الكتاب هو الغذاء الذي لا يمكن الصوم عنه مهما أفرطنا في النهم فيه، والكتاب وحده الذي يتحرر فيه الفكر بضوابط دقيقة مدروسة ونسبية والذي نطلع فيه على الاختلاف ونختار من خلاله ما يناسبنا، والكتاب يبقى يتصدر الواجهة الثقافية ويعلن عن كتّاب عمّروا مئات السنين وما يزالوان يشكلون الصدارة، وعن ميلاد كتاب جدد قد لا تتجاوز بهم العمر الثقافية بضع سنين وتخبوا نارهم وتطمس آثارهم، ونظرا لأهمية الكتاب والمقروئية اترتأينا أن نقدم في ندوة بعض آراء أساتذة ومختصين وصناع الكتاب عن وضعية المقروئية والكتاب في بلادنا. الطيب بيباني/ مسؤول مكتبة اتحاد الكتاب :الكتب التاريخية والمذكرات أكثر مقروئية يرى السيد الطيب بيباني مسؤول مكتبة اتحاد الكتاب الجزائريين، أن المكتبة التي يديرها تعرض المواضيع من علمية وأدبية، وأن الكتب التي يكثر الطلب عليها هي الكتب التاريخية والمذكرات، كمذكرات الشاذلي بن جديد والطاهر الزبيري، أما الكتب الأخرى فهي الكتب الدينية، أما فيما يخص الكتب الأدبية، فقد اشار السيد الطيب بيباني إلى إن الطلب عليها قليل وإن حصل فإنما يحصل بتوجيه من أساتذة الجامعات للطلبة فيأتون للبحث عن العناوين المناسبة لبحوثهم. ولاحظ السيد الطيب بيناني أن الإقبال على شراء الكتب يتزايد يوما بعد يوم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ارتفاع نسبة المقروئية، ومن حيث الكتب التي يقبل عليها الشباب القصص والروايات كأحلام مستغانمي، ياسمينة خضرة، واسيني، الزاوي، وفيما يخص الأسعار يرى الطيب أنها بالنسبة للقراء مرتفعة ويطالب ان تكون مدعمة من قبل الدولة. أما بالنسبة لصناعة الكتاب فيرى السيد بيباني أن هناك بعضا من المطابع ودور النشر من يهتم بصناعة الكتاب من حيث جودة الطباعة والاعتماد على المقاييس المعمول بها فتكون الطباعة أنيقة وصناعة الكتاب جيدة. ويرى السيد الطيب، أن المرأة أكثر قراءة من الرجال والفتيات أكثر من الفتيات، وأن الكتب شبه المدرسية هي المطلوبة، خصوصا تلك التي تساعد الطلبة على الامتحانات كالبكالوريا وشهادة التعليم المتوسط. سارة بوشمال/ إطار بالمركز الثقافي الإسلامي :أكثر الكتب مقروئية التاريخ والشريعة ترى الأستاذة سارة بوشمال بالمركز الثقافي الإسلامي والتي تضم مكتبته أكثر من 09 آلاف عنوان، أن المكتبة تقدم خدماتها إلى القراء من أساتذة وباحثين وأساتذة وطلبة وأن 80 ٪ من القراء هم جامعيون وأن الكتب الأكثر طلبا هي الكتب التاريخية والشريعة، وأن عدد القراء يوميا يتراوح بين 30 إلى 40 قارئا، والمكتبة تفتح أبوابها من الساعة التاسعة إلى الرابعة مساء من يوم السبت إلى الخميس. كما تلاحظ الأستاذة سارة، أن القراء يتزايدون، خصوصا أن المكتبة لها نوعية في الكتب. جمال سعداوي/ رئيس فرع اتحاد الكتاب الجزائريين بالعاصمة :ليس هناك صناعة خاصة بالكتاب يرى السيد جمال سعداوي، أن الإشكالية بالنسبة للكتاب والمقروئية تعود إلى انعدام هيكل خاص يأخذ بيده صناعة الكتاب وتوجه من خلاله الطاقات الإبداعية آراءها ويحمل كل المعايير المتفق عليها عالميا، غياب هذا الهيكل جعل هذا المجال يتسم بالفوضى والعراقيل التي تواجه المبدع للوصول إلى حلقة الطبع، وبالتالي عدم وجود هذا التصور جعل صناعة الكتاب متأخرة وجعل المبدع يعيش حالة من التذبذب. أما فيما يخص المقروئية فيرى الشاعر جمال سعداوي أنها تعود إلى مسألة المناهج وبالأخص المنهج التربوي الذي يحفز على مطالعة الكتب ويجعل من المنظومة التربوية أكثر نشاطا وحيوية ويرسخ في الأجيال فكرة المطالعة وتصبح صناعة الكتاب مهمة وحركة سريعة للطبع وحافزا للمبدع. أما بخصوص الكتاب الذين يتهمون القارئ بعدم إقباله على بضاعتهم وإقباله على الكتب الصفراء كما يصفونها، فيقول السيد جمال سعداوي: هناك علاقة تحكم الكتاب بالقارئ وهي علاقة، جوهرية الشعور بالانتماء، والكاتب ابن مجتمعه وهو الخيط الذي يربط الكاتب والكتاب بالقارئ، حيث تبقى علمية الاتصال مستمرة بينهما لا تنقطع، أما أن يحاول الكاتب القفز على الثوابت وأصول مجتمعه ويحاربها وهي جوهر العلاقات الاجتماعية، فهذا ما يوقع الانفصام ويحسس القارئ بحرب تثار ضده، وهذا يعتبر قفزا على الثواتب، حيث نجد الكاتب لا يملك الشجاعة الحقيقية ليعلن عن موقفه بصراحة. القارئ إنسان صريح ويحب أن يجد الأفكار الواضحة التي تهمه ليتقدم إلى الأمام، وبالتالي يعتبر الإرث القديم من الكتب التي تحوي أمهات العلوم، الكنز الذي يعود إليه عندما لا يجد كتابا حديثا يسد نهمه على العلم والمعرفة. وفيما يخص ضعف المقروئية يرى الأستاذ جمال سعداوي أنها في أي مجتمع تعود الى ما يسمى قدرة هذا المجتمع في غرس ثقافة القراءة لدى جميع الفئات، وهذا يتأسس على فكرة تثمين الرأي وتوثيقه من أجل التاريخ والتأسيس في مرحلة ما، فإذا كان هناك إدراك، خاصة لدى النخبة لهذه النقطة، فإنه سيكون نقلة نوعية في صناعة الكتاب كما ونوعا، لأنه لا يكفي أن نتخذ موقفا تجاه أية قضية، الكتاب هو الحلقة الجوهرية في نقل المعرفة ونشرها على نطاق واسع من أجل تحرير الوعي وإنقاذه من غياهب الجهل والتخلف والتشرذم، وتنشيط عملية المقروئية كعادة مستمرة لا يمكن الاستغناء عنها، بل يمكن تطوير وسائلها وفق تطلعات ومتطلبات وخصوصيات كل جيل. عبد الرحمن عزوق/ رئيس فرع اتحاد الكتاب بتيبازة :المقروئية محدودة لأسباب كثيرة يرى الكاتب عبد الرحمن عزوق، أن المقروئية في الجزائر محدودة لأسباب كثيرة، منها طغيان حب المادة على عقول الناس في زمننا في كل مكان وليس في ولاية واحدة فقط، زيادة على وجود وسائل اخرى تعوض القراءة ومطالعة الكتب مثل الأنترنت والتلفزيون الذي أصبح مؤثرا على الشباب خصوصا، رغم ذلك، فإننا نبذل جهودا من أجل الإبقاء على مطالعة الكتب لأنها هي التي تبقى راسخة في أذهان الشباب، وعلى سبيل المثال، فإن كتبي المطبوعة وكتب زملائي في فرع اتحاد الكتاب بولاية تيبازة، توزع مجانا أينما حللنا ونزلنا بين الكبار والصغار، دفعا لهم للمطالعة والحفاظ على أدنى حد من المقروئية التي تكاد تنعدم، أضف الى ذلك غلاء الكتاب الذي لعب دورا كبيرا في عدم الإقبال على القراءة. رابح سعيداني/ محام :الأنترنت قلل من المقروئية يرى الأستاذ رابح سعيداني، أن الأنترنت من الأسباب التي أدت الى محدودية المقروئية في الجزائر، أضف إليها التلفاز والجرائد، وأن الناس أصبحوا يهتمون بالأشياء المختزلة السريعة ليس فقط في القراءة وانما حتى بالنسبة للأكل. أما فيما نلاحظه من اقبال على الصالونات الخاصة بالكتاب، فيرجع ذلك الأستاذ سعيداني إلى أن ما نلاحظه من اقبال المواطنين وبحثهم عن أمهات الكتب لاقتنائها بأي ثمن كان وضعها في واجهات المكتبات الخاصة لهم فهي للزينة فقط وليس للمطالعة. رابح محمودي/ دار قرطبة للنشر والتوزيع وعضو المكتب الوطني لنقابة ناشري الكتب: صناعة الكتاب ببلادنا غير متطورة يرى الأستاذ رابح محمودي أن صناعة الكتاب في الجزائر متأخرة مقارنة بما هو موجود في بعض الدول العربية مثل مصر ولبنان، وبالنسبة للطباعة عندنا نوعان من الورق، ولو بحثنا عن نوعية ورق الطبعة الشعبية لا نجده، فصناعة الكتاب غير متطورة وتقنيات التجليد غير موجودة ولا يوجد من يستثمر في هذا المجال، والسبب هو تأميم كل شيء وهذا ما أدى إلى عدم وجود التجليد الفاخر، خصوصا عند المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية (لوناق)، أضف الى ذلك عدم خوض الجزائري الاستثمار في هذا المجال، لأنه يراه غير مربح والناس عزوفين عن القراءة والمطالعة. من الأسباب التي يراها رابح محمودي معرقلة للقراءة، عدم قيام مؤسسات المجتمع بدورها في نشر القراءة ابتداء من الأسرة ثم المدرسة الى غاية المؤسسات الأخرى. كما يلاحظ السيد رابح محمودي أن من بين أوجه العزوف عن المقروئية تغير سلم القيم داخل المجتمع حيث غلبت النزعة المادية الاستهلاكية على النزعة المعنوية القيمية، حيث نجد المواطن مثلا ينفق ألف دينار على الموبيل ولا ينفق ثلاثمائة دينار على كتاب، كما ان وسائل الإعلام لا تلعب دورها في نشر الكتاب واقتنائه، حيث تقدم الكتاب تقديما باهتا لا روح فيه والقارئ بطبعه فضولي لا يستهويه ذلك التقديم وانما تستهويه السجلات الفكرية على صفحات الجرائد. أما فيما يخص الإقبال على المذكرات، فإنه يرجعها الى حب اكتشاف الغامض من التاريخ كمذكرات الشاذلي والطاهر الزبيري. وفيما يخص توزيع الكتاب فقد أكد السيد محمودي أنه يوصله من مغنية غربا الى تبسة شرقا، ومع ذلك ليست المقروئية قضية توزيع أو غلاء الكتاب، ويعود سبب عدم الإقبال على الكتب الروائية إلى كونها كتبت لغير مجتمعنا وتتكلم لغة لا تعبر بالضرورة عن مجتمعنا، بل هي تنافيها، الأمر الذي يجعل القارئ عزوفا عن قراءة مثل هذه الكتب، ونجدها تباع إذا كتبت باللغة الفرنسية، فهذا يعود إلى الإشكالية الموجودة بين قراء الفرنسية والمتعاطفين معها لأنهم قرأوا لكتاب غربيين فلا يجيدون غضاضة من ذلك، أما من يقرأ باللغة العربية فإنه غير متعود على تلك اللغة وعلى تلك الأفكار التي تتضمنها هذه الروايات. السيد مراد/ مكلف بدار الوسط :القراءة موجودة لكنها قليلة السيد مراد مكلف بدار الوسيط أحد العارضين بالمعرض الوطني التاسع للكتاب، يرى أن الكتب المطلوبة رغم قلة الإقبال، الكتب شبه المدرسية والروايات والقواميس وكتب الأطفال، والسبب يعود إلى ارتفاع أثمان الكتب لأن الكتاب غير مدعم. السيد يوسف بن زين/ دار قصر البخاري للنشر والتوزيع: القارئ متغير حسب ظروف المراحل يرى السيد يوسف بن زين، أن القارئ يختلف من وقت إلى آخر ومن مكان إلى مكان، حيث نجد في الجنوب في كل من بشار وأدرار مقروئية عالية لا تجدها في مناطق الشمال، والسبب يعود إلى كثرة الزوايا والإقبال على الكتب الدينية، حيث نجد الكتاب يباع والقراء يأتون بتزايد، وبالنسبة الى أسعار الكتب فهي حسب المواضيع. أما فميا يخص الإقبال على الدورة التاسعة للمعرض الوطني للكتاب فهي ضعيفة جدا، والسبب الإشهار والوقت لم يكن ملائما. بوقرة محفوظ/ أستاذ ثانوي :توجد مقروئية يرى الأستاذ محفوظ بوقرة، أن القراءة موجودة والمقياس على حساب طلبة الثانوي، والدليل على ذلك أن الكثير من الكتب التي تقدم للتلاميذ يقبلون عليها، وأكثر الكتب مقروئية الأدبية روايات أحلام مستغانمي، ياسمينة خضرة، أما نقص المقروئية إن وجدت فيعود إلى وسائل الاتصال الحديثة مثل الأنترنث الخاص بالتسلية والتلفزيون وغلاء الكتاب وعدم دعمه. هذه بعض الآراء حول الكتاب والمقروئية في بلادنا من خلال أساتذة وكتاب وأصحاب دور نشر، وتبقى قضية الكتاب والمقروئية قائمة في الجزائر وتتقاسمها أسباب متعددة من صناعة الكتاب والمبدعين ونوعية القراء، حيث نجد أن القراءة المرتفعة تعود الى الكتب التاريخية والمذكرات والكتب الدينية، أما كتب الروايات فهناك أسماء معينة يقبل القارئ الجزائري على قراءة إبداعها، بينما يعزف عن إبداع كتاب آخرين لأسباب إيديولوجية وغربة كتاباتهم عن الواقع الجزائري، فهم يكتبون لقارئ آخر ينتمي الى اديولوجياتهم، فهم مبشرون ووعاظ ايدويولجيون أكثر منهم مبدعون وكتاب لقارئ اسمه جزائري.