«الكيت سورف» أو التزحلق على الماء بالاعتماد على شراعات ورقية، رياضة جديدة بدأت تنتشر عام ألفين ولها الآن رواد وأبطال يمارسونها ويشاركون في بطولة عالمية يتم تنظيمها كل سنة في محطات تطوف عبر العالم. وبعد عدة بلدان في أوربا وأمريكا وصلت هذه البطولة إلى الداخلة في الصحراء المغربية وحل ببلادنا أبطال من هواة هذه الرياضة الجديدة للمشاركة في المرحلة المغربية. في مدخل شبه جزيرة الداخلة يستقبلك «نادي الداخلة اتيتود» وهو فضاء رياضي سياحي تتوفر فيه كل الشروط التي تؤهل المغرب ليكون إحدى محطات البطولة الدولية لهذه الرياضة الجديدة على ضفاف وادي الذهب نظرا لقوة الرياح وهدوء المنطقة وجمال الطبيعة الصحراوية: خمسون من المتسابقين جاؤوا من عدة أقطار أمريكية وأوربية ومن أستراليا علاوة على شباب مغاربة من هواة هذه الرياضة. واستغلت ولاية الداخلة /الكويرة ووكالة تنمية الأقاليم الجنوبية هذه التظاهرة الدولية لتنظيم سهرات فنية في الساحة المجاورة لمقر الولاية غير بعيد عن المطار العسكري. جمهور غفير حج لتتبع السهرة التي أحياها ناس الغيوان أو بالأحرى ما تبقى من هذه المجموعة الأسطورية. ولقي ناس الغيوان بتركيبتهم الحالية استقبالا حارا خصصه لهم جمهور غصت به جنبات الساحة والشوارع المحيطة بها : شباب وفتيات وأطفال مع الآباء والأمهات، الكل كان يتحرك على إيقاع نغمات ناس الغيوان وأجواء هذه الساحة لا تختلف عن أجواء السهرات التي يتم إحياؤها في الرباط أو الدارالبيضاء أو غيرهما. وحينما تتذكر أنك هنا بعيد عن العاصمة بحوالي ألفي كيلومتر وأن المشاعر هي نفس المشاعر وأن الجمهور هو الجمهور، تدرك أن الوحدة الترابية هي كذلك الوحدة البشرية لأبناء وبنات الشعب المغربي. تتجول في الشوارع والأسواق، فلا تشعر أنك في مدينة عادت لها السيادة الوطنية فقط منذ ثلاثين سنة ولن تتصور بأن الداخلة كانت طوال عشرات السنين حتى قبل عهد الحماية، خاضعة للاحتلال الإسباني ومحرومة من التجهيزات الأساسية التي تجعل الحياة ممكنة بمدينة في هذا العصر. أشار الإحصاء الأخير لدراسة مستوى العيش بالمغرب الذي جرى على الصعيد الوطني، بأن سكان جهة الداخلة الكويرة تتوفر لهم الأسباب ليكون معدل مستوى عيشهم أحسن من معدل الابتعاد عن عتبة الفقر في الجهات الأخرى للمملكة. بطبيعة الحال، تظافرت عدة عوامل لكي تصل حياة سكان الداخلة إلى هذا المستوى بفضل مجهودات وطنية يتحملها المغاربة دفاعا عن وحدتهم الترابية واقتناعا بكون مستقبل المغرب بدون امتداداته الصحراوية يختلف كثيرا عن المغرب بصحرائه، عكس التشاؤم الذي عبر عنه المستشار الملكي المرحوم اكديرة الذي قال لأحد الأصدقاء في بداية الثمانينيات إثر إرسال السي عبد الرحيم إلى ميسور، إذ قارن اكديرة انشغال المغرب بقضية الصحراء بكارثة لا تختلف عن كارثة سنوات جفاف تلك المرحلة. طبعا تكلفنا قضية الصحراء واستمرار الوجود في الأقاليم الصحراوية الشيء الكثير دفاعا عن حقنا في وحدتنا الترابية ووفاء لبقاء المغرب في حدوده الطبيعية. وبطبيعة الحال، فإن كل ما في هذا الوطن يتقبل متطلبات الدفاع عن المغرب في حدوده الطبيعية، والمغاربة أجمعوا على تحمل كل التضحيات والإكراهات الضرورية من أجل الصحراء. وهناك مواطنون مغاربة أعطوا للصحراء أرواحهم وهم الشهداء من ضباط وجنود القوات المسلحة الملكية وغيرهم من المسلحين في صفوف القوات الاحتياطية والدرك الملكي والشرطة. وإلى جانب هؤلاء، هناك رجال ونساء التعليم والإداريون ورجال السلطة والأطباء والمهندسون ومختلف التقنيين في الأشغال العمومية ممن شيدوا القناطر والطرق وبنوا الموانئ وحولوا الصحراء إلى مناطق قابلة للحياة، في ظرف ثلاثة عقود على عكس الحالة التي ترك عليها الإسبان هذه المناطق منذ أن بدأوا غزو جنوب المغرب في نهاية القرن التاسع عشر. الذين وصلوا إلى الأقاليم الصحراوية في البداية تحدثوا لمن جاؤوا بعدهم عن الظروف الصعبة للحياة التي واجهوها: لا طرق للمواصلات ولا بنايات للسكن وطبعا لا كهرباء أو شبكة لتوزيع الماء الصالح للشرب أو قنوات الواد الحار. كان الناس يتجولون في أرض الله الواسعة فيكتشفون عالما لا يختلف كثيرا عن الحالة التي كانت الصحراء عليها في عهد سيدنا آدم. ونظرا لانعدام طرق ومسالك المواصلات، كان يجب السفر وراء القوافل العسكرية للوصل إلى حيث وجوب القيام بالمهمة. وكان لابد من انتظار الباخرة التي تأتي من أكادير مرة في الأسبوعين حاملة معها المواد الغذائية الضرورية، ويقال بأن تلك الباخرة تأخرت مرة عن موعدها بأسبوع، ولما وصلت وأفرغت شحنتها، أخذ البعض يلتقط صورا مع «البصلة» أو «ماطيشا» لتخليد ذكرى وصول مادة غذائية إلى الداخلة تأخرت عن موعدها. طبعا هذه ذكريات عن مرحلة لم يعد لها الآن أثر في الداخلة. كثيرا ما تصدمنا نحن المغاربة خارطة تظهر في بعض محطات التلفزة وتقدم المغرب في الحدود التي رسمها الاستعمار لبلادنا قبل أن نتحرك بقوة لاستعادة صحرائنا. طبعا كل من يتبنى الخارطة، يتجاهل الواقع أو يجهل الوضع في الصحراء، وكل من أتيحت له الفرصة ليتجول في الأقاليم الجنوبية، سيدرك أن بعض الخرائط المتداولة في نشرات الأخبار التلفزية لا أثر لها في عين المكان. ويعتبر حكام الجزائر أن التشكيك في الوحدة الترابية للمملكة المغربية على هذا المستوىالإعلامي، من ثمار حملاتهم المعادية للمغرب. هذا التوجه في السياسة الجزائرية ظهر لأول مرة سنة 1967 عندما حاول المرحوم هواري بومدين الاتفاق مع الجنرال فرانكو لنقل حديد منجم «غارات جبيلت» إلى المحيط الأطلسي عبر الصحراء الخاضعة آنذاك للاحتلال الإسباني، بدلا من المرور إلى ميناء أكادير عبر طريق أقرب فوق التراب المغربي. هذا التوجه كان دليلا على أن من ضمن حكام الجزائر كان هناك بصورة مبكرة من لا يتحمسون للتعاون مع المغرب ولا يعطون أي اعتبار للروابط الروحية والإنسانية، وكان حلم بناء اتحاد المغرب العربي في رأيهم مجرد سراب.. خصوم الوحدة الترابية المغربية في الجزائر لا يرفضون علاقات شراكة مع المغرب، ولكن هذه الشراكة يجب أن تتم فقط على أساس جعل الجزائر في وضع أقوى جغرافيا واقتصاديا حتى يصبح المغرب في النهاية تابعا للجزائر، بدلا من شراكة يكون أطرافها متساوين ومتكافئين لضمان تماسك مكونات المغرب العربي وكذلك لضمان تأثير هذا الكيان البشري والجغرافي في المعاملات الدولية. هذه النظرة إلى مستقبل العلاقات، استوحاها بعض المقربين من بومدين في منتصف الستينيات، من أدبيات فرنسيي الجزائر العاصمة ممن كانت لهم نظرة خاصة إلى الأحوال المتدهورة في المغرب عندما كانت بلادنا تتجه إلى السقوط في الفخ الاستعماري لمعاهدة فاس سنة 1912: كان الفرنسيون المتحكمون في الجزائر في مطلع القرن الماضي يعتبرون أنهم الأجدر بالتدبير الاقتصادي للحماية الفرنسية بالمغرب وأن على باريس أن تتكفل فقط بما هو سياسي وعسكري. لكن ليوطي جاء إلى المغرب بتصور آخر للحماية الفرنسية بالمغرب ومقاربة لا علاقة لها بأطماع فرنسيي الجزائر في بلادنا. والمقربون من بومدين الذين كانت لهم منذ منتصف الستينيات نظرة خاصة حيال المغرب، لم يخطر ببالهم كون المغاربة سيخوضون معركة الوحدة الترابية بهذا الإصرار. وهناك في الجزائر من لم يستوعب بعد أن قضية الصحراء بالنسبة للمغاربة مسألة حياة أو موت، على عكس الرأي العام في الجزائر الذي لا يبدي أي اهتمام بهذه القضية ويهتم على عكس ذلك بموضوع آخر هو فتح الحدود بين البلدين. علي سالم التامك ومن معه ممن قاموا برحلة إلى تنذوف انتهت زوال الخميس 8 أكتوبر بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء وتم اعتقالهم بعدما عادوا من الجزائر حيث قاموا بزيارة إلى تنذوف لإجراء اتصالات مع ضباط كبار في المخابرات الجزائرية، فبقطع النظر عن التطورات السياسية لهذه «الخرجة» الإعلامية التي من المحقق أنها خُططت من طرف بعض العسكريين في الجزائر، لابد من قراءة هذا التصرف على أساس أننا أمام مبادرة تُعلن عن مرحلة جديدة في الصراع المغربي الجزائري، مرحلة الانتقال -سياسيا- بالنزاع إلى داخل التراب الوطني المغربي، اعتقادا من الخصوم أن الجبهة الداخلية المغربية ربما أصبحت تسمح لهم بأن يفعلوا اليوم ما لم يكن في وسعهم أن يتجرؤوا عليه فيما مضى ولكن المغرب برمته لا يقبل «الملاغة» في كل ما له ارتباط بالوحدة الترابية وخاصة عندما يتعلق الأمر بمغاربة يخرجون إلى الخارج ويدخلون إلى الداخل بجوازات سفر مغربية تؤكد اعترافهم بمغربيتهم. هذه كلها تطورات لا شك أن الخصوم وضعوها في حسبانهم ويعتبرون أن ذلك سيكون في خدمة قضية الانفصال مقابل ما عرفته، منذ منتصف السبعينيات، قضية الوحدة الترابية: مجيء شخصيات صحراوية إلى الرباط للإعلان عن الدعم والمساندة لقضية الوحدة الترابية، حيث كانت كل عودة على هذا المستوى، بمثابة إصابة يُسجلها المغرب في شبكة الخصوم لصالح وحدته الترابية. وكانت البداية عودة خليهن ولد الرشيد ومن معه ممن كانت سلطات مدريد تعتمد عليهم لخلق كيان وهمي في الصحراء. ومازال المغاربة يتذكرون الندوة الصحفية التي فضح فيها أول العائدين، كيف كان نظام فرانكو يخطط لفصل الصحراء عن الوطن الأم. وبعدهم عاد إلى المغرب المرحوم الحاج سعيد خاطري الجماني رئيس الجماعة الصحراوية، المؤسسة التي أشرف الجيش الإسباني في عهد الاحتلال، على تنصيبها كبرلمان يمثل إرادة سكان الساقية الحمراء ووادي الذهب. ولنتصور لو نجحت الجزائر وسبقتنا للحصول على أن يؤيد الحاج خطري الجماني أطروحتها، ماذا كان سيفعل بومدين أنذاك لجعل الجماعة الصحراوية تحت تصرفه؟. ثم كم عدد الصحراويين الذين كانوا يدافعون عن الأطروحات الانفصالية إلى أن تبينت لهم الحقائق وقرروا العودة إلى الوطن: ابراهيم حكيم، الحضرمي، ولد السويلم والقائمة طويلة؟ هل سمعنا طوال ما يفوق الثلاثين سنة أن واحدا من العائدين من تنذوف والجزائر العاصمة قد تراجع عن موقفه؟ هكذا يمكن القول بأننا سجلنا على خصوم وحدتنا الترابية عدة إصابات والانفصاليون في تنذوف ومعهم بعض ضباط المخابرات الجزائرية يعتقدون اليوم أنهم، عن طريق علي سالم التامك ومن معه، سيسجلون أول إصابة ضدنا وهي إصابة لابد من التذكر بأنها غير مقبولة في النتيجة النهائية للصراع المغربي الجزائري لأنها إصابة سجلوها وهم في حالة شرود. العائدون الصحراويون إلى أرض الوطن كثيرون، توفرت عدة مناسبات للتعرف على البعض منهم بواسطة وسائل الإعلام ولكن الكثيرين لا نعرف عنهم أي شيء. وجمعتني مائدة عشاء في الداخلة مع صحراويين اثنين عادوا يوم تبينت لهم الحقائق. وعملية العودة إلى الوطن حركة لا تتوقف وليس هناك ما يوقفها إذا استمر الوضع على ماهو عليه في مخيمات تندوف والأخوان اللذان جلسا على مائدة العشاء أكدا لي بأن خلال عشرة أيام بعد عيد الفطر، عاد حوالي مائتين من المواطنين هاربين من جحيم تندوف بمعدل عشرين عائد كل يوم.. العودة من مخيمات تندوف إلى الأقاليم والعمالات الصحراوية أصبحت حركة عادية لا تنال ما يكفي من الاهتمام الإعلامي لأن العائدين يتركون في المخيمات، بعض أفراد العائلة، أصبحوا رهائن عند خصوم الوحدة الترابية وبطبيعة الحال يمكن أن يتعرض الرهائن لإجراءات انتقامية. إلى جانب من يعودون إلى الوطن بصفة نهائية في انتظار أن يلتحق بهم باقي الأهل والأقارب، هناك من يأتون لزيارة الصحراء في إطار تبادل الرحلات العائلية تحت رعاية هيئة الصليب الأحمر الدولي وآخرون يحملون جوزات سفر أجنبية. والسلطات لها علم بتجوالاتهم وتتركهم أحرارا ولا يشعر أحد منهم بمضايقات. وعندما يحن موعد نهاية الزيارة يغادرون المطار في ظروف عادية والانطباع الذي سيظل راسخا لديهم سيجعلهم ينقلون أحسن صورة عن الداخلة، وغيرها من مدن أرض أبائهم وأجدادهم. والملاحظة التي سيركز عليها هؤلاء هي المقارنة بين شروط الحياة في الداخلة والأقاليم الصحراوية، والحياة الأخرى في مخيمات تندوف وهي حياة صعبة يعاني منها من فرضت عليهم الحواجز أن يظلوا هناك محتجزين منذ قيام الجمهورية الوهمية إلى يوم يهدي الله حكام الجزائر ويقرروا الاعتراف بالواقع.. ومن هذه الملاحظات مايتعلق بالماء الصالح للشرب الذي لا ينقطع ليل نهار في الداخلة بفضل التجهيزات الأساسية التي وفرها المغرب منذ استعاد أقاليمه الصحراوية. ويعلم الكل بأن نعمة الماء الصالح للشرب غير متوفرة حتى في أحياء راقية بالجزائر العاصمة فكيف يمكن للسلطات الجزائرية أن تمد إلى مخيمات تندوف قنوات الماء الصالح للشرب؟ ومن هنا يمكن تصور الظروف الصعبة للحياة في تندوف منذ سنوات وعقود النزاع المغربي الجزائري حول الصحراء المغربية. وبقدر ما يفسح المغرب مجال الأقاليم الصحراوية أمام الوفود والبعثات الأممية والهيئات الدبلوماسية للتأكد في عين المكان من مستوى الحياة، تفضل السلطات الجزائرية منع أي ملاحظ من الوقوف على مرارة الحياة التي يعاني منها المحتجزون في مخيمات تندوف. (انتهى)