غداة حصول المغرب على استقلاله في أواسط العقد الخامس من القرن الماضي، كانت الشبكة الطرقية الوطنية تصل بالكاد حوالي 20 ألف كيلومتر، كما أنها لم تشمل مجموع التراب الوطني، لأن السلطات الاستعمارية كانت تضع في الحسبان خدمة مصالحها قبل أي اعتبار آخر. وقد نجم عن هذه الوضعية حالة من التفكك بين مناطق المملكة، خاصة بين شمالها وجنوبها، مما جعل من مأمورية نهج سياسة جديدة في ميدان التجهيزات التحتية، أمرا ملحا بالنسبة لمغرب الاستقلال. وفي هذا السياق، بادر جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه بتاريخ 17 يونيو1957 إلى توجيه نداء سام من مدينة مراكش، إلى الشباب المغربي لاستنهاض هممه، من أجل التطوع لإنجاز مشروع وطني كبير يهدف إلى ربط شمال المملكة بجنوبها، وهو "طريق الوحدة"، الذي اعتبر مظهرا من مظاهر الجهاد الأكبر الذي أعلنه جلالة المغفور له محمد الخامس لدى عودته من المنفى. ومما جاء في الخطاب السامي لأب الأمة بهذه المناسبة "إن من بين المشاريع التي عزمنا على إنجازها لتدعيم التوحيد الحاصل بين منطقتي الوطن، شماله وجنوبه، إنشاء طريق بين تاونات كتامة تخترق ما كان من قبل حدا فاصلا بين جزأي الوطن الموحد، وذلك ما حذا بنا إلى أن نطلق عليه اسم طريق الوحدة". ولعل اختيار كلمة "الوحدة" لهذا الورش الوطني الجهادي، له دلالة رمزية عميقة لكونه يحيل على ربط منطقتي الشمال والجنوب الخاضعتان وقتئذ للسيادة المغربية. كما أن تجند الشباب المغربي المتطوع من مختلف جهات المملكة لبناء هذه الطريق، وفي مقدمتهم ولي العهد أنذاك جلالة الملك الراحل الحسن الثاني قدس الله روحه، يعتبر بدوره تجسيدا فعليا لقيم الوحدة والتضامن في أبهى تجلياتها. وفي هذه الأجواء المشبعة بروح الحماس والوطنية، تجند 11 ألف شاب متطوع خلال الفترة الممتدة ما بين 5 يوليوز و30 شتنبر 1957 لرفع تحدي هذا الورش من"الجهاد الأكبر"، حيث تكلل هذا المجهود، في مستهل شهر أكتوبر من السنة ذاتها، بالإعلان عن الإنتهاء من أشغال "طريق الوحدة" الممتد على طول 80 كيلومتر، والذي شكل وقتئذ حدثا بارزا في تاريخ المغرب غداة استقلاله.( فما أشبه اليوم بالبارحة، بعدما تم الإعلان أول أمس الإثنين عن ترؤس صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد في الجماعة القروية المزوضية (إقليم شيشاوة)، لحفل تدشين الطريق السيار الرابط بين أكاديرومراكش على طول 225 كلم، معلنا بذلك عن ميلاد "طريق الوحدة" في طبعتها الجديدة والمنقحة، التي زفت إلى عموم الشعب المغربي بعدما أصبحت السيادة الوطنية للمغرب تمتد لتشمل الأقاليم الصحراوية المسترجعة. إن المتأمل للبعد الإستراتيجي لهذا الصرح الطرقي، ليدرك أن إتمام إنجاز شطر الطريق السيار بين مراكشوأكادير، لا ينحصر وقعه على الربط بين جهتين تشكلان قطبين اقتصاديين وازنين على الصعيد الوطني، وهما جهة سوس ماسة درعة، وجهة مراكش تانسيفت الحوز فحسب، وإنما يتعدى ذلك ليشكل خيطا رفيعا رابطا بين أقصى نقطة في شمال المملكة وهي مدينة طنجة من جهة، ومدينة أكادير التي تحظى بوضعية استراتيجية متميزة على الخارطة الوطنية، سواء من الناحية الجغرافية أو الاقتصادية من جهة ثانية. بل ليس من المبالغة في شيء، إذا قلنا بأن إتمام الطريق السيار بين أكاديرومراكش، يتجاوز وقعه الحدود الوطنية، ليكتسب بعدا قاريا، إذا علمنا أن منطقة سوس ماسة، التي تنتج أزيد من 65 في المائة من صادرات المغرب من الخضر والبواكر، وأزيد من 60 في المائة من صادرات الحوامض التي يوجه الجزء الأكبر منها نحو دول الإتحاد الأوربي، كانت تعاني على الدوام من "العزلة الطرقية" التي تعيق استمرار تطورها. وبتدشين هذا الشطر من الطريق السيار، أصبح بالإمكان اليوم اختصار الفترة الزمنية الفاصلة بين أكادير وطنجة إلى 7 ساعات على أقصى تقدير، والعبور نحو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط في ظرف 9 ساعات، بعدما كانت ناقلات المنتجات الزراعية والبحرية المغربية المصدرة نحو أوربا، التي تنطلق من أكادير، تمضي ما لا يقل عن 14 ساعة للوصول إلى مدينة طنجة. ومن الأكيد أيضا أن إنجاز الطريق السيار الرابط بين أكاديرومراكش، سيكون له وقع إيجابي كبير على حركة العبور نحو باقي الأقاليم الجنوبية للمملكة التي ترتبط بشكل عضوي بجهة سوس ماسة درعة، فضلا عن كون أقاليمنا الجنوبية تشكل من الناحية الإستراتيجية نقطة عبور نحو دول غرب إفريقيا، التي تربطها مصالح متبادلة مع المملكة المغربية. واعتبارا لذلك، فمن نافلة القول أن المغرب بعد إتمام إنجاز هذا الصرح الطرقي الرابط بين مراكشوأكادير، ليصل بذلك رصيد المملكة من الطرق السيارة ألفا ومائة كيلومتر، أصبح يحق له الافتخار بكونه لم يقف عند حدود تشييد "طريق الوحدة" الرابطة بين شمال المملكة وجنوبها، بل تجاوز ذلك ليضع اللبنات الأولى لتشييد طريق للوحدة والاندماج الإقليمي لدول شمال غرب القارة الإفريقية، والتي يمكن اعتمادها مستقبلا كنواة لبناء طريق وحدة بين القارتين الأوربية والإفريقية.