أسمهان الزعيم،روائية مغربية شابة جاءت الرواية من القصيدة. حاصلة على دكتوراة في الآداب الإسبانية، وماجستير في العلوم السياحية بروما أطلقت قبل أسابيع مولودا أول، واختارت له من الأسماء ماقيل همسا... إزاء هذه التجربة الروائية، متاهة الكلمات، حمى الإبداع، واحتفاء بهذا المولود كان هذا الحوار: من تكون أسمهان الزعيم داخل الكتابة وفي الحياة؟ أسمهان الزعيم هي كما يراها كل قارئ على انفراد داخل النص، فقد أبدو رومانسية وحالمة، وقد أبدو عاشقة شغوفة وقد أبدو وحيدة شقية وساخرة أحيانا، أنتظر على حافة الدنيا ابتسامة القدر، ربما أكون كل ذلك جملة، وربما أكون قسطا منه وربما أكون قريبة من كل هذه المرافئ المحاذية ليم ممتد كأفق بعيد. . أسمهان في واقع الحياة لا تحلم كثيرا، لكنها حين تلج محراب الكتابة تحلق بعيدا، وتشرع بوابة الحلم. تحب الحياة وتحب من يحبها وتعشق الجمال، ولعل الجمال المعنوي والروحي أشد جاذبية وأكثر سحرا. لماذا تكتبين؟ لماذا أكتب إذن؟ ألأنني عشقت الأدب الإسباني بشكل عام والعربي بشكل خاص حد النخاع ووجدتني مسكونة بسحرهما الأخاذ فاندفعت اندفاعا إلى الكتابة باللغة العربية التي شدتني بلاغتها شدا وأسرني إيقاعها وموسيقاها وغناها الفريد أم لأنني وجدت نوعا من التطهر من الذات وأدران الحياة وأنا ألبس لباس الرواية ليقيني شر الصقيع وحر الهجير؟ ماذا عن تلك الحوادث التي ورطتك في متاهة الكلمات؟ هناك الكثير من الأحداث التي قادتني إلى عالم الكلمة فأصبحت أسيرة سحرها، منجذبة إلى مكنوناتها وألغازها، لكني سأختصر الحديث بالقول إن عشقي الكبير للأدب هو الذي ساقني إلى عالمه المتفرد والمغوي فألفيتني أهيم على وجهي في سراديب الكتابة الشائكة وكأن طيفا لامرئيا سحبني من يدي أو من قفاي إلى عوالم مشرعة المدى على الحلم والتيه والتذكر. من أين بدأتك ما قيل همسا باعتبارها حالة من حمى الإبداع؟ مع بداية حرب الخليج الأولى بدأت الإرهاصات الأولى لهذا العمل أو إن شئت الشرارة الأولى التي تبلورت فيما بعد على شكل رواية طويلة يكتنف عوالمها البوح والهمس الخفيض أو الصاخب، فجاءت تتلفع بعنوان ما قيل همسا. ما الذي تطلبته منك.. عملية توثيق مرهقة، أم أنها إفرازات للذاكرة والتخيل؟ حين شرعت في كتابة روايتي لم يكن هدفي البتة عملية توثيق أو تأريخ علما بأنني لست مؤرخة، لكني اعتمدت بالدرجة الأولى على ما اختزلته الذاكرة وما ترسب في الوجدان، أضف إلى ذلك عامل التخييل الذي يلعب دورا جبارا وأساسيا في العمل الإبداعي السردي بشكل عام. فالمادة التاريخية مهمة في الرواية لكن الجوهر التخييلي والأسطوري مهم جدا أيضا ولعله يمثل العمود الفقري في العمل الإبداعي، فلا وجود للإبداع في غياب ريشة التخييل السحرية. تحتفي روايتك بالحب، تنظر إليه، تعرفه، تتموقف منه، هل لسؤال الحب عندك مرجعية فلسفية، ذاتية، أم هي رؤية المبدع للعالم؟ هي كل ذلك جملة. ما الذي قدمته لـمها التي احتضن اسمها تجربتك؟ مها شخصية روائية ومحورية في روايتي، لست أدري إن كان مجمل القراء قد تعاطفوا معها أم عكس ذلك، وإن كان يصح لي أن أقول بأنني قدمت لها شيئا رغم أنها شخصية من ورق فسأقول إني قدمت لها فرصة للبوح وأهديتها عالما نيزكيا تحفه شهب الأحلام وكواكب الاستيهام وقمر خجول يطل من وراء السحاب لينير فضاء يسربله الحب بشتى تمظهراته وأشكاله. أدب المرأة.. الأدب النسوي.. هل يوجد أدب نسائي؟ لا أومن شخصيا بتجنيس الأدب إلى نسوي ورجالي فالإبداع إنساني في الأول والأخير بغض النظر عن جنس وجنسية كاتبه، لكني أجزم أن ثمة خصوصيات تتميز بها الكتابة عند المرأة، فالبوح عند المرأة لا يشبه البوح عند الرجل مثلا، وحساسية المرأة لا تشبه حساسية الرجل، وقد تلتقط المرأة الكاتبة إشارة ما قد لا يعيرها الرجل الكاتب اهتماما والعكس بالعكس صحيح. بالمناسبة، هل الرواية امرأة؟ الرواية هي التاريخ والأسطورة، هي الواقع والتخييل، هي البوح والتيه، هي الفكر والتأمل والإستبطان، هي الموسيقى والشعر، هي المخيلة الجامحة وهي الجنون أحيانا. إنها تلبسني حين أقرأها وقد لبستني حين حاولت أن أحاذي حافتها الشاهقة في باكورتي ما قيل همسا، إنها لباسي، وأشعر أنني إذا تجردت منها أو تجردت مني سأتعرى وأندثر.. تمر بنا فصول روايتك من خلال مقاطع كالومضات، بالمناسبة أي الدلالات كانت حاضرة في ذهن أسمهان وهي تضع هذه الومضات عتبة لفصولها؟ ما كان حاضرا بذاكرتي وأنا أخط هذه العتبات هي مجموعة من الثنائيات الضدية كالحياة، القدر،الصبر، الظلام، العبث،الخداع، الصداقة، الحب، الحقيقة، الغواية، السراب، الذاكرة، النسيان.. ما محل قراءاتك لسحرية الرواية اللاتينوأمريكية من ما قيل همسا؟ بحكم تخصصي في الأدب الإسباني الحديث بشكل عام والرواية بشكل خاص فلا يمكنني أن أتجاهل تلك الآثار العميقة التي خلفها في ذاكرتي ومخيلتي الأدب الإسباني سواء في إسبانيا أو أمريكا اللاتينية. فروايات كاميلو خوصي ثيلا وميجيل ديليبيس وخوان كويتيصولو وخوان بنيط الذي هيأت فيه أطروحتي لنيل الدكتوراه وكارسيا ماركيز بروايته الخالدة مائة سنة من العزلة، كل هؤلاء تركوا بصمتهم في روايتي شئت أم أبيت، فقد سحروني بعوالمهم التخييلية الجامحة وبأساليبهم المتميزة وتقنياتهم الجديدة في السرد وتعاطيهم مع المادة الروائية والتاريخية مشكلين ما يشبه الثالوث المقدس في أعمالهم، فلا تجد أحدهم يكتب دون أن يضع في مقدمة اهتمامه المادة التاريخية والأسطورة أو العجائبية ثم اللغة أو الأسلوب الذي يعتبره الروائي خوان بنيط بمثابة الطين في يد الخزفي. كيف تقدمين المشهد الروائي المغربي اليوم؟ ما هي الأصوات المسموعة والفاعلة فيه؟ المشهد الروائي المغربي اليوم بخير والحمد لله، فقد أثراه في نهاية الخمسينية السالفة من القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة ثلة من المبدعين أغنت الخزانة المغربية أمثال عبد المجيد بن جلون، عبد الكريم غلاب، ربيع مبارك، أحمد المديني، م.الكبيري، مصطفى لغتيري، ع. الموذن، الميلودي شغموم وغيرهم كثير، ومن النساء خناثة بنونة، زهرة المنصوري وفتيحة مرشيد.. كل هؤلاء أبدعوا، كل بطريقته الخاصة إلا أنني وجدت في الناقد والروائي محمد برادة مبدعا من عيار خاص، فهو يكتب من خلفية نقدية غنية وعميقة وأسلوبه يستهويني وعوالمه وطريقة تعاطيه مع المادة السردية أثارتني وشدتني كثيرا، ولن أكون مبالغة إذا قلت عن رواياته: لعبة النسيان والضوء الهارب ومثل صيف لن يتكرر أنها بمثابة أساور مرصعة بالأحجار الكريمة في معصم الأدب المغربي المعاصر. تأتين للرواية من عوالم القصيدة، هل يعني هذا أن العبارة لم تعد تسعفك كما ينبغي أن يكون؟ بل على العكس، كل ما في الأمر أنني لا أعرف حدودا بين الأجناس الأدبية، فقد أشرع في نظم قصيدة فتكون لي مدخلا حميميا لفصل في رواية والعكس بالعكس صحيح