قالت جريدة (الأخبار) اللبنانية في عددها الصادر اليوم السبت إن الجزائر ودعت أول أمس، ومعها العرب، كاتبا استثنائيا يكاد مساره يختصر المحطات المفصلية في تاريخ بلاده، مع انشغال دائم بالعلاقة الإشكالية بين المثقف والسلطة. "الشهداء سيعودون. قالها عمي الطاهر، وربما هذا الأسبوع ... عينه ترى كل التفاصيل التي تغيب عنا" هكذا تحدث الحسين بن المهدي بطل رواية (ضمير الغائب) لواسيني الأعرج عن الطاهر وطار /1936-2010/، عم الأدباء الجزائريين والمغاربة. الطائر الحر والكاتب المثير للجدل، غادرنا أول من أمس عن 74 عاما بعد صراع طويل مع المرض ". ويضيف المقال ، الذي كتبه الشاعر المغربي ياسين عدنان، أنه في بداية الستينيات، نشر الطاهر وطار مجموعة قصصية بعنوان (دخان من قلبي) وفي 1974 صدرت روايته الأولى (اللاز). ومن يومها تخصص في كتابة تاريخه الموازي الخاص ، وغير الرسمي ، لجزائر ما بعد الاستقلال. في (اللاز) رصد تناقضات الثورة الجزائرية، وفي (الزلزال- 1974 ) راقب التحولات الزراعية للبلد، فيما حاول في (العشق والموت في الزمن الحراشي- 1982 ) التأريخ لمرحلة الثورة الزراعية والتسيير الاشتراكي للمؤسسات. وعالج في (الحوات والقصر- 1974 ) و(تجربة في العشق- 1989 ) إيديولوجيا البورجوازية الصغيرة القائمة على الازدواجية. اختيارات طبيعية لكاتب طليعي-يضيف كاتب المقال- تموقع منذ البداية في خندق (الواقعية الاشتراكية) لكنه واقعي اشتراكي على طريقته الخاصة. وظف البطل المضاد بدل البطل الإيجابي . كذلك وظف التجريد والسوريالية في (عرس بغل- 1983 ) و(الحوات والقصر) قبل أن يستلهم التراث الصوفي ، ويلبس جبة الولاية في أعماله الأخيرة (الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي- 1999 ) و(الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء- 2005 ). خلال الأشهر القليلة التي سبقت مرضه، كان وطار يعكف في إقامته الصيفية على شاطيء مدينة تيبازة الجزائرية، على كتابة عمل روائي جديد بعنوان (قصيد في التذلل) يتناول "مسار اليسار في الجزائر وثنائية الثقافي والسياسي، وكيف يسعى الثاني إلى تدجين الأول" ولا يبخل بالهجاء على الشعراء والمثقفين الذين استهوتهم إغراءات السلطة. ويؤكد عدنان ياسين أن الطاهر وطار ليس مجرد كاتب روائي، بل فاعل ثقافي من طراز خاص و(8، شارع رضا حوحو) في الجزائر العاصمة ليس مجرد عنوان عادي لجمعية صغيرة إسمها (الجاحظية) يرأسها الرجل، بل عنوان دينامية خلاقة لمشهد ثقافي جزائري حي. فبالنسبة لوطار، لم تكن (الجاحظية ) مجرد جمعية يرأسها، بل صارت له مبرر وجود "جسدا ثانيا ومقاما زكيا آخر لا يمكن روحه أن تغادره إلا في اتجاه السماء". وخلص كاتب المقال إلى إنه "الآن ، بعدما صارت عودة الولي الطاهر إلى مقامه الزكي حقيقة مؤلمة لا أدبا ومجازا، فإن الكثير من أسئلته الثقافية تفرض نفسها على الشارع الثقافي الجزائري والعربي".