شهد اليمين الديغولي الفرنسي انقساماً واضحاً في صفوف حزب «اتحاد الحركة الشعبية» الذي أنشئ في عهد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك لتوحيد التيارات المختلفة في اليمين بين الوسطيين وغيرهم. وأمس بعد 24 ساعة من انتظار نتائج انتخابات رئاسة الحزب بين جان فرانسوا كوبي الأمين العام السابق للحزب وفرانسوا فيون رئيس الحكومة لخمس سنوات في عهد نيكولا ساركوزي تقدم كوبي بفارق 98 صوتاً فقط على فيون. إن الحزب المعارض الفرنسي برئاسة كوبي سيتجه أكثر فأكثر إلى مبادئ بعيدة عن الديغولية وأقرب إلى اليمين المتطرف لاستقطاب ناخبي الجبهة الوطنية. فكوبي كان السياسي الفرنسي الرائد في إصدار قانون يحظر ارتداء البرقع علماً أن عدد السيدات اللواتي يرتدينه في فرنسا لم يتجاوز ألف سيدة من أصل 67 مليوناً هم عدد سكان فرنسا. وكوبي خلال حملته الانتخابية لرئاسة الحزب هو صاحب القول، الذي أصبح التعليق المفضل لحلقة الفكاهة السياسية الشهيرة للدمى المتحركة، برفضه نزع الخبز والشوكولا من يد ولد بحجة أنه لا يسمح له تناول الطعام في شهر رمضان، مما أثار استياء الجالية المسلمة في فرنسا. فكوبي لعب على مخاوف الفرنسيين من المسلمين والأجانب وخاض معركة اليمين المتطرف وابتعد عن اليمين الديغولي الذي مثله فيون الأقرب إلى مبادئ اليمين المعتدل والوسطي. وفور الإعلان عن فوز كوبي قال إن فكره مع الرئيسين شيراك وساركوزي. فكوبي بدأ عمله السياسي إلى جانب ساركوزي في بلدية باريس عندما كان يرأسها شيراك. إلا أنه اختلف لاحقاً مع ساركوزي ثم عاد واقترب منه في السنتين الأخيرتين من عهده الرئاسي. فكوبي كثير الشبه بساركوزي بطموحه الكبير واستعجاله الوصول إلى السلطة. حتى انه أعلن عن فوزه برئاسة الحزب مساء الأحد بينما لم تكن لجنة مراقبة نتائج الانتخاب قد أنهت حساب الأصوات مما أدى إلى بلبلة وفوضى وشرخ أكبر بين أعضاء الحزب. وقد شكا فيون مما حصل في التصويت في عدد من المناطق وكان في جميع استطلاعات الرأي المرشح المفضل لرئاسة اليمين ولكنه خسر المعركة داخل الحزب بأصوات قليلة. ولا شك في أن رئاسة الحزب تعطي لكوبي ماكينة تساعده في معركة الرئاسة في 2017 التي أشار مراراً إلى أنه سيترشح لها. إلا أن فيون وهو في الثامنة والخمسين من العمر قد يطمح أيضاً إلى الترشح، كما يمكن أن يترشح رئيس الحكومة السابق آلان جوبيه، وعندها سيضطر الحزب لخوض انتخابات أولية أخرى في 2014 أو 2015 لاختيار مرشحه المفضل للرئاسة مثلما فعل هولاند في الحزب الاشتراكي من دون أن يكون أمين عام الحزب وتقدم في الانتخابات الأولية على المرشحة مارتين أوبري. فعلى رغم فوز كوبي وانقسام الحزب فان هذا لا يعني أن حظوظ فيون للرئاسة انتهت. فهو لا يزال يحظى بشعبية واسعة ويستقطب أيضاً تيارات الوسط والمعتدلين ممثلين بنصف اليمين غير المستعد للذهاب إلى تطرف كوبي. وفي الوقت ذاته فان معارضة الحزب تحت رئاسة كوبي لهولاند والحزب الاشتراكي ستكون أعنف وأكثر تشدداً وهذا من شأنه أن يزيد من تأزيم الأمور في فرنسا في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة قد يستفيد منها كوبي المستعجل مثلما كان ساركوزي في عهد شيراك.