يقترح المؤرخ بنيامين ستورا، في كتابه الجديد الصادر حديثا عن منشورات ''ستوك'' بباريس، بعنوان ''سفر ما بعد الكولونيالية''، مقاربة جديدة لتناول تاريخ ثلاث مستعمرات فرنسية سابقة، هي الفيتنام، المغرب والجزائر. وذكر، في مقدمة الكتاب، أنه مزج بين ''المقاربة الهجينة'' و''معرفة الآخر واكتشاف الذات''، موضحا بأن المؤرخ في هذه الحالة، يخضع لحالة تكاد تكون أدبية، لكنه يستجيب في نفس الوقت للنزاهة التي تتطلبها عملية البحث في الوثائق والشهادات. يُعرف عن المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا، مروره بثلاث مراحل بخصوص مؤلفاته التاريخية، أولها مرحلة البحث في تاريخ طائفته، ثم انتقل إلى مسألة الرّحيل، تلتها مرحلة الخيار الأكاديمي لتجاوز النظرة الشخصية والمنغلقة للتاريخ. واعتمد ستورا في تأليف هذا الكتاب على علاقته بالجزائر مسقط رأسه، وعلى إقامته الطويلة في الفيتنام والمغرب، حيث كان شاهدا على عملية الانتقال من حكم الحسن الثاني إلى محمد السادس، ليتناول علاقة فرنسا بمستعمراتها القديمة. يعتقد ستورا أن الجزائر بصدد تجاوز مرحلة التاريخ الرّسمي، الذي أوجد عدّة قضايا تاريخية تندرج ضمن ''المسكوت عنه''، والتي تميّزت بغياب الأسماء التي أسّست للوطنية الجزائرية في نضالها ضد الاستعمار، بالتركيز على مصالي الحاج وفرحات عباس. وسبق لستورا أن صرّح، في حوار مع جريدة ''الخبر'' منذ سنة، أن شخصية الشيخ عبد الحميد بن باديس، ما تزال تنتظر من يكتب سيرتها الذاتية، حتى تكتمل حلقة الوجوه التي أسّست لفعل النضال ضد الاستعمار. وأوضح المؤلف بأن الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر، حفرت الفجوة دون أن تعمّقها، بين نظرتين مختلفتين تخضعان لمنطق سياسي. ففي فرنسا ارتكزت الاحتفالات على نهاية الجزائر الفرنسية بين مارس وصيف 1962، واستعادت قضايا مرتبطة بوضعية الحركى، حيث أبرزت وسائل الإعلام وحتى الخطاب السياسي، الوضعية المأساوية التي لحقت بهم بعد أن تخلى عنهم الجيش الفرنسي، وكذا رحيل الأقدام السوداء، بينما ركّز الجانب الجزائري على بداية حرب التحرير وتجاوزات الحالة الكولونيالية، بالحديث عن تجريد الجزائريين من أراضيهم والتأسيس لاستعمار استيطاني وغياب العدالة. واستنتج أن العلاقة بين البلدين ما تزال تخضع للاضطراب، بسبب هذه الاختلافات في وجهات النظر. وإلى جانب هذين التصوّرين الرسميين، برز في الآونة الأخيرة طرف ثالث في الجزائروفرنسا، يسعى لفتح نقاش مجرد من الذاتية، وتبادل وجهات النظر بخصوص ''الظاهرة الاستعمارية''، من أجل التوصل إلى فهم ينأى عن العاطفة السياسية. وبالفعل، صدر هذا العام كتاب ''تاريخ الجزائر في العهد الاستعماري''، أشرفت عليه المؤرخة سيلفي ثينولت، المعروفة بميلها لتقديم تصور مغاير لما جرى في الجزائر بين 1954 و1962، وفضّلت استعمال تعبير حرب الاستقلال الجزائرية، بدل ''حرب الجزائر'' التي انتشرت حتى في الأوساط الأكاديمية. ويسعى هذا الكتاب الصادر بالجزائر عن منشورات ''البرزخ'' ودار ''لاديكوفرت'' بباريس، إلى التأسيس لصداقة جزائرية فرنسية، بعيدة عن تأثيرات السياسة واصطدام التاريخ.