لم يستطع الهنود مقاومة حمى المونديال الذي تجري أطواره حاليا بجنوب إفريقيا رغم أن كرة القدم تأتي في المرتبة الثالثة في تصنيف الرياضات الأكثر شعبية في شبه القارة الهندية بعد الكريكيت والهوكي. ومع انطلاق المونديال الإفريقي انصرف الهنود إلى الأسواق التجارية الشعبية لاقتناء الملابس الرياضية التي تحمل شعارات منتخباتهم المفضلة، غير آبهين بحرارة الطقس المفرطة التي تجتاح الهند هذه الأيام والتي تصادف بدء فصل الصيف. واستعدت المحلات التجارية بدورها لهذا الحدث الرياضي حيث تفننت في تقديم سلعتها وعرضها بمظهر لائق يرفع حظوظ تسويقها. وقال كايلاش سينغ، الذي يشرف على محل تجاري في نيودلهي خاص بإحدى الماركات الرياضية العالمية، إن "الشركة أنفقت أموالا طائلة لإعادة تصميم الواجهات الزجاجية للمحل وتأثيثه استعدادا لهذا الحدث الذي تتضاعف خلاله المبيعات"، مضيفا أن "سحر الكرة بدأ يستحوذ على اهتمام المسؤول والمواطن العادي في الهند على حد سواء". وإذا كان المنتخب الهندي، الذي يضعه تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" في المرتبة 133 عالميا، لم يحظ قط بشرف المشاركة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، فإن هذا الاحباط الكروي لم ينل من حماسة المشجعين الهنود الذين انقسموا وسط أجواء حماسية إلى معسكرات لتأييد منتخباتهم المفضلة خلال هذه البطولة التي تستغرق أطوارها شهرا كاملا. وعلى صعيد آخر، تحول عدد كبير من المقاهي والمطاعم في العاصمة نيودلهي إلى فضاءات لمتابعة مباريات المونديال، حيث اتشحت بألوان المنتخبات ال32 المشاركة في الحدث الرياضي العالمي، وقامت بنصب شاشات عرض تلفزيونية ضخمة لإغراء عشاق الكرة المستديرة وصناعة أجواء حماسية أقرب ما تكون إلى ملعب حقيقي للكرة. وتفتقت نباهة بعض أصحاب المطاعم عن اجتهادات غريبة من قبيل إعادة تسمية الأطباق الرئيسية بأسماء أشهر اللاعبين، ليتحول كريستيانو رونالدو فجأة إلى "سمكة"، فيما أصبح ميسي "سمبوسة هندية حارة". وقال صاحب مطعم في سوق "خان ماركيت" إن المقاهي والمطاعم تعتبر الملاذ الذي يفضله الشباب على اختلاف توجهاتهم، مشيرا إلى أن الاستعدادات للمونديال التي بدأت قبل أشهر من الموعد الرياضي، تختلف من مطعم لآخر حسب الإمكانات المادية المتوفرة.
ورغم أن رياضة الكريكيت تعتبر الرياضة الشعبية الأولى في الهند، إلا أن جميع مباريات المونديال سيتم بثها عبر شبكتي "إي إس بي إن" و"ستار سبورت" العالميتين، حيث يتوقع أن يتابع الحدث أزيد من 140 مليون مشاهد. ولا يقتصر الأمر على حقوق بث المباريات، بل إن الشركات الهندية العملاقة ارتأت ألا تفوت هذا الحدث لجني مكاسب هائلة حيث تسابقت للحصول على مساحات إعلانية قبل وبعد المباريات، إيمانا منها بالمستقبل الواعد لهذه الرياضة في بلد يزيد عدد سكانه على المليار ومائتي مليون نسمة. وأعلنت في هذا الصدد شركتا "فودافون إيسار" و"بهارتي إيرتيل"، الرائدتان في مجال الاتصالات في الهند، عن تخصيص غلاف مالي، لكل منهما، يصل إلى 5ر2 مليون دولار لرعاية المباريات التي ستنقلها القناتان. كما أعلنت "فودافون إيسار" أنها رصدت ميزانية تتراوح ما بين 25 و35 مليون دولار لنقل جميع التظاهرات الرياضية القادمة التي تنظمها "الفيفا". وحسب مسح أجراه مكتب "تام" للأبحاث في وسائل الإعلام، فإن كرة القدم أضحت ثاني رياضة بعد الكريكيت من حيث استقطاب الإعلانات. ومنذ عام 2003، تضاعف حجم الإعلانات الراعية للتظاهرات الكروية مرتين فيما زاد عدد الشركات الراعية لهذه المناسبات ثلاث مرات. وهكذا بدأت الشركات الهندية تنظر إلى لعبة كرة القدم كسوق مربحة رغم أن سعر الإعلان زاد بنسبة 50 في المائة منذ نهائيات كأس العالم الأخيرة التي أقيمت في ألمانيا. ووفق استقراء أنجزته إحدى المؤسسات الاستشارية، فإن كرة القدم أضحت تحظى بثالث نسبة مشاهدة على شاشة التلفزة في الهند بعد الكريكيت والمصارعة، ب 96 مليون مشاهد شهريا. وقد وجد جنون الكرة في الهند صداه لدى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الذي بادر نهاية العام الماضي إلى منح دعم للاتحاد الهندي للعبة قدره 120 ألف دولار، بهدف النهوض بالممارسة الكروية في صفوف الفئات الصغرى وتكوين المدربين. كما أن الهند أضحت جزءا لا يتجزأ من خطط الاتحاد الدولي لكرة القدم لتنمية اللعبة عبر تطوير نوادي كرة القدم بشبه القارة.