ما انفكت جنوب إفريقيا, البلد المضيف لنهائيات كأس العالم المقبلة (11 يونيو-11 يوليوز) تكثف من حملاتها الإعلامية وتصريحات مسؤوليها على كل الواجهات, في سعي حثيث منها لطمأنة زوارها بشأن الإجراءات الأمنية, في سياق متوتر أصلا وسباق محموم ضد الزمن على بعد أقل من 140 يوما من انطلاق المونديال. ولم يتأخر منظمو أول كأس للعالم بالقارة الإفريقية للتقليل من شأن التأثيرات الجانبية التي قد تطالهم عقب الهجوم المسلح, الذي استهدف حافلة ووفد المنتخب الطوغولي لكرة القدم, منذ أسبوعين, وهم في طريقهم للمشاركة في نهائيات كأس إفريقيا للأمم, المقامة حاليا بأنغولا. فقد صرح الرئيس جاكوب زوما, عشية مغادرته البلاد في اتجاه العاصمة الأنغولية لواندا للمشاركة في حفل افتتاح الدورة ال27 للعرس الإفريقي, أن " الهجوم المروع وغير المقبول ضد الفريق الطوغولي لا ينبغي تضخيمه, وإنما يجب أن يكون دافعا لإفريقيا وللعالم أجمع لكي يشتغلوا أكثر من أجل القضاء على الإرهاب". ولم يفت رئيس جنوب إفريقيا أن يشدد, في ذات الآن, على أن بلاده "مستعدة مائة بالمائة لاحتضان كأس العالم وترفض التخمينات التي تلمح إلى وجود آثار محتملة لهذا الحادث على المونديال بجنوب إفريقيا". وفي نفس المنحى, اعتبر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جوزيف بلاتير أن الهجوم ضد حافلة المنتخب الطوغولي يعد أمرا "مرعبا لا ينبغي أن ينسينا أن كرة القدم الإفريقية كتبت صفحات رائعة جدا في تاريخ كرة القدم العالمية وأنها مهد الجواهر الخام للعبة". وأكد بلاتير في رسالة بعث بها إلى رئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم عيسى حياتو أن إفريقيا "ستستقبل قريبا على أرضها وللمرة الأولى كأس العالم وهو أمر سيرد لها الاعتبار", مضيفا أن " لدي الثقة في إفريقيا, وبفضل هذه الثقة القوية سننظم جميعا المسابقة الأبرز في كرة القدم العالمية عام 2010". وتواصلت منذئذ تصريحات القيمين على اللجنة المحلية لتنظيم المونديال بشكل متشابه ومتواتر مع ارتفاع بين في درجات الحدة والتوتر, تكاد قوتها لا تخفي ما يستشعره المسؤولون من ضيق وانزعاج من الانتقادات التي تكيلها الصحافة المحلية والأجنبية على حد سواء للجنة المحلية, ناهيك عن تصريحات رؤساء الفرق المؤهلة للمونديال. حين تفقد اللجنة التنظيمية أعصابها ولعل هذا ما يكشف عنه رد الفعل الذي أعرب عنه, منذ أسبوع, المدير التنفيذي للجنة المحلية لتنظيم المونديال داني جوردان حينما ثارت ثائرته ضد رئيس الجامعة الألمانية لكرة القدم راينهارد روبيل, لكون هذا الأخير صرح أنه "يتعين علينا أن نفكر في كيفية التحكم في القضايا الأمنية إذ لا يمكننا أن نكتفي بالقول إن جنوب إفريقيا مختلفة عن أنغولا". فلم يتأخر رد فعل جوردان الذي قال "إنني فوجئت لتعليقاته لاسيما وأنه عضو باللجنة التنظيمية للمونديال", مضيفا أن راينهارد "كان عليه أن يكلمني ليحصل على الحقائق, فتعليقاته التي تربط بين ماحدث بأنغولا واستعدادنا لكأس العالم تبقى مؤسفة وفي أحسن الأحوال غير منطقية ولاتستند إلى حقائق وبعدما أعرب عن أسفه لسيادة منطق "الكيل بمكيالين الذي يربط بين حادث أنغولا واستعداد جنوب إفريقيا لاحتضان كأس العالم", أشار المسؤول الجنوب إفريقي إلى أنه "لا أحد ساءل قدرة ألمانيا على احتضان كأس العالم عندما كانت القنابل تنفجر في كوسوفو". بل إن رئيس اللجنة المحلية لتنظيم المونديال آيرفين خوصا ذهب أبعد من ذلك وهو يشير, في تصريح لهيئة الإذاعة والتلفزة العمومية بجنوب إفريقيا بثته أمس الثلاثاء, إلى وقوف بلدان "منافسة" لجنوب إفريقيا وراء إثارة الانشغالات الأمنية بخصوص كأس العالم من منطلق خوفها على حصتها في السوق العالمي للسياحة. وقال خوصا "إنني أشك أن منافسين لجنوب إفريقيا هم من يقفون وراء هذه الرسالة السلبية ليمنعوا الناس من زيارة هذا البلد لكي يروا الجمال للمرة الأولى", داعيا مواطنيه إلى الانتصار لرسالة الثقة "لأننا واثقون مما نفعل". ويأتي هذا التصريح, الذي تخفى بواعثه بالكاد, بعد يومين من إقدام شركة بريطانية على طرح منتوج جديد في الأسواق يتمثل في سترات ضد الطعنات لفائدة المشجعين الراغبين في زيارة جنوب إفريقيا خلال نهائيات المونديال, وهي البادرة التي وصفها ناطق باسم اللجنة المحلية للمونديال ب "البغيضة" لكونها لا تهدف سوى "إلى ربح المال عبر اللعب على مخاوف الناس". والأنكى من ذلك أن صحافيين من القناة التلفزية "إي تيفي" توصلا, أمس الثلاثاء, باستدعاء للمثول أمام إحدى محاكم جوهانسبورغ, خلال الأسبوع المقبل, لكونهما أقدما, يوم الجمعة الماضي, على بث استجواب مع شخصين مشبوهين يهددان باستهداف السياح الأجانب خلال نهائيات كأس العالم. وبينما اتهم وزير الشرطة ناطي متيتوا القناة التلفزية ببث "تسجيل يمثل إثارة مجانية ويخلق الخوف والهيستيريا", بادر المؤتمر الوطني الإفريقي (الحزب الحاكم منذ 1994) بمطالبة القناة بالقيام "بعمل مشرف" من خلال سحب هذا التسجيل. وكما أن المصائب لا تأتي فرادى, فقد أوردت الصحافة المحلية, أمس الثلاثاء أيضا, نبأ "انتحار" شخص يعتقد أنه كان وراء تسهيل عملية الاتصال بين القناة التلفزية والمجرمين المفترضين, وهي الفرضية التي تستبعدها عائلة الضحية لا سيما مع وجود آثار لسم الفئران ببيت الهالك في سويطو (جنوب غرب جوهانسبورغ), فضلا عن ورقة مكتوبة تشير إلى اسم أحد صحافيي القناة التلفزية المذكورة. المونديال والتهديد الإرهابي والحال أنه, بصرف النظر عن المماحكات الإعلامية, لم تتوان سفارة الولاياتالمتحدة ببريتوريا, منذ أسبوع فقط, في الإشارة إلى أهمية تشديد الإجراءات الأمنية درءا لأي هجوم إرهابي مفترض قد يستهدف مباريات كأس العالم المقبلة, مؤكدة أن "الولاياتالمتحدة تعتبر أمن وسلامة جميع فرق ومشجعي كأس العالم 2010 قضايا حاسمة من أجل نجاح هذا الملتقى". وأوردت السفارة في موقعها على الإنترنت قول رئيس البعثة الديبلوماسية الأمريكية إنه " كلما وقع هجوم إرهابي بالخارج, تقوم الوكالات الأمريكية بتحليل الوضعية من أجل تحسين أدائها الحالي وتفادي هجمات محتملة واستطرد ذات المسؤول أنه "في الوقت الذي يشكل فيه الإجرام والأمن أكبر انشغالات كأس العالم, كما بغيرها من الملتقيات الرياضية العالمية, فإن الولاياتالمتحدة تتعاون بفعالية كشريك مع حكومة جنوب إفريقيا من أجل معالجة هذه الانشغالات", مضيفا أن بلاده تشتغل مع الأجهزة الأمنية بالبلاد ومع هيئات حكومات أخرى من أجل "ضمان وضع الإجراءات الأمنية المناسبة لكأس العالم". وبعدما أشار الديبلوماسي الأمريكي إلى وجود لقاءات متعددة مع ممثلي الوكالات الأمريكية بهدف مناقشة القضايا المرتبطة بالأمن على المستويات الوطنية والجهوية, بما في ذلك أمن وسلامة الفريق الوطني الأمريكي لكرة القدم والسياح الأمريكيين, اعتبر أن "التعاون الوثيق بين حكومتينا يشكل أساسا صلبا يعد بحدث رياضي عالمي من الطراز الأول". وخلال نفس اليوم, حذر المعهد الجنوب إفريقي للعلاقة بين الأعراق, أحد مراكز الدراسات والبحوث الأكبر تأثيرا بالبلاد, من إمكانية حدوث "هجوم إرهابي" محتمل, من شأنه أن يستغل وضع جنوب إفريقيا كقاعدة لاستهداف مصالح غربية بما يضمن للحدث تضخيما إعلاميا منقطع النظير. وأوضح فرانس كرونجي نائب المدير التنفيذي للمعهد أن "التهديد الذي يطال مونديال جنوب إفريقيا هو تهديد جدي ويتمحور حول إمكانية استغلال حركة محسوبة على القاعدة لهذا الملتقى كأرضية تستهدف, انطلاقا منه, هدفا غربيا بجنوب إفريقيا". وأضاف أن جميع الشروط التي تضمن الإمكانية والجاذبية لهجوم إرهابي قد تنفذه القاعدة "تتمحور بوضوح حول كأس العالم", مبرزا أن تدفق مابين 300 ألف و500 ألف من الزوار على مونديال جنوب إفريقيا, الذي من المرتقب أن يتابعه حوالي ملياري مشاهد, فضلا عن وجود ممثلين لكبريات القنوات التلفزية ووكالات الأنباء الدولية, كلها عوامل من شأنها أن "تضخم كثيرا أي هجوم مهما كان حجمه". واستطرد ذات الباحث أن التحديات التي كثيرا ما ارتبطت بتنظيم كأس العالم بجنوب إفريقيا بما في ذلك الإجرام ونقص بنيات الاستقبال وضعف البنيات التحتية في مجال النقل لن تؤثر سلبا على مجريات هذا الملتقى الرياضي العالمي. بيد أنه حذر من أن "الإرهاب العالمي ليس أمرا نمتلك القدرة على التحكم فيه, بالإضافة إلى أن إحدى نقاط القوة الأكثر فعالية بأيدي أي جماعة إرهابية تكمن في قدرتها على إيهام هدفها المقبل بأنه ليس في خطر", معتبرا أن التغطية الإعلامية الدولية تعد عاملا مفصليا في جاذبية مباريات كأس العالم كمسرح لهجوم إرهابي محتمل قد تنفذه القاعدة. وألقى الهجوم المسلح الذي استهدف بمنطقة كابيندا (شمال أنغولا) حافلة وموكب الفريق الطوغولي لكرة القدم وهو في طريقه للمشاركة في الدورة 27 لكأس إفريقيا للأمم, بالشكوك مجددا حول قدرة جنوب إفريقيا على تأمين أول مونديال بالقارة الإفريقية.ورصدت جنوب إفريقيا مبلغ 1,3 مليار راند (177 مليون دولار) لتعزيز الإجراءات الأمنية الكفيلة بضمان أمن المونديال, منها تعبئة 41 ألف شرطي لهذا الحدث الرياضي واقتناء طائرات مروحية جديدة وخراطيم المياه وحوالي مائة سيارة للشرطة توجه خصيصا لكأس العالم.