تونس – "الشرق الاوسط" : المنجي السعيداني يكاد السائر على طرقات المناطق الزراعية - أو الفلاحية - التونسية من الجنوب إلى الشمال يجد نفسه محاصرا بكميات من الغلال الصيفية المتنوعة التي تجود بها أرض تونس المعطاءة طوال الأشهر الصيفية. فأشهى الفواكه الصيفية مثل الخوخ (الدراق) والعنب والعوينة (البرقوق أو الخوخ) والبطيخ والإجاص (الكمثرى) والتين (الذي يسميه التونسيون «الكرموس») والتين الشوكي (الصبير).. وغيرها تباع هناك على قارعة الطريق، سواء بالكيلوغرام أو بحساب السطل من الغلال. إنها غلال في معظمها بيولوجية أنتجها فلاحون صغار لا تزيد مساحات أرضهم الفلاحية على الهكتارين في أقصى الحالات، وهي ذات مذاقات سليلة تربة تلك المناطق المعروفة بجودة الإنتاج. وبإمكان المتجول في الأسواق التونسية، خلال هذه الفترة بالذات، أن يرى ما لذ وطاب من أصناف الغلال المحلية، حتى إن المستورد منها لا يلقى العناية والاهتمام نفسهما، ومن ذلك الموز الذي لا يكاد يقدر على المنافسة في مواجهة غلال صيفية لذيذة وطازجة وناضجة في أجواء حرارية ملطفة معظم أشهر السنة. والواقع أن الغلال التونسية تغري بألوانها الزاهية المميزة الزائر لأسواق الخضر والفواكه، وتشد انتباه السياح والعائلات بأسعارها التي تبقى على الدوام في متناول كل الطبقات الاجتماعية. ويغري الخوخ (المعروف في بعض أنحاء العالم العربي ب«الدراق») بخدوده الحمراء التي تشي بكثير من الحشمة والخجل، ويناديك البطيخ بألوانه المتلونة من الأصفر القاني إلى الأخضر الفاتح، إلى الموزع بين اللونين، ويطل العنب بلونه الأصفر الذهبي أو الأسود الفاتح أو كذلك البنفسجي المشع، فلا تجد من حل سوى الإقبال عليه والفوز بنصيب من مذاقاته الحلوة الطيبة. وزارة الفلاحة (الزراعة) والموارد المائية التونسية قدمت من ناحيتها يوم 21 يوليو (تموز) المنقضي معطيات تؤكد أن محصول الغلال الصيفية خلال هذا الموسم كان جيدا للغاية، وهو مقدر بنحو 607 آلاف طن، من بينها 203 آلاف طن من غلال النوى و404 آلاف طن من غلال البذرة. وقد سجل إنتاج التفاح زيادة لافتة من 110 آلاف طن إلى 126 ألف طن، والإجاص الذي تطور إنتاجه من 60 ألفا إلى 65 ألف طن. أما بالنسبة إلى الأسعار، فتختلف أسعار الغلال الصيفية في تونس من منطقة إلى أخرى بين المناطق السكنية الراقية أو الأحياء الشعبية، أو المناطق الداخلية أو تلك المطلة على البحر. فالمناطق السكنية الراقية غالبا ما تباع فيها أفضل الغلال وتوضع عليها - بالتالي - أسعار مرتفعة بعض الشيء، إلا أن تجارها يتيحون للمشتري لقاء ذلك فرصة انتقاء ما يشتهيه منها بنفسه حبة وراء حبة، فيتخير أفضل الغلال وأنضجها وأحلاها. وقد تصل الفوارق في الأسعار غالبا إلى حدود الثلث، فإذا كان سعر الكلغم من التفاح في المناطق الشعبية في حدود 900 مليم تونسي (أكثر بقليل من نصف دولار أميركي)، فإن هذا السعر في المناطق السكنية الراقية قد يصل لحدود ثلاثة دنانير تونسية (قرابة الدولارين). ويفسر التجار هذا الوضع بأن جودة الغلال لا بد أن تكون متلائمة مع أسعارها. وقد تزيد الأسعار عن ذلك في المناطق الشاطئية باعتبار أن بعض الجهات يتضاعف عدد سكانها مرات كثيرة. فجزيرة قرقنة الواقعة على مقربة من مدينة صفاقس (350 كلم عن العاصمة) - على سبيل المثال - يرتفع عدد سكانها من نحو 25 ألف ساكن خلال الأشهر العادية إلى نحو 100 ألف ساكن خلال الأشهر الصيفية، وهو ما يجعل الطلب على الغلال ومختلف المنتجات يرتفع فتلتهب الأسعار تبعا لذلك. ثم إن أسعار الغلال الصيفية تختلف حسب النوعية، وتبعا للمنطقة، مع أنها غالبا ما تتراوح بين ما يقرب من الدينار التونسي الواحد والأربعة دنانير لأفضل الغلال وأجودها. وتجد العائلات التونسية خلال الفترة الصيفية ضالتها في بعض الغلال دون غيرها، وذلك بالنظر للكميات المهمة التي توفرها الأراضي التونسية، وكذلك لإمكانية تلبية مختلف طلبات العائلة بأقل التكاليف. فالتين الشوكي (الصبير)، المعروف باسم «الهندي» في تونس، يباع السطل منه بنحو الدينار، وهو يحتوي في أقل الحالات على 20 حبة، وبإمكانه أن يكفي أفراد عائلة مكونة من 4 أفراد. أما الدلاع أو البطيخ الأحمر الذي يباع الكلغم منه بنحو 300 مليم تونسي، والبطيخة الواحدة منه قد يصل وزنها إلى عشرة كيلوغرامات وسعرها ثلاثة دنانير تونسية، فبإمكانها أن تغذي عائلة وفيرة العدد. وقد تجد العائلة التونسية كذلك ضالتها في كثير من الغلال الصيفية الأخرى التي تنتج منها في ضيعاتها الخاصة أو تقتنيها بنفسها من صغار الفلاحين. عن الغلال الصيفية، قال الحاج أحمد البوجبلي، وهو فلاح ومزارع من الشمال التونسي، إن فصل الصيف هو «فصل الخير كله بلا منازع. فخلال هذه الفترة تنضج كل الحبات دفعة واحدة، حتى إن الواحد منا يحتار عند الاختيار». ويضيف الحاج أحمد «أنصح المستهلك بأن يقبل على الغلال في موسمها، وكلما نضج لون من الألوان واكتمل عليه بالذهاب إليه في الإبان.. فهو بذلك سيتمتع بأحلى الغلال وأفضلها». ويقول ميلود بن موسى، وهو يحمل سلة غلال جلبها للتو من السوق الأسبوعية، إن «الغلال الصيفية أفضل ما يجود به الله على عباده. فهي تلطف حرارة الجسم وتبعث فيه الحيوية، أما إذا كان إنتاجها قد مر بالمراحل البيولوجية المقلة في استعمال المواد الكيمائية، فإن الغلال حينها تكون كلها منافع وصحة وعافية». وتابع بن موسى أنه يفضل شراء الغلال من الفلاح مباشرة، وهو يداوم على بعض الأصناف من الغلال التي لا تتطلب الكثير من العناية لدرايته بأنها غالبا ما تكون بيولوجية، وذلك على غرار التين الشوكي، والتين العادي بأصنافه.. وبعض الغلال الأخرى على غرار الرمان والتمور.