الأمور في الشرق الأوسط ستزداد سوءا عما هي الآن، لأنه: ماذا بعد؟ الولاياتالمتحدة الأميركية في مواقفها تعكس ارتباك الإدارة هناك، الرئيس الأميركي باراك أوباما يدعم مظاهرات ضد الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ويقف على الحياد تجاه المظاهرات التي سارت ضد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، ثم عندما تمر مصر، كما هي الآن، بمرحلة من عدم اليقين فإن الشرق الأوسط كله يتأثر. الثورة العربية الجديدة قامت، لكن الفرح بها مقلق جدا. أهميتها أنه لأول مرة ينزل شعب عربي إلى الشارع ويسقط نظاما من دون عنف. عام 1982 حصلت انتفاضة في مدينة حماة السورية، انتهت بمجزرة وصمت العالم. لكن هل هي مصادفة أن يخرج الناس أولا في تونس، ثم في مصر، وتتعرقل «الثورة» في البحرين، واليمن، وليبيا؟ في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» قبل فترة جاء فيه أن التوقعات الأميركية تميل إلى سقوط أنظمة الرؤساء العرب. لملاحقة الأحداث ومحاولة قراءة ما يمكن أن يحدث، لا تتوقف جلسات الخبراء والسياسيين عن الانعقاد والتفكير بصوت عال ضمن غرف محكمة الإغلاق. في إحداها، طرحت مواضيع كثيرة حساسة على الطاولة، واللافت فيها ما ذكر عن ليبيا، والصراع الأميركي - الأوروبي حول نفطها، بعدما تراجع الدور الأميركي بالنسبة إلى نفط أفريقيا لمصلحة الصين، وإن كان أحدهم توقع لاحقا حربا غذائية تشنها أميركا لتسجيل نقاط انتصار على الصين (حسب اعتقادها، حيث ستصبح الصين معتمدة على إنتاج الحبوب في أميركا)، كما تبين في الجلسة أن الخطر الحقيقي في ليبيا، هو احتمال أن يعيد العقيد معمر القذافي، إذا بقي، تفعيل برنامجه النووي والحصول على أسلحة الدمار الشامل، فهناك دول كثيرة مستعدة لمساعدته مثل إيران وباكستان (هو اتهم الغرب بخيانته)، وحتى من سيخلف القذافي يتوقع أن يعتمد الخط نفسه (لأن الغرب يخون). وإذا كانت الأحداث التي عبرتها تونس عفوية، فإنها في مصر بدأت بتقليد تونس، ثم اكتسبت هويتها الخاصة، فكان لدخول مصر صدى في بقية العالم العربي. قال أحد المشاركين في إحدى تلك الجلسات، إنه لن يفاجأ «إذا عرفنا بعد التدقيق والبحث أن الثورة في مصر بدأت مع الجيش المصري». إذ ربما تخوف الجيش، لأن جمال مبارك كان يهيئ للخصخصة، بما فيها خصخصة مصالح الجيش. والمعروف أن للجيش المصري حصة ضخمة في الاقتصاد، فكل المخابز في مصر يملكها الجيش، وكذلك صناعة الحليب. قد تكون حصة الجيش في الاقتصاد المصري تتراوح ما بين 20 و25 في المائة، وهذه حصة كبرى، وهناك مناطق في مصر ممنوعة على المدنيين لأسباب أمنية، تضم منتجعات سياحية يعمل فيها الضباط والجنود وتدر أموالا على الجيش. إن جزءا كبيرا من ميزانية الجيش يأتي من الاستثمارات الاقتصادية، ومصالح الجيش في الاقتصاد المصري تقوم على امتيازات واحتكارات، حيث لا يمكن لأحد منافستها، فالجيش لا يسمح بذلك. لذا كان من مصلحة الجيش المصري أن يدير هو المرحلة الانتقالية في مصر للمحافظة على مكتسباته. وفي تقرير لإذاعة «بي بي سي» عما حدث في الأيام الأخيرة من حكم الرئيس حسني مبارك، يقول أحد قادة شباب «ميدان التحرير»، إنه «في الأيام الثلاثة الأخيرة، كانت تصلنا إشارات واضحة من القيادة العسكرية، لزيادة الضغط أكثر في حملاتنا، لأن من شأن هذا الأمر أن يسرع في رحيل مبارك عن السلطة». الآن، من المستبعد ألا يأخذ الجيش في الاعتبار رغبة الشعب في انتخابات حرة، وعليه أن يعكس تطلعات المجتمع المصري. الأكثر تنظيما في المجتمع هم «الإخوان المسلمون». ليس هناك اعتقاد بأنهم يريدون حكم مصر الآن، لن يكرروا الخطأ الذي ارتكبته «حماس» في غزة عندما تحملت مسؤولية القطاع . لكن تجدر ملاحظة أن أول من خطب في «ميدان التحرير» بعد رحيل مبارك، كان الشيخ يوسف القرضاوي. التفكير الأميركي يرى أن تسير مصر ودول عربية أخرى في الاتجاه التركي، بمعنى أن الحكومة تمثل حزبا إسلاميا، في حين أن المؤسسة العسكرية مدنية والقضاء مدني. لكن هذا تطلع بعيد الاحتمال. يبرز في مصر الآن: الجيش، «الإخوان»، والمجموعات التي عليها أن تنافس لاكتساب شعبية. وإذا أردت أن تكسب شعبية في مصر عليك أن تطالب أولا بتخفيض أسعار الخبز، هذا يعني زيادة الدعم الحكومي، أي تعطيل عجلة الاقتصاد، أي اهتزاز مستقبل مصر. مشكلات مصر لا تحلها أغنيات وطنية جميلة، وشباب مثقف يعرف أن تعداد سكان مصر 82 مليونا، لكن لا يعرف من أين سيأتي بوظائف سنوية لمليوني باحث عن العمل؟ والمشكلة الأساسية أنه عندما يتم مزج التوقعات السياسية بالتوقعات الاقتصادية، لا أحد يمكنه إرضاء الشعوب. القلق المستجد هو أن النظام المقبل في مصر، سيكون أقل استقرارا، وغير قادر على توفير الاكتفاء الاقتصادي، وعندما تتنافس المجموعات على اكتساب الشعبية ستعود إسرائيل إلى الواجهة. يقول أحد المشاركين في إحدى الجلسات المغلقة، إن الذين خسروا في مصر هم من قالوا إن مبارك حمى مصر من الحرب لمدة ثلاثين عاما. لا يعتقد أن أي حكومة مصرية ستلغي اتفاقية السلام مع إسرائيل، مصر لن تذهب إلى الحرب، لكن إسرائيل ستظل تقوي جيشها، لأنه بعد عشر سنوات من اليوم ستكون الأوضاع مختلفة، لأنها غير مستقرة الآن، إذ سيصاب الكثير من المصريين بالخيبة، لأنه لا تغيير سريعا في الاقتصاد، أميركا وأوروبا غير قادرتين على ضخ الأموال، ومع الخيبة سينضم الكثيرون إلى الإخوان، سيقولون: هذه الديمقراطية الغربية لا تطعم خبزا. هناك «خربطة» في العالم العربي تثير الكثير من القلق. الفرق بين إيران والعالم العربي، أن في إيران مجتمعا صحيا ونظاما مريضا، وفي العالم العربي أنظمة ذات إشكاليات ومجتمعات غير صحية. يعطي أحدهم مثلا: لبنان. توافرت له محكمة دولية لتثبيت العدالة، تدخل فيها السياسيون اللبنانيون فأفقدوها مصداقيتها. الثورات في تونس ومصر والجزائر كانت لإلغاء قانون الطوارئ، فجأة تسرب من مكتب المحكمة الدولية أن المحقق العدلي دانيال بلمار يريد الحصول على بصمات أربعة ملايين لبناني، تحول هذا الطلب إلى ما يشبه قانون طوارئ دوليا مرعبا يخيم فوق رأس كل لبناني. ويضيف: أنه للهرب إلى الأمام من كل هوس السياسيين، نلحظ نمط المظاهرات في لبنان، حيث «الشعب اللبناني يريد العلمانية»، ليتحرر من كل أخطاء رجال السياسة التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه الآن من تخلف. عندما يقول العالم الغربي إنه يدافع عن حقوق الإنسان، هذا أمر جيد، لكن كيف سيميز لاحقا بين نظام يريد الإطاحة به، ونظام يريد المحافظة عليه؟ وفي إشارة إلى أميركا، يقول أحد المشاركين الغربيين: «من الجميل أن تبدو جميلا، لكن إذا استيقظت قريبا ورأيت إيران تسيطر على الشرق الأوسط، فمن يحتاجك حتى لو كنت جميلا؟». لكن، هل هذا احتمال؟ الجواب: في الخمسينات وبداية الستينات، ماذا فعل جمال عبد الناصر؟ لم يحتل العالم العربي عسكريا إنما سيطر عليه . والأنظمة التي رفضت سيطرته لم تستطع الدفاع عن نفسها في وجه النخبة داخل أراضيها. المهم الآن، ماذا بعد؟