب والإخاء. ويكتسي الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف بالمغرب -وفق الوثيقة- طابعا متميزا يتجلى في إقامة المولديات بالمساجد، وتنظيم المواسم الدينية في الزوايا، منها الزاوية الحسونية بسلا، التي حافظت، برعاية العرش العلوي، على هذا التقليد الأصيل، خاصة بتقليد الشموع التي تختلف عن الشموع العادية، باعتبار صنع هياكلها من خشب سميك مكسو بالكاغد الأبيض والمزوق بأزهار الشمع ذات الألوان المتنوعة من أبيض وأحمر وأخضر وأصفر في شكل هندسي يعتمد الفن الإسلامي البديع. وأصل موكب الشموع، يعود إلى عهد الملك السعدي أحمد المنصور الذهبي الذي كان تأثر ، خلال زيارته إلى إسنطبول، بالحفلات التي كانت تنظم بمناسبة المولد النبوي الشريف، فأعجب خاصة باستعراض الشموع. وعندما تربع على العرش بعد معركة وادي المخازن استدعى صناع فاس ومراكش وسلا، قصد صنع هذه الهياكل الشمعية، فتم الاحتفال، لأول مرة، بعيد المولد النبوي الشريف في المغرب سنة 986 ه. ولم يكن قدر ومكانة الولي الصالح القطب مولاي عبد الله بن حسون بخافيين على السلطان أحمد المنصور الذهبي، الذي اقتطعه بقعة اختط بها زوايته ودار سكناه. وقد عرف هذا الولي (ازداد سنة 920ه / 1515م بنواحي فاس وتوفي سنة 1013ه / 1604 م بسلا) بكونه رجل علم وتصوف، حيث جمع بين علوم الظاهر والباطن حتى أصبح قطبا من أقطاب الطريقة الشاذلية. ويستهل موسم الشموع باستعراض موكب الشموع الذي يجوب بعض شوارع سلا في اتجاه ضريح مولاي عبد الله حسون (عصر يوم 26 فبراير) تليه، ليلا ، أمسية موسيقية في طرب الآلة بالزاوية الحسونية التي ستقام بها أيضا قراءة جماعية للقرآن الكريم ترحما على أرواح الشهداء المغاربة. ويتابع برنامج الموسم بمجموعة من الفقرات منها محاضرات حول "دور البعثة المحمدية في تغيير تاريخ البشرية"، و"المنهج النبوي في تقويم الأخطاء، كيف نهتدي بالنبي القدوة (ص)"، وحفل "الصبوحي" الذي يقام بالزاوية الحسونية، وندوة علمية حول "رسول الله نبي الرحمة"، إضافة إلى يوم دراسي (13 مارس) حول ملامح هوية الشعوب ودور التراث في تلاقح الحضارات" بمقر جمعية أبي رقراق، وحفل اختتام في اليوم ذاته بالقاعة الكبرى لعمالة سلا.