تلقى الصحفيون بقاعات التحرير بوكالة المغرب العربي للأنباء، عشية أمس الخميس خبرا ليس كالأخبار التي ألفوا معالجتها .. "رحيل الحسين رفا أحد قيدومي الوكالة". رحل رفا إلى دار البقاء دون أن يتمكن من توديع الذين أحبوه أو عملوا إلى جانبه أو عرفوه في عالم الصحافة أو تعرفوا عليه ببساطة كإنسان .. لم تمهل المنية الحسين رفا لإلقاء التحية على الجميع، كما اعتاد ذلك، وهو يلج قاعات التحرير بالوكالة التي أضحت في حداد بعد أن خطفته يد المنون بغتة بعد مرض ألم به فأدخله في غيبوبة، وهو الذي واجه بشجاعة كثيرا من المحن طيلة أزيد من أربعة عقود أفناها في خدمة مهنة أحبها حتى النخاع. أعيد الحسين رفا، الثلاثاء الماضي، من جنيف، حيث قدم آخر خدماته للوكالة، التي التحق بها سنة 1968، وأدخل إلى إحدى مصحات الرباط حيث أسلم الروح لباريها محاطا بأهله وأصدقائه. ولسخرية القدر، تزامن ذلك مع تاريخ غيب فيه الموت، قبل تسع سنوات ، أحد قيدومي الوكالة، الراحل مصطفى المير. منذ التحاقه بالوكالة، لم يفكر الحسين رفا، في أي وقت من الأوقات، في مغادرتها، حتى في الأوقات العصيبة التي تنتابه فيها نوبات من الغضب أو لحظات اليأس، إنها مسألة وفاء، إذ من النادر في عالم الصحافة أن تصادف صحفيا تربطه بمقر عمله علاقات مودة، إلا أن الحسين رفا، الوكالاتي بامتياز، ظل حتى آخر رمق، يرفض أن يتحدث أحد عن المؤسسة، التي انتمى إليها بكل جوارحه، بسوء، ولم يكن يتردد في معاتبة صديق عزيز من أجل "عيون ملهمته". انطلقت مغامرة الحسين رفا في عالم الصحافة سنة 1969 عندما أنجز أول تغطية له بمناسبة مؤتمر القمة الإسلامي بالرباط، وسرعان ما أضحى أحد أبناء الوكالة الأوفياء ممن عقدت عليهم كبير الآمال. فرصته الأولى كانت مع الراحل المهدي بنونة أول مدير للوكالة، أما عبد الجليل فنجيرو، الذي خلف بنونة على رأسها، فقد كان يعتمد لمدة طويلة على الحسين رفا كرجل ثقة بقاعات التحرير. من إفريقيا إلى العالم العربي مرورا ببلدان آسيوية، عايش الراحل لحظات قوية وتجارب مثيرة، والتقى شخصيات كبيرة بصمت التاريخ، وأجرى مقابلات مع رواد حركات التحرير بالقارة الإفريقية. كان أول من يلج قاعة التحرير في الفترة الصباحية عند الساعة السادسة، حليق الرأس ، أنيقا، ليفتتح الإرسال، في انتظار وصول زملائه الذين يستقبلهم عادة، بقفشاته اللاذعة، التي سيفتقدها الكثيرون. وبغض النظر عن تقلد المناصب والمهام، كان الراحل جنديا مخلصا وفيا، وفي سنواته الأخيرة كان يردد باستمرار أنه يمكن له أن يرحل في سلام، وهو مطمئن لأن مستقبل الوكالة واعد بفضل جيل جديد من المخلصين مستعدين للتضحية من أجلها.