"الصباح" التونسية: منية العرفاوي «ونرمال...طايحلي المورال... يقتل... يكبّ سعدك... يدوّخ... ملاّ كعبة... أمورك في الشنقر ونقر... امّارك... فصالة...مريقلا... ياعطيك دودة... طايحلك الريزو... طايحلك الهوا...» هذه بعض المصطلحات المتداولة على لسان أغلب التونسيين وفي مختلف الأماكن والفضاءات بصيغ مختلفة وبمعان متنوّعة وفي معظم الأحوال يكون المصطلح المتداول -لفظيا- مصطلحا هجينا بلا معان واضحة ومرجعية لغوية فالفرنسية تمزج بلغتنا العامية ليكون نتاج هذا المزيج عدة ألفاظ دخيلة تفاجئك في البداية... ثم سرعان ما تجد طريقها إلى لسانك ليتداوله كمفردة يومية تؤثث سلوكنا اللغوي هذا دون أن ننسى المصطلحات المستحدثة التي تكون حروفها معلومة لكن معناها يستعصى على الفهم مثل «تسقسي...متفرهد...الشنقر والونقر...مرق فيّ...فكّ» لكن رغم ذلك ننهل منها لغويا غير آبهين إن كانت تحمل معنى أم لا؟ هذا بالإضافة إلى أننا نكاد نتفق -كمجتمع- على نطق الحروف بالفرنسية فالمنزه «سانك» والمترو «كاتر» الحافلة «سيس» والمنار «دو» وكأنّ الحروف خلقت لتنطق بالفرنسية... وفي خضمّ هذا المزيج اللغوي تتفرّد كل شريحة عمرية بمصطلحاتها الخاصّة كما أن علماء الاجتماع يؤكدون أن المصطلحات النسوية في تونس تختلف عن غيرها من المصطلحات الرجالية...ولأن اللغة تعكس مرجعيات ثقافية وذاتية ونفسية وسيسيولوجية تساهم في نحت الشخصية القاعدية. ارتأينا الغوص في في اللغة اليومية المتداولة والبحث عن دلالاتها وأبعادها الاجتماعية والنفسية... ينصّ الدستور التونسي على أن اللغة العربية لغة رسمية للبلاد وتكرّس التوجهات والسياسيات والتعريب كخيار أساسي إلا أن الومضات الاشهارية ومنشطي البرامج الإذاعية والتلفزية الخاصّة على وجه الخصوص لا يجد ون حرجا في التلفظ بالفرنسية ولا تخلو جملة من دمج كلمة باللغة الفرنسية لتصبح النتيجة «ريزلطا» وفي بعض الأحيان يتحفونك بألفاظ قد لا تجد لها معنى -لا فرنسي ولا عربي ولا حتى «صيني» فتختلط المعاني وتلتبس المفاهيم ليصبح الذكي أو الفتاة الجميلة «طيارة» ومن بين المجالات التي يجد الاستنباط اللغوي فيها صداه الواسع نجد الغزل الذي انقلبت مصطلحاته وتشابكت مفاهيمه... عم حسن جاوز السبعين لكنه مازال يتدفق شبابا عندما نتذكّر معه صولاته في الغزل في فترة الشباب ورأيه في اللغة «الشارعية» السائدة اليوم أجاب بحدّة «كلام اليوم (كله قلة حياء) فكيف لشاب أن يصف فتاة بأنها قنبلة «بعيد الشرّ...» فكثيرا ما يصعب عليّ فهم ما يقوله أحفادي فما معني «طاحلي لهوا» الخ.... وما يحزّ في نفسي كثيرا هو تفشي ظاهرة الالفاظ النابية والقبيحة والتجاهر بما ينافي الحياء ففي أيامنا كنا نستحي من نطق هذه الكلمات حتى ولو كانت في إطار ضيّق»... «يكبّ سعدك، لا يربحك، يحمّم وعدك «هذه بعض الألفاظ التي تستعملها الكثير من التونسيات وإذا تغزّلت التونسية فان وصفها يتخذ ملامح مرعبة ك«يقتل ويدوّخ» هما من بين أكثر الألفاظ شيوعا أمّا عندما تتسوّق أو تتبضّع فالفستان الأحمر هو «روج» والأسود «نوار» وقد يكون «بلو» ولأن هذه الظاهرة حظيت باهتمام علماء الاجتماع اتصلنا بالدكتور محمود الذوادي باحث في علم الاجتماع الذي قال أن «اللغة العربية لا تحتلّ المكانة الأولى في قلوب الناس و عقولهم و في استعمالاتهم اللغوية...إذ وقع التركيز على التعريب الكتابي في الإدارات والمؤسسات التونسية وتم إهمال التعريب النفسي وبالتالي فاستعمال الكلمات الفرنسية في التخاطب رغم وجود المرادف العربي لها سلوك لغوي منحرف، والتونسيون فشلوا في تطبيع علاقتهم مع لغتهم فهم لا يكادون ينطقون الأرقام خاصّة الهاتفية والألوان بالعربية وهذا عائد إلى ترسبات اجتماعية ونفسية جذورها تعود للحقبة الاستعمارية و تدلّ على عدم اعتزازنا بهويتنا وثقافتنا إلى جانب ما تركه الاستعمار من تبعية فينا سواء على مستوى برامج التعليم أو ما طبعه فينا من ثقافة....وهذا لمسته شخصيا على مستوى بحث ميداني قمت به في مغازات «المونوبري» فصفر من الحرفاء احتجّ على كتابة أسماء الغلال بالفرنسية بينما من النادر ما يحدث في بلدان أوروبية أن تجد كتابة في مغازة بغير لغة البلد. كما تساهم التونسية في التراشق بكلمات وعبارات السب والشتم وقد تستعير لهذا الغرض الألفاظ النابية التي من المعتاد أن يتلفظ بها الرجال واستعمال الكلام البذيء أصبح واقعا تونسيا يشترك فيه الجميع المثقف والجاهل والمتعلّم والإطار والنادل فالكل يعكس طابعا عدوانيا أو ما وصفته يوما بالشخصية المستنفرة التي لا ترتاح للغرباء وتدافع عن نفسها بالعنف اللفظي وحتى المادي وهنا تبدو الشخصية التونسية القاعدية شخصية مستنفرة ينقصها التعاطف والتقارب مع الآخر فسلوك التونسي مع الآخر يتسم عموما بالحذر والتوتر والخوف والتوجّس. ويغلب على الخطاب النسائي في تونس استعمال «الدّعا» على الآخر وهو يختلف عن خطاب السفاهة الذكوري إذ تلجأ التونسية ل«دعا» باستعمال كلمات وعبارات يطلبن أو يتضرعن بها الى الله أو الجن ّأو أولياء الله الصالحين حتى يعاقب الطفل العاصي لأمر والديه أو يلقى الفرد المغضوب عليه ما يستحقه من عقاب على أيدي تلك القوى الماورائية كذلك. ولفظ «يكب سعدك» المتداولة يعكس موروثا شعبيا يرى أن قيمة المرأة لا تكتمل إلا بالزواج والسعد هو الزواج وإذا «تكب» بمعنى تدهورت حياتها. وعندما تعبّر التونسية عن إعجابها برجل فتنت به فهي تقول «يقتل...يدوّخ» وفعل قتل يدلّ على الألم وعلى الموت وهنا نعود إلى اقتران الألم باللذة في نفسية المرأة فالولادة مقترنة بالألم و الحياة الجنسية مقترنة بالألم...» لماذا يلجأ جلّ التونسيون من الذكور إلى خطاب لغوي مشوبا بالسفاهة والسب والشتم ولماذا تحترف التونسية «الدعا» ولا تجد حرجا في التلفّظ بعبارات نابية ولو كان مستواها جامعيا... كل هذه الأسئلة عرضناها على الدكتور محمّد دمق الطبيب النفساني الذي أفادنا «بالنسبة لتفشي السفاهة في السلوك اللغوي المتداول بين التونسيين نجد أن القاسم المشترك لأغلبية الحالات هي النشأة الأولى التي تبرمج سلوكنا اللغوي على المدى البعيد حيث أن نشأة الطفل في عائلة أو محيط اجتماعي وأسري لا يضع ضوابط لغوية ولا يتبع سلوكا لغويا قويما يجعل تبني خطابا ومرادفات لها صبغة إباحية سهلة ولا يثير إشكالا في نفسية الناطق بهذا الخطاب خاصّة عند غياب الردع العائلي لهذا السلوك. أمّا بالنسبة للفتيات اللواتي لا يجدن حرجا في التسفّه بما يخلّ بالحياء مع توظيف الأعضاء الذكورية في هذا الخطاب اللغوي الخادش للتربية السليمة يجعلنا نذهب إلى رمزية ودلالات هذه الأعضاء فالمعنى يغيب ليحلّ محلّه الرمز ليصبح توظيف العضو الذكوري في الخطاب الأنثوي له أبعاد تحيل على تفشي ثقافة السائد التي نأخذها دون تمحيص في أبعادها... فما يقوله الأب والأخ والزميل وتسمعه يوميا في الشارع قد يجري على لسانها دون تفكير كما أنه قد يخفي رغبة في التشبّه بالرجل من حيث قدرته على كسر «التابوهات» وتجاوز المحرّمات... وقد يعكس هذا السلوك نوعا من تعكّر المزاج الذي هو في نهاية الأمر اضطراب نفسي وسلوكي أو حالة من الهذيان الخفيف الذي يبعد الإنسان عن الواقع لتنتفي جميع المحرّمات ويختفي السلوك السليم ويضّمحل الالتزام بكلّ القواعد الاجتماعية والتربوية والأخلاقية... بالنسبة «للدعا» فانه سلاح الضعفاء أي من لا يكون له قدرة على إحداث أي ضرر مادي بالغير الذي بادر بالإساءة إليه فانه يتمنّى إنزال السوء به ويكون ذلك في صيغة «الدعا» وبالنسبة لتكرار عبارات بعينها في الكلام على شاكلة «معناها ...فهمتني...تسمع فيّ » فذلك يعني شخصية تتميز بالنظام الصارم في حياتها والانضباط والتثبت والتكرار كذلك قد يعكس عدم الثقة في النفس وعدم الثقة في قدرته على تبليغ المعلومة الصحيحة... أماّ الاستعانة باللغة الفرنسية فذاك عائد إلى ترسبات ثقافية استعمارية وهوس بتقليد الآخر باعتباره عاكسا للتحضّر.