منذ أن كتب روايته السير-ذاتية الأولى بشكل تفكيكي نادر في ذلك الوقت البعيد، وبلغة فرنسية غاية في العمق التعبيري الروائي منه والفلسفي، ونشرها سنة1971عن دار «دونوي» الفرنسية الشهيرة، وبعد نشر أطروحته الجامعية قبلها باللغة الفرنسية أيضا حول الرواية المغاربية التي انتبه فيها وهو الباحث العميق إلى العلاقة الجامعة بين الرواية المغاربية المكتوبة باللغة الفرنسية والأخرى المكتوبة باللغة العربية، من حيث الرؤية العامة، سنة 1968 عن دار «فرانسوا ماسبيرو»، والتي قام بترجمتها إلى اللغة العربية بعد ذلك الناقد والروائي المغربي محمد برادة، أصبح اسم عبد الكبير الخطيبي أحد أهم الأسماء المشتغلة بالثقافة العربية بحثا وإبداعا، رؤى عميقة وتفكيكا أعمق. أما حين ألف كتابه الشهير «جرح الاسم الشخصي» سنة 1974مفككا فيه الثقافة الشعبية وشما وحكايات وأمثالا، ونشره عن دار «الآداب الجديدة»، (Lettres Nouvelles ( الفرنسية، والذي ترجمه الشاعر المغربي محمد بنيس تحت عنوان شاعري بليغ هو «الاسم العربي الجريح» وتم نشره عن دار العودة ببيروت سنة 1980، فإن اسم عبد الكبير الخطيبي اخترق صلب الفكر العربي وأصبح واحدا من كباره الذين يمتلكون بعدا نظريا وتنظيريا عميقين. هكذا تواصلت أعمال الكاتب المفكر عبد الكبير الخطيبي لتشمل التفكير في الحرف والوشم والصورة، ولتقدم أعمالا عميقة شكلت مراحل هامة في البحث العلمي الرصين، بحيث أصبحت هذه الكتب التي تناولت الخط العربي والتشكيل العربي إضافة إلى تجليات الفكر العربي منارات كبرى تتطلب المتابعة والمناقشة والبحث والتنقيب والتفكيك، وهو ما تجلى في الكتب التي صدرت عنها، أو في الموائد المستديرة العلمية التي أقيمت حولها سواء في المغرب أو في أوربا أو في أمريكا. كما أنها قد حظيت باعتراف المؤسسات الرسمية، فقد حصل الكاتب عبد الكبير الخطيبي سنة 1997 هنا في المغرب عن مجمل أعماله، على جائزة الاستحقاق الكبرى التي تهدف إلى تكريم رجالات المغرب تقديرا لجل إنتاجاتها المتميزة في الميادين الثقافية أو العلمية أو الإبداعية، ولمواقفهم و خدماتهم للثقافة المغربية، كما سبق له الحصول على جائزة الأكاديمية الفرنسية سنة 1994. كما أن إشعاع هذه الأعمال، التي قدمها بكثير من العمق والتحليل الرصينين، قد ترجمت إلى كثير من اللغات العالمية وفي مقدمتها اللغة الانجليزية والألمانية والايطالية واليابانية وسواها، كما أن أغلبها قد ترجم إلى اللغة العربية، سواء الكتب ذات البعد العلمي، أو الكتب الإبداعية حيث ترجم الكاتب العربي بطرس الحلاق روايته السيرذاتية «الذاكرة الموشومة» كما ترجم الباحث الجمالي في فن الصورة فريد الزاهي روايتيه «صيف في ستوكهولم» و «ثلاثية الرباط» إضافة إلى مجموعة أخرى من كتبه التي تهتم بالفن التشكيلي. أما في ما يتعلق بشعره، فقد قدم الخطيبي أيضا في هذا المجال مجموعة من الدواوين ذات البعد النفسي القوي، والغوص اللانهائي في اللامفكر فيه، ومن بينها ديوانه الشهير «المناضل الطبقي على الطريقة التاوية» الذي قام بترجمته الشاعر كاظم جهاد، ونشرته دار توبقال سنة 1986، والذي يقول عنه الكاتب المغربي محمد الزاهيري ما يلي «اهتمامات الخطيبي هاته ، نجدها أيضا في شعره ، ولربما كان هذا هو السبب في كون المناضل الطبقي على الطريقة التاوية» قصيدة يحاول فيها الشاعر تجربة فريدة تجمع بين التاوية والماركسية لمواجهة الفكر المسيطر، وخصوصا الفكر اللاهوتي والميتافيزيقي. ويمكن أن نعرف القصيدة كصراع وكمعرفة. إننا هنا بصدد مفهوم جديد للشعر. لقد قدم الخطيبي أزيد من عشرين كتابا شملت معظم فروع الأدب وفنونه، وشكلت أفقا جديدا للبحث العلمي السوسيولوجي والسيميائي المنفتح على اللامفكر فيه، وهو الأمر الذي دفع الباحث والناقد الفرنسي الشهير «رولان بارت» إلى أن يقول في حقه ما يلي: «إنني والخطيبي نهتم بأشياء واحدة، بالصور، الأدلة، الآثار، الحروف والعلامات. وفي الوقت نفسه يعلمني الخطيبي جديدا، يخلخل معرفتي، لأنه يغير مكان هذه الأشكال، كما أراها، يأخذني بعيدا عن ذاتي، إلى أرضه هو، في حين أحس كأني في الطرف الأقصى من نفسي. كما أنه في عمله دائما يبحث عن الجديد ولا يقف أبدا عند عتبة الأبواب، اٍنه يلجها بكثير من المغامرة وكثير من الحذر العلمي الباهر، اٍنه يفككها ويعيد تركيبها من جديد. إنه يمتلك القدرة على الغوص في أعماق الأشياء، وهو ما أهل إنتاجه ليصبح ، كما يقول الشاعر محمد بنيس عنه، « مكان حوار» بين مناطق متعددة في العالم يهاجر، بين الولاياتالمتحدة واليابان، يستقصي المواقع وينعش السؤال. هناك في النقطة التي تقلق النموذج، وتتشكل استراتيجيات العالم، يكون لقاء الخطيبي. من سؤاله كمغربي وعربي يشتغل في إزعاج المتعاليات، القديمة والجديدة، وينخرط في تعضيد التجاوبات الضرورية لثقافة تريد أن تكون إنسانية باختلافها، وبابتهاج الإقامة في سؤال الحياة والموت. إن هذا العمق المعرفي هو ما جعل أعمال الخطيبي تحظى بالاحتفاء العالمي و تتم مساءلتها باستمرار من كبار مفكري العصر الحديث من «رولان بارت» إلى «جاك ديريدا»، يمتد صيتها شرقا وغربا وهي في عمقها تتجاوز زمن كتابتها، وهو الأمر الذي حرصت عليه دار النشر الفرنسية الاختلاف La Différence حيث قامت هذه السنة 2008 بإعادة طبع مجمل أعماله في طبعة شبه كامله لها، في ثلاثة مجلدات كبرى شملت الرواية والشعر والدراسات، مقدمة بذلك فرصة جديدة للباحثين والنقاد للتأمل في أعماله من جديد ومساءلتها بعد مرور سنوات عديدة على نشر بعضها، ومحاولة القبض على الخيط الفكري الدقيق المتحكم فيها، إضافة إلى إعادة تقييمها من جديد وفق التحولات الفكرية والفنية الإبداعية التي شهدت الحقول التي كتبت فيها. وهو ما أعلن عن حضوره في المائدة المستديرة التي قامت بانجازها جمعية التنسيق بين الباحثين في الآداب المغاربية والمقارنة إقامتها سنة 2008 حول هذه الأعمال بمدينة الرباط بإشراف الباحث الأكاديمي د. حسن وهبي المتخصص في دراسة أعمال الخطيبي والذي سبق له أن نشر حولها مجموعة من الدراسات العلمية الرصينة والتي توجَها بكتاب علمي خصص لها تحت عنوان «كلمات العالم»، كما احتفت مدينة «الجديدة » بهذه الأعمال وذلك من خلال تنظيم ندوة دولية حولها كانت ناجحة جدا وإقامة معرض للفن التشكيلي بالمناسبة شد إليه أنظار المتتبعين. أبعد من هذا، فقد حصل الخطيبي أيضا على مجمل هذه الأعمال على جائزة الربيع الكبرى 2008 التي تمنحها جمعية «أهل الأدب» Les gens de Lettres «بفرنسا، وهي من ضمن الجوائز الأدبية الرفيعة التي يتوق كل أديب كبير للحصول عليها.