صدرت مؤخرا عن (مطبعة المعارف الجديدة) بالرباط، طبعة جديدة منقحة ، مراجعة ومزيد فيها، لمؤلف "الجيش المغربي عبر التاريخ" للأستاذ عبد الحق المريني، وهو الكتاب الذي حصل به على جائزة المغرب سنة 1968. ورصد الأستاذ عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة، في هذا الكتاب، مختلف الجوانب التاريخية التي رافقت الجيش المغربي منذ فجر التاريخ، مبرزا أهم الخصائص التي يتمتع بها من خلال الاستناد إلى مجموعة من الوثائق الهامة، إضافة إلى عدد مهم من الصور والرسومات البيانية. وجاء في كلمة تمهيدية للأستاذ عبد الحق المريني، أنه أخذ على عاتقه البحث في هذا الجانب الهام من التاريخ، بعد أن وجد فراغا بالخزانة المغربية في موضوع التاريخ العسكري المغربي الذي لم يعره بعض المؤرخين الكثير من الاهتمام. وعلى امتداد صفحات الكتاب، يتدرج الأستاذ عبد الحق المريني، بالحديث عن الجيش المغربي، منذ فجر التاريخ وفي عهد الدولة الإدريسية، والذي كان يحمي البلاد من الخوارج على الحكم ويتعقب المجرمين وقطاع الطرق، ويقوم ببناء الحصون والقلاع داخل البلاد وعلى الحدود. أما بالنسبة للعهد المرابطي، فقد أشار المؤلف إلى أن الجيش كان نظاميا مدربا على الحياة العسكرية ومعززا بالفرسان والرماة بلغ عددهم مائة ألف، ولعب أدوارا في تحصين المغرب والدفاع عن الأندلس. وعن وضع الجيش المغربي في عهد الدولة الموحدية، أبرز الأستاذ عبد الحق المريني التنظيم الذي تميز به هذا الجيش الذي حقق في تلك الفترة العديد من الانتصارات، حيث أبلى البلاء الحسن في وقعة الأرك. وبخصوص الجيش المغربي في العهد السعدي، تطرق الأستاذ عبد الحق إلى ما توفر للقوات العسكرية من وسائل الحرب والأسلحة الثقيلة، علاوة على ما كان لها من تنظيم محكم ودقيق. فقد اهتم السعديون بصناعة المدافع، وبناء الأبراج غاية الإهتمام ، كما اهتموا أيضا بصناعة البارود. وتناول الكاتب قوة الجيش السعدي في مقاومته للبرتغال، مركزا على معركة "وادي المخازن" التي انتصر فيها السعديون. وجاء حديثه عن هذه المعركة، معززا بالرسوم البيانية لمواقع القوات المتحاربة يوم المعركة، علاوة على كيفية تركيب الجيوش المتحاربة. وانتقل المؤلف إلى الحديث عن الجيش المغربي في عهد الدولة العلوية، إذ كان هذا الجيش يتألف من عشرات الآلاف من جميع نواحي المغرب (جيش الودايا وجيش النار وجيش البواخر وجيش الشراردة ...)، ووصف الأستاذ عبد الحق المريني هذا الجيش ب"المنظم والقوي". وهكذا فصل الكاتب الحديث عن موقع الجيش المغربي في عهد سيدي محمد بن عبد الله، مذكرا بأعماله الحربية واهتمامه بالأساطيل البحرية، وفي عهد مولاي سليمان تم الوقوف في وجه الزاحفين على شواطئ المغرب وثغوره . كما أن المولى عبد الرحمان بن هشام استطاع القضاء على أهل الفتن وأعداء الدولة اعتمادا على جيشه المنظم والقوي. كما تم التطرق إلى مدى اهتمام الملوك العلويين وعنايتهم القصوى بالجيش المغربي حيث كانوا حريصين على أن يكتسب باستمرار الخبرات والتجارب. وإضافة إلى هذا الاهتمام المتزايد، عرف الجيش المغربي إصلاحات عسكرية مهمة خاصة في عهد المولى الحسن الأول، تمثلت بالخصوص في إرسال بعثات طلابية عسكرية إلى الخارج. وهكذا، يبرز الأستاذ عبد الحق المريني، حظي المغرب في عهد المولى الحسن الأول بجيش عتيد ومسلح بأحدث الأسلحة ونفس الأمر في العهد العزيزي إذ أصبح للجيش المغربي نظام خاص يعمل وفق جدول أعمال. ويتوالى هذا الاهتمام أيضا في عهد المولى عبد الحفيظ إذ على الرغم من التدخل الفرنسي فقد حاول الجيش المغربي، قبل إعلان الحماية أن يحمي وحدة التراب الوطني ويدافع عن كيانه. بعد هذا الجرد التاريخي المستفيض ينتقل المؤلف للحديث عن جيش التحرير ومقاومته للاحتلال الفرنسي مع التركيز على أبطال التحرير الذين امتازوا بدفاعهم عن حوزة الوطن. ولم يفت الأستاذ المريني أن يذكر بإشارات أخرى تثبت قوة الجيش المغربي وحضوره المتميز، منها خوض معارك الحرب العالمية الثانية تلبية لنداء السلطان محمد بن يوسف لأجل محاربة الفاشية والنازية إلى جانب فرنسا وحلفائها. ويجد القارئ في هذا المؤلف المعلومات التي تبرز الصدى الكبير الذي تركه جيش المغرب في الأوساط الدولية، مما حدى بكثير من الشخصيات العلمية لتقدم شهدات تاريخية عن أبطال الجيش المغربي. وفي عهد الاستقلال كان لابد من الاستمرار في تطوير وتجديد هياكل الجيش المغربي، وحتى تكون الصورة متكاملة لما يقوم به الجيش المغربي من أدوار مهمة، سجل الأستاذ المريني أيضا دور الجيش المغربي في الدفاع عن القضايا العادلة بالشرق الأوسط وفي أفريقيا استجابة لنداء الواجب الإسلامي والدولي ومن ثمة استعرض الكاتب مختلف بطولات القوات المسلحة. وهكذا يكشف كتاب "الجيش المغربي عبر التاريخ" عن جوانب هامة في تاريخ هذا الجيش، وعن أمجاده وبطولاته التي أصبحت مضرب المثل في الشجاعة والإقدام، للدفاع عن النفس والوطن وصد كل معتد أثيم، فجاء الكتاب بمثابة ربط لماضي الجيش المغربي الباسل، بعهده الجديد المليء بالأعمال البطولية والإنسانية، داخل حدود بلاده وخارجها.