حين تقف غولدا مائير (رئيسة وزراء إسرائيل في أواخر ستينات القرن الماضي) مشبكة يديها وهي تشدو على أنغام أغنية «ياااه يا الميدان! كنت فين من زمان؟!» ولكن بعد تغييرها إلى «ياااه يا العريان! كنت فين من زمان؟!»، وحين تتفتق أذهان الأثريين عن مقارنة تاريخية بين «رمسيس الثاني» الذي أخرج اليهود من مصر و «العريان الأول» الذي أعادهم إليها، وحين يلقي أحدهم تحية الصباح على أصدقائه من شعب «تويتر» قائلاً: «صباح الخير على كل أصحابي وأحبائي! بوكيرتوف آدون عريان»، وحين يستنكر الطبيب الإعلامي الساخر باسم يوسف ما قاله الدكتور محمد البرادعي عن الهولوكوست وغيره متسائلاً: «كيف للبرادعي أن يقول إن الهولوكوست مأساة إنسانية، وأن بوذا قد يكون نبياً، وأن السلفيين متطرفون، ويطالب بعودة اليهود؟ ما هذا؟ هل يعتقد أنه عصام العريان؟»، وحين يتساءل مواطن غلبان «العريان يريد أن يعود اليهود إلى مصر؟! طيب أليس الأجدر به أن يطالب بعودة المسلمين أولاً؟» ... إذن أنت أكيد في مصر في زمن الإخوان! الإخواني البارز نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور عصام العريان أبى أن يطوي عام 2012 آخر صفحاته إلا وقد أثبت فضائياً وتغريدياً أنه نجم الفقرة الأخيرة في اليوم الأخير في هذا العام. فهو من صنع لنفسه قاعدة شعبية ضخمة على مدى الشهرين الماضيين، ليس من خلال الإنجازات السياسية أو الأفكار الاقتصادية أو الخطط الاجتماعية، بل من خلال التغريدات النارية التي تنتقل ألهبتها من الأثير العنكبوتي إلى الهشيم الفضائي ومنه إلى كل ركن من أركان المحروسة. وعلى رغم تغريداته النارية وتصريحاته الجهنمية الأخيرة، تظل التغريدة الأحدث والتي تحولت إلى حديث الساعة الأخيرة من ساعات العام 2012 هي الأشهر والأكثر إثارة للجدل والعجب والغضب. الغضب على دعوة الدكتور العريان لعودة اليهود المصريين الذين تركوا مصر إلى إسرائيل مفهوم ولا مجال للطرافة فيه، إذ إن المنطق عادة ما يكون منزوع الدعابة! وإذا كانت تعليقات مثل «كيف لمواطن إسرائيلي ولد وتربى وانضم لجيش الدفاع وخاض حروب الكيان الصهيوني أن يأتي إلى مصر ويصبح مواطناً مصرياً؟!» تأتي تحت بند الغضب والشجب والتنديد الكلاسيكي والمتوقع، إلا أن الأوركسترا الفضائي الفيلهارموني جوّدت وأبدعت وولّدت المزيد من المادة الثرية الدسمة التي تحولت في خلال دقائق معدودة إلى طوفان هائل وسيل متفجر أصاب الجميع إما في مقتل أو في مضحك! الدكتور عصام العريان فاجأ كل من توقع أن يخرج نافياً ما غرد به، أو مصححاً ما كتبه، أو مقللاً من شأن ما دعا إليه، وأطل على ملايين من المصريين عبر برنامج تلفزيوني مبهراً إياهم بقوله: «يا ريت اليهود بتوعنا يرجعوا لنا بعد كده عشان يفسحوا مكان للفسلطينيين، يعني الفلسطينيين يرجعوا بلدهم واليهود العرب يرجعوا بلدهم إن شاء الله! أنا باناديهم الآن: مصر أولى بيكم من اسرائيل. إنتوا ليه تعيشوا في كيان عنصري؟! ليه تعيشوا في كيان احتلال؟! ليه تبقوا ملوثين؟! دي جرائم حرب هيعاقب عليها كل قادة الاحتلال، ولن يفلتوا من العقاب». هذه الكلمات الرنانة فتحت الأبواب على مصاريعها في الساعات القليلة التالية، فيوم أمس جالت الغالبية المطلقة من القنوات التلفزيونية على الدكتور العريان وعدد من رموز الجماعة الذين أبدعوا أكثر فأكثر في الدعوة النارية! توحد المصريون أثناء المتابعة في رد الفعل الأولي، إذ اتسعت حدقات الأعين، وتسارعت دقات القلوب، وانحبست الأنفاس، وتركت الأفواه مفتوحة على مصاريعها. صحيح أن الجانب المحب للإخوان والعاشق لتصرفاتهم انبرى بعد التغلب على الصدمة في عمليات التبرير الممنهج والتأكيد على أن دعوة الدكتور العريان «تتمتع ببعد النظر» وتتصف «بالحكمة التي لا يفهمها سوى الحكماء وقارئي التاريخ» وكيف أن هذه الدعوة «رغم ما تبدو عليه من غرابة وشذوذ للوهلة الأولى، لكن كم من عبقري اتهم بالجنون لأن من حوله لا يفقهون»، إلا أن فريق «المبررين» فشل هذه المرة في الضحك على غالبية المصريين. فما زالت الغالبية واقعة تحت تأثير الصدمة. لكن هناك من أفاق وانبرى يتساءل «يعني يكفروا المسلمين ويهجروا المسيحيين ويعيدوا اليهود؟» ومنهم من غيّر صورة البروفايل الخاصة به إلى تساؤل العريان المذهل في نهاية إحدى مداخلاته الهاتفية «يعني اليهود يروحوا فين؟ ينتحروا يعني؟»، ومنهم من تخيل سماع الهتاف في تل أبيب يدوي الآن «سامع أم كوهين بتنادي عايزة شقة في المعادي»! لكن الهتاف وصل مختلفاً إلى آخر: «سامع أم شاليط بتنادي العريان جاب حق ولادي»! أما «أولاد مصر» فقد خرجوا بتصميم غرافيكس سياسي متقن يشير إلى: أيام الانتخابات الهتاف «خيبر خيبر يا يهود! جيش محمد سوف يعود» ... بعد الانتخابات الهتاف «أهلاً أهلاً يا يهود ارجع بلدك من غير قيود». وفي الوقت الذي نجح فيه 2012 في لملمة متعلقاته راحلاً، فشلت جهود الإطفاء في السيطرة على النيران المشتعلة بين جهود تبريرية، وتساؤلات استنكارية ودعابات انفجارية جعلت من الدكتور عصام العريان نجم اليوم الأخير في 2012!