الأديب الراحل أحمد عبد السلام البقالي ، عنوان كبير لإبداع الطفل والخيال، فقبل أن تلج قدماك فضاء الطفل بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء تستقبلك صورته من بعيد، بابتسامته الطفولية، فتنط إلى الذاكرة أسماء قصصه التي وشمت خيال ملايين الأطفال المغاربة "الأمير والغراب" و"زياد ولصوص البحر" و"سر المجلد الغامض" و"صابر .. المغفل الماكر" و"الطريق إلى سفينة الكنز" و"جعفر الطيار" و"مدينة الأعماق" و"جزيرة النوارس" . يصادف الزائر عند مدخل هذا الفضاء الطفلة "سارة"، ذات الثمان سنوات، وهي تخط على أوراق خربشات بألوان الطيف، مترجمة على صفحاتها البيضاء الموضوعة أمامها في إحدى ورشات الرسم ما جادت به مخيلتها الصغيرة. وبين حين وآخر تنصت "سارة" إلى مؤطرتها الفنانة التشكيلية سناء السرغيني، التي تنهل منها بعضا من أبجديات الفن التشكيلي قد تكون لها نبراسا ولم لا مشروع فنانة تشكيلية. وتستقبلك صور مماثلة من هنا وهناك، حيث يتنقل الأطفال داخل هذا الفضاء بين الورشات وخشبة المسرح والمحترفات، كالفراشات، يؤدون نصوصا مسرحية وينسجون علاقات حميمية مع الدمى والعرائس والألوان ، من خلال ورشة " الفن التشكيلي" ، حيث تنقلهم الفنانة إلى عوالم التشكيل الواسعة ليطلقوا العنان لمخيلتهم، دون أن تغفل السرغيني أن تزودهم بمرونة وعفوية بالتقنيات الأساسية في الرسم والفن التشكيلي. "نحاول داخل هذه الورشة وضع برنامج تربوي لتعليم أسس الفن التشكيلي في سن مبكرة ، في إطار مسلي للأطفال فيما بينهم، مما ينشط مخيالهم ، ويسمح لهم بتملك وسائل وأدوات التعبير التشكيلي"، تقول السرغيني لوكالة المغرب العربي للأنباء. غير بعيد عن ورشة الفن التشكيلي، لا يمكن أن لا تستوقف الزائر خطوط مكتوبة بالخط المغربي الأصيل داخل ورشة "الخط المغربي والقصص المصورة" التي يشرف عليها الخطاط المغربي محمد قرماد، الذي حرص في حديث للوكالة على أن يبرز خصوصية الخط المغربي، الذي يختلف عن باقي الخطوط العربية، لما يحمله من جمالية وانسجام وتناغم وتجريد وغنى وكذا حرية في التشكيل، ومن هنا تكمن أهمية تلقين الأجيال الصاعدة لأسس هذا الخط كرافد من روافد الحفاظ على الهوية المغربية. وعلى بعد بضعة أمتار فقط، تحلق الأطفال حول الأستاذة الجامعية نزهة بنعتابو في إطار ورشة "اصنع حكايتك بنفسك"، التي تنسج معهم، من وحي الخيال، قصص وحكايات توقظ المعارف النائمة في ذاكرتهم انطلاقا من مواضيع راهنة وهادفة كالبيئة وحقوق الإنسان. فداخل هذه الورشة، يحاول مجموعة من الحكواتيين أمثال إدريس اليحياوي ويحيى قرني، تعليم الأطفال كيفية ابتكار أحداث الحكاية وكتابة نصها برسوم توضيحية، ثم تدوينها وطبعها، ليتم بعد ذلك بلورة أحداث هذه الحكايات بتجسيدها من خلال عرض مسرحي تنجزه فرقة مسرح العرائس التابعة لوزارة الثقافة، بالنسبة للحكاية الفائزة، بتعاون مع جمعية لقاءات للتربية والثقافة. في هذا السياق، تقول السيدة فاطمة العسري، رئيسة قسم الترجمة بوزارة الثقافة المشرفة على هذا الفضاء، إن الأطفال يدركون أن هذه الحكايات التي يعبرون من خلالها عن تخوفاتهم وآمالهم وانتظاراتهم ، ستدخل غمار المنافسة ضمن فقرات هذا الفضاء مما يحفزهم على مضاعفة مجهوداتهم. وتوقفت السيدة العسري عند "المقصد الاستراتجي" من هذه العملية، مؤكدة على الأهمية التي يكتسيها تكوين مثقف الغد من خلال توفير بيئة خلاقة تشجع الأطفال على تعزيز قدراتهم الإبداعية مع الحرص على إتاحة أجواء ملائمة لحرية التعبير، بكل الوسائل التي يتيحها الفضاء ، وليفجروا طاقاتهم الدفينة بعيدا عن مراقبة الآباء والمدرسين. وحضر أبو الفنون بقوة في هذا الفضاء، إذ يستفيد الأطفال من تجربة الفنان المغربي وحيد شكيب والفنانة سمية أقريو، في التعبير الجسدي والارتجال والتشخيص المسرحي الذي يتطلب تحكما في لغة الجسد، فبالنسبة لوحيد شكيب تظل العديد من المواهب حبيسة الفكر الطفولي. وخلص هذا الفنان إلى أن هذا العمل التواصلي مع عالم الطفل يسعى إلى تنمية مواهبه و دفعه إلى الإبداع واستثمار ملكاته الفطرية و المكتسبة، وتوسيع آفاق معلوماته ومداركه لينتقل من "مستهلك للعمل الإبداعي إلى منتج".