يبدو أنّ موضوع الجنس في المجتمع التونسي سائر إلى الخروج من بوتقة ما يسمّى المحرمات الثلاث المعروفة في الفضائيين العربيّ والإسلامي وهي الدين والسياسية والجنس. إذ غالبا ما تتجرّأ وسائل إعلام محليّة من صحف وبرامج إذاعيّة وبدرجة أقلّ تلفزيونيّة، على طرح موضوع العلاقات الجنسية خصوصا لدى فئة الشباب واستضافة من مارس ومن تأثّر سلبا بالعلاقات المفتوحة التي تنشأ عادة خارج أطر الزواج و القانون. في حين لا يزال الموضوع مُغيّبا في المناهج و المقررات التعليمية لدى الطلبة التونسيين في السنوات التي تسبق الجامعة وسط تحوّلات اجتماعية ملفتة للانتباه تميّز الشباب التونسي على غرار ارتفاع نسبة تمدرُسه و تأخر سنّ الزواج وارتفاع معدلات البطالة والانحراف. الجنس قبل الزواج مُتاح عبر أحد المنتديات الشبابيّة العربية ذكرت فاطمة وهي بنت إماراتية تتردّد على تونس باستمرار أنّه “من السهل جدّا في تونس إقامة علاقة جنسية بين شاب وبنت، الشباب التونسيّ متفتّح للغاية في هذا الموضوع ولا يتعامل معه بحساسيّة كما هو الشأن بالنسبة لمجتمعنا المحافظ. استغربت كثيرا من أنّ القبلات والمداعبات بين الجنسين متاحة في شوارع العاصمة دون حياء، لكنني اكتشفت فيما بعد أن ممارسة الجنس أيضا بين الشباب غير المتزوّج متاحة بذات الشكل وبعيدا عن رقابة الأهل”. قد يكون كلام الشابة الإماراتية أمينا إلى حدّ ما في نقل مشاهد مما يحدث في تونس، فالإحصائية الصادرة في العام 2007 عن “المسح الوطني لصحة الأسرة” (منظمة حكومية) أشارت إلى أنّ 18 % من الزوجات التونسيات و60 % من الأزواج (أعمارهم بين 18 و29 سنة) لهم علاقات خارج إطار الزواج، كما ذكرت ذات البيانات الإحصائية أن 80 % من الشبان و68 % من الفتيات يمارس الجنس دون زواج . أمّا الديوان الوطني التونسي للأسرة والعمران البشري الحكوميّ فقد ذكر في دراسة سابقة له أن الحديث عن الجنس في المجتمع التونسي لم يعد ممنوعا، لكن الحديث عن الممارسة الجنسية في حد ذاتها ما يزال ممنوعا اجتماعياً ودينياً. وأشارت الدراسة إلى أن 85.9 % من الفتيات التونسيات يرفضن ممارسة الجنس قبل الزواج، بينما توافق على ذلك 11,9%، في حين يوافق على ذلك 40% من الشبان التونسيين. يرى الباحث الاجتماعيّ المنجي سعيداني أنّ النسب المُسجلة في تونس بخصوص موضوع الجنس “تعكس عمليّة التحديث الهامّة التي شهدها المجتمع التونسيّ خلال أكثر من خمسين سنة من الاستقلال، فنظرة الشباب التونسي إلى هذا الموضوع شهدت تطوّرا كثيرا وفق قاعدة كلّ ممنوع مرغوب”. ويتابع السعيداني للقسم العربي لإذاعة هولندا العالمية: “الشاب في تونس وفي عدد من الدول العربية يتأرجح بين الحداثة والمحافظة على التقاليد، مما سبب له ما يمكن تسميته أزمة هويّة، والضغط المسلّط على المحافظين يُغري بمزيد من التطوّر نحو التحرّر والعلاقات المفتوحة والقطع مع السائد”. حريّة شخصيّة؟ عدد كبير من الشباب ممن تحدّث إليهم القسم العربي لإذاعتنا اعتبر موضوع الجنس “حرّية شخصية” لا يحقّ لأيّ كان التدخّل فيها فهي كحريّة اللباس والمعتقد، في حين أبدى عدد آخر استيائه من طغيان ظاهرة ممارسة الجنس بين الشباب قبل الزّواج في مجتمع عربيّ مسلم كالمجتمع التّونسي، وما يعنيه ذلك من انتشار للأمراض وخطورة على النسل وارتفاع عدد أطفال الشوارع. وتحاول الحكومة التونسيّة التحذير من مغبّة ممارسة الجنس خارج الأطر الشرعية نظرا لمخاطرها على صحة الشباب الجنسية وسلامته البدنيّة، وعلى الرغم من أنّ القانون يمنع إقامة علاقات خارج مؤسسة الزواج، إلا أنه لا يُعتبر رادعا كافيا لدى كثيرين للحدّ من علاقاتهم الجنسية المفتوحة. وتضع الحكومة على ذمة الشباب المُهتمّ فضاءات ل”لإصغاء والإحاطة” على غرار عيادات الصحة الجنسية والإنجابية. وبعثت فضاءات خصوصية تقدم خدمات توعوية وطبيّة ونفسية تعرف ب “فضاء صديق الشباب” تنتشر في الأماكن العامة و يُلحق بعضها بالجامعات والمعاهد لكنها تشكو في معظمها من ضعف تردّد الشباب الذي لا يثق فيها كثيرا. كما تمّ الترخيص ل”الجمعية التونسية لمقاومة الأمراض المنقولة جنسيا والسيدا” ووظيفتها تأطير الشباب وإسداء النصيحة له للتقليل من مخاطر الممارسة الجنسية على غرار الحثّ على استعمال الواقي الذكري أثناء ممارسة الجنس. “لمتعدمواضيع الجنس تثير تحفّظ الشاب التونسي كما كان سابقا” تقول السيّدة فاتن مصباحي وهي أخصائية في الصحة الإنجابية والتوليد وتشتغل بأحد مراكز الإصغاء إلى الشباب، وتضيف: “بدأنا نلحظ بعض التلقائيةوالثقةمن طرف عدد كبير من الشباب الذي أنشأ علاقات جنسية بعيدا عن رقابة الأهل و المجتمع وسببت له فيما بعد اضطرابات نفسية. نحن لا نبخل عليهم بالمساعدة فالخطأ وارد لدى الجميع فما بالك بالنسبة للشباب المندفع”. كابوس البكارة الصناعية غالبا ما لا تضع الفتاة التونسيّة في عين الاعتبار النتائج الكارثية التي تعقب الممارسة الجنسية التي تقبل عليها بشغف خلال المرحلة الأولى من علاقتها العابرة مع الشاب. فعلى الرغم من أنّ عددا من الشباب مُرتاح لطرق موضوع الجنس وممارسته بحريّة، إلا أنّ العائلة التونسية التي تنتمي إلى مجتمع محافظ لا تقبل البتة بمثل هذه العلاقة، وغالبا ما تعاني البنت الفاقدة لعذريتها من نظرة دونية تحتقر مُمارستها وتعزلها عن بقية البنات المحافظات على عُذريتهنّ. بعض الفتيات وجدن في ما يعرف ب”رتق العذرية” أحد الحلول لتجاوز خطأ الممارسة الجنسية أو تعرّضهنّ للاغتصاب للالتفاف على رغبة الرجل التونسيّ في الزواج من شابة بكر وهلعه من أن يتفطّن بُعيد الزواج بأن قرينته ليست عذراء. ولا تتطلّب عملية زرع البكارة الاصطناعية في تونس مالا كبيرا، إذ تتراوح بين 400 إلى 700 دينار. يقول الباحث في علم الاجتماع المنجي سعيداني إنّ التحولات في صلب المجتمع التونسيّ خصوصا في التجمعات السكنية الكبرى والمحافظات الساحليّة تجعل الحديث عن العذرية و البكارة أمرا تقليديا، في حين لا يزال الموضوع حسّاسا في مناطق داخلية من البلاد، مع تراجع دور الأسرة والمدرسة في التثقيف الاجتماعي.” ويعتقد سعيداني أنّ عمليات التوعية والإرادة لدى الشباب لتحجيم الرغبات الجنسية، يمكن أن تحدّ من نتائج الممارسات الجنسية المفتوحة على غرار الأمراض المنقولة والمشاكل التي تخلفها عمليات “رتق العذريّة”. اذاعة هولندا الدولية