( بقلم: حسين ميموني) غداة اختتام أول كأس للعالم بالقارة الإفريقية (11 يونيو -11 يوليوز)، شرعت جنوب إفريقيا في مواجهة أسئلتها الحرجة التي عادت لتطرحها نفسها بقوة مباشرة بعد صافرة النهاية، لتجد البلاد نفسها مجددا أمام مشاكل الإجرام والغضب الشعبي ومخاطر الهجمات المعادية للأجانب التي يغذيها الفقر والبطالة. والحال أن حالة الانتشاء التي تملكت "أمة قوس قزح"طيلة شهر كامل من مباريات المونديال مالبثت أن تبخرت باندلاع أعمال نهب وعنف همت، خلال نهاية الأسبوع الماضي، عددا من المواطنين الأجانب ببعض التجمعات السكنية الفقيرة بإقليم ويسترن كاب (جنوب غرب). فقد اضطر العشرات من المهاجرين الأجانب، ليلة أمس الأحد، إلى مغادرة بيوتهم والاحتماء بمراكز الشرطة خوفا على أرواحهم من أعمال عنف ينفذها مواطنون محليون يتهمونهم بسرقة فرص الشغل منهم مقابل أجور زهيدة. وجاء رد فعل الحكومة حازما من خلال التأكيد على نيتها في "المواجهة الصارمة" لكل من يقف وراءهذه الأحداث، التي تذكر بموجة أعمال العنف غير المسبوقة التي استهدفت المهاجرين الأجانب، خلال شهر ماي 2008، متسببة في مقتل ما لايقل عن 62 شخصا وترحيل الآلاف منهم. ففي بلد تشير فيه بعض الإحصائيات إلى وجود أزيد من خمسة ملايين مهاجر أجنبي ويتجاوز فيه معدل البطالة رسميا نسبة 25 في المائة، ماعادت تخفى جدية التهديدات التي قد تطال الأجانب، لاسيما في مدينتي كاب تاون (جنوب غرب) ودوربان (شرق)، وإن استدعى الأمر دون ذلك التضحية بكل أناشيد "الأخوة الإفريقية" التي لازمت تأهل منتخب غانا ووصوله إلى ربع النهائيات. بل وحتى قبل ذلك، ظلت إشاعات استهداف الأجانب بعيد المونديال تتردد بقوة في عدد من مناطق البلاد، مما دفع بكثير من الشخصيات، من بينهم القس الأنغليكاني ديسموند توتو، إلى مطالبة السلطات باتخاذ ما يلزم من احتياطات لتفادي مثل هذه الانفلاتات. -- مونديال وبطالة وغضب شعبي .. ويجمع العديد من المراقبين على أن تنظيم كأس العالم وما تمخض عنه من تطلعات قد ساهم في تأجيج المطالب الاجتماعية في بلد يعيش فيه أزيد من 40 في المائة من أصل حوالي 49 مليون نسمة تحت عتبة الفقر. وبينما التزمت النقابات باحترام نوع من السلم الاجتماعي طيلة مدة المونديال، لا يبدو أن هنالك في الأفق ما يشير إلى أن الجبهة الاجتماعية ستظل على هدوئها خلال الأسابيع المقبلة التي تتزامن وموسم الإضرابات. فقد شهدت السنة الفارطة أصلا موجة كبيرة من الاحتجاجات والمظاهرات التي تحولت إلى أعمال عنف في بعض الأحيان في التجمعات السكنية الفقيرة حيث يواصل السكان، بعد 16 عاما من سقوط نظام الأبارتيد، مطالبتهم بتحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والسكن والماء والكهرباء. وفي مثل هذا السياق المشحون، يعتبر العديدون أن الأرباح التي خلفها تنظيم المونديال لاترقى إلى مستوى المصاريف التي ضختها خزينة الدولة في الاستثمارات العمومية، لاسيما فيما يتعلق ببناء أوتجديد الملاعب العشرة المضيفة لمباريات كأس العالم (أزيد من 1،5 مليار دولار). ويكتسي هذا الرأي أهمية خاصة في سياق التساؤلات التي تطرح بشأن مستقبل هذه البنيات الرياضية العملاقة على أهميتها والتي قد تتحول، ماعدا في المدن الكبرى مثل جوهانسبورغ وبريتوريا وكاب تاون، إلى "فيلة بيضاء" تمتص من خزينة الدولة أكثر مما تنتج، في غياب مشروع رياضي متكامل يستند إلى رؤية استراتيجية. وبينما تبشر الحكومة بأن جنوب إفريقيا ربحت الكثير من خلال احتضانها لمباريات المونديال، سواء على مستوى تحسين صورة البلاد في الخارج أو من حيث المداخيل بفضل زيادة 0،5 في الناتج الداخلي الخام، ليس من المؤكد أن تفتر أو تتراجع بعد اليوم حدة الاحتجاجات المطالبة بتحسين مستوى الخدمات العمومية. بل إن الصحافة الجنوب إفريقية الصادرة اليوم الإثنين، حتى وهي تجزل الثناء على التنظيم المحكم لهذه التظاهرة الرياضية الكونية، لم تغفل في مجملها التشديد على ضرورة الحفاظ على هذا النفس ومطالبة الحكومة بالعمل على إيجاد حلول للمشاكل الوطنية الكبرى، مثل الشغل والسكن. ولاغرو أنه في بلد يسجل فيه يوميا معدل 50 جريمة قتل، ظل الوافدون الأجانب على العموم في منأى عن هذا المشكل بفضل الانتشار الواسع لقوات الأمن والفعالية والسرعة اللتين ميزتا سير النظام الجنائي بالبلاد بعد الشروع في العمل بالمحاكم الخاصة بالمونديال.