عندما يتكلم الروائيون المغاربيون عن جنس الرواية تكون لهذا الحديث نكهة خاصة، فهم يمارسون غواية اللغة في بحثهم عن أجوبة لأسئلة هذا الجنس الأدبي التي تتناسل، وتزداد هذه الغواية عندما تدخل أسماء كأمين الزاوي والحبيب السالمي وأحمد المديني المتلقي إلى مختبر السرد المغاربي الشائك. التقى هؤلاء في ندوة نظمها المعرض الدولي للنشر والكتاب هذه السنة تحت عنوان "الرواية المغاربية"، لينحو كل منحاه في الحديث عن الرواية المغاربية وعن أسئلة الكتابة وتماسها مع إشكالات التجربة الذاتية والتراكم المعرفي. من هذه الزاوية، توصل الروائي الجزائري أمين الزاوي من خلال تجربته إلى أن مهمة الروائي ليست هي صنع نص جميل، بل صناعة قارئ جميل ومتعدد. وقد توصل إلى هذا الاستنتاج، حسب رأيه، انطلاقا من ملاحظته للإقبال النهم للقارئ على الرواية المكتوبة بالفرنسية، على الأقل في الجزائر، عازيا ذلك إلى تراكمات سلبية منها "أعطاب الإعلام بالعربية وتراجع دور الجامعة ونكوص دور النشر". وقال الزاوي "إن الإعلام باللغة العربية، يعاني من أعطاب، منها عطب الوصول إلى القارئ" عكس الإعلام بالفرنسية الذي يواكب النص الروائي باحترافية، كما أن الجامعة ودور النشر بالبلدان العربية "لا تخلقان قارئا جديدا ولا تعملان بشكل جدي في توصيل النص الروائي". وتقود هذه الملاحظات الزاوي بالجنوح ويطرح سؤالا مرتبطا ب`"المقروئية"، ليشير إلى أن القارئ باللغات الأجنبية، يتحدث دائما عن بلاده، منفتح عموما على متخيل جنوني، أما القارئ باللغة العربية فما يزال مقيدا بجملة من الأخلاقيات والعقوبات الفكرية، ولم يصل بعد إلى مستوى الجنوح والاختراق الذي تفتحه التجارب الجديدة. أما الروائي التونسي الحبيب السالمي ففضل أن يخلخل تجربة متنه الروائي داخل هذا المختبر، بعيدا، كما يقول، عن الطروحات الصارمة. وعلى الرغم من ذلك، تنقل من فينة لأخرى بين ثنايا أسئلة البدايات طمعا، ربما، داخل أسوار هذه الأسئلة في رسم ملامح عن هذا الجنس الأدبي بتونس. وبدون نرجسية، رسم السالمي بعضا من منعرجاته وتشعباته العلائقية، فهو "المهووس بالواقع ولحم الواقع"، والمنتبه في أعماله إلى الحياة اليومية و"لحظتها الطازجة"، وغايته في ذلك ليس نقل هذا الواقع "الثري والرجراج والمختال"، وإنما هدفه رسم أثر الوجود تماما كما الرسام الانطباعي. ولا يكتفي السالمي بهذا، فهو يخلخل المفاهيم من جديد بطرحه لجملة من التساؤلات عن تعريف الواقع، "هل هو واقع فيزيائي، هل هو هذا الواقع الذي يتمثل في أذهاننا، أين يبدأ الواقع وتنتهي الذات". وبكثير من الحرص قال إن الرواية بالنسبة له ليست حكاية الواقع، وإنما اشتغال على الحكاية وما يمكن أن يتولد عنها من أحاسيس وأفكار وانطباعات، و"كلما ابتعدنا عن البلاغة والبذخ اللغوي اقتربنا من الذات" وهذا الاقتراب لا يكون إلا بلغة "ناشفة متقشفة شبيهة بلغة صمويل بيكيت". فشعرية الرواية، "لا تتحقق بلغة القصيدة الغنائية، بل من خلال إيقاع السرد وحركيته الداخلية ومن التطور الدرامي". وارتأى أحمد المديني أن يعالج موضوع الندوة معالجة "تاريخية وتاريخانية" بالعودة إلى تجربة مجلة "أنفاس" ليس في حمولتها الإيديولوجية بل الثقافية. وعاد المديني إلى "بروتوكولات المجلة" في ما يخص التوجه المغاربي انطلاقا من الرؤية الجماعية التي ارتضاها عدد من المبدعين المغاربيين. وقال المديني إن التجربة الروائية المغاربية "بنت هذه الأرض" وهي كتابة تنتمي إلى حقل الأدب العربي الأوسع، لها تاريخيتها وانجذاباتها تنقلها من الأدب العام إلى الأدب الخاص. يشار إلى أن أمين الزاوي كاتب وروائي جزائري عمل أستاذا للدراسات النقدية في جامعة وهران، بعد حصوله على شهادة الدكتوراه عن "صورة المثقف في رواية المغرب العربي"، وله العديد من الروايات باللغتين العربية والفرنسية إضافة إلى مجموعتين قصصيتين. مارس التدريس في جامعة باريس الثامنة، وشغل بين عامي 2002 و2008 منصب المدير العام للمكتبة الوطنية الجزائرية. أما الحبيب السالمي فهو أحد أهم الروائيين التونسيين المعاصرين، ورغم مقامه بباريس فضل الكتابة بالعربية، فاز سنة 2008 بجائزة "بوكر" للرواية العربية عن روايته "روائح ماري كلير"، وله روايات عديدة منها "جبل العنز". ولأحمد المديني، الذي ازداد سنة 1949 بمدينة برشيد والحاصل على دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس سنة 1987 وعلى دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة السوربون بباريس سنة 1990، روايات منها "زمن بين الولادة والحلم" و"وردة للوقت المغربي" و"الجنازة" و"حكاية وهم" و"مدينة براقش" و"العجب العجاب".