أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    طنجة.. توقيف شخص بحي بنكيران وبحوزته كمية من الأقراص المهلوسة والكوكايين والشيرا    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    الجديدة.. ضبط شاحنة محملة بالحشيش وزورق مطاطي وإيقاف 10 مشتبه بهم    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    هلال يدعو دي ميستورا لالتزام الحزم ويذكره بصلاحياته التي ليس من بينها تقييم دور الأمم المتحدة    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة    الجيش المغربي يشارك في تمرين بحري متعدد الجنسيات بالساحل التونسي        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جاك‮ شيراك‮.. رئيس‮ فرنسي‮ من‮ زمن‮ الديغولية
كتاب «شيراك الأخير» يرصد مسار الرجل الذي أعاد الهيبة للجمهورية الفرنسية
نشر في المساء يوم 21 - 03 - 2011

في‮ الوقت‮ الذي‮ يترقب‮ القراء‮ صدور‮ الجزء‮ الثاني‮ من‮ مذكراته،‮ والذي‮ كان‮ من‮ المرتقب‮ أن‮ يتزامن‮ مع‮ محاكمته،‮ على‮ خلفية‮ فضيحة‮ الوظائف‮ الشبحية‮ التي‮ تورط‮ فيها‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ لمدينة‮ باريس،
‮ صدر‮ هذا‮ الأسبوع‮ كتاب‮ «‬شيراك‮ الأخير‮» من‮ توقيع‮ جان‮ ديف‮ (‬عن‮ منشورات‮ جاكوب‮-‬دوفيرنيه‮ في‮ 220‮ صفحة‮)‬،‮ وهي‮ دراسة‮ جامعة‮ بحصيلة‮ وافية‮ لمسار‮ شيراك‮ بعد‮ خلعه‮ من‮ طرف‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ ومغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ كسير‮ الخاطر‮. وبما‮ أن‮ السياسة‮ حلبة‮ دائمة‮ للقتل‮ الرمزي،‮ غادر‮ شيراك‮ الحلبة‮ مدمى‮ الأطراف‮ والأعضاء‮. ومنذ‮ ذلك‮ التاريخ‮ لم‮ ينجح‮ في‮ جبر‮ كسره‮ الخفي،‮ الشيء‮ الذي‮ عجل‮ بإصابته‮ بأمراض‮ وأعراض‮ أصبحت‮ مادة‮ إعلامية‮ دسمة
حظي‮ الرئيس‮ السابق‮ جاك‮ شيراك‮ باهتمام‮ غير‮ مسبوق‮ خصه‮ له‮ المعلقون‮ والمحللون‮ السياسيون‮ والإعلاميون،‮ بالنظر‮ إلى‮ دوره‮ في‮ الحياة‮ السياسية‮ الفرنسية‮ والعالمية‮ لمدة‮ قاربت‮ 50‮ عاما‮. ولم‮ يكن‮ الغموض‮ المحير‮ الذي‮ تفنن‮ في‮ تغذيته‮ بغريب‮ عن‮ هذا‮ الاهتمام‮. فبقدر‮ ما‮ كان‮ شيراك‮ قادرا‮ على‮ التمسك‮ والدفاع‮ عن‮ المبادئ‮ الكبرى‮ للأخلاق‮ السياسية،‮ بقدر‮ ما‮ كان‮ رجلا‮ بارعا‮ في‮ فن‮ المراوغة‮ والتحايل‮ والدسائس‮. وجهان‮ لرجل‮ واحد‮. تلك‮ هي‮ خاصية‮ الطباع‮ الذي‮ أكد‮ عليه‮ كل‮ من‮ قارب‮ الرئيس‮ السابق،‮ أو‮ عمل‮ و‮ تعامل‮ معه‮. وفي‮ الوقت‮ الذي‮ يترقب‮ القراء‮ صدور‮ الجزء‮ الثاني‮ من‮ مذكراته،‮ والذي‮ كان‮ من‮ المرتقب‮ أن‮ يتزامن‮ مع‮ محاكمته،‮ على‮ خلفية‮ فضيحة‮ الوظائف‮ الشبحية‮ التي‮ تورط‮ فيها‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ لمدينة‮ باريس،‮ صدر‮ هذا‮ الأسبوع‮ كتاب‮ «‬شيراك‮ الأخير‮» من‮ توقيع‮ جان‮ ديف‮ (‬عن‮ منشورات‮ جاكوب‮-‬دوفيرنيه‮ في‮ 220‮ صفحة‮)‬،‮ وهي‮ دراسة‮ جامعة‮ بحصيلة‮ وافية‮ لمسار‮ شيراك‮ بعد‮ خلعه‮ من‮ طرف‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ ومغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ كسير‮ الخاطر‮. وبما‮ أن‮ السياسة‮ حلبة‮ دائمة‮ للقتل‮ الرمزي،‮ غادر‮ شيراك‮ الحلبة‮ مدمى‮ الأطراف‮ والأعضاء‮. ومنذ‮ ذلك‮ التاريخ‮ لم‮ ينجح‮ في‮ جبر‮ كسره‮ الخفي،‮ الشيء‮ الذي‮ عجل‮ بإصابته‮ بأمراض‮ وأعراض‮ أصبحت‮ مادة‮ إعلامية‮ دسمة‮.
شعبية‮ في‮ القمة
رغم‮ ذلك‮ نجح‮ شيراك‮ في‮ استثمار‮ وتوفير‮ رأسمال‮ رمزي‮ قلما‮ راكمه‮ الرؤساء‮ السابقون‮. إذ‮ بعد‮ انسحابه‮ من‮ المشهد‮ السياسي،‮ حافظ‮ الرجل‮ على‮ شعبية‮ لدى‮ الفرنسيين،‮ وهي‮ شعبية‮ يحسد‮ عليها‮. إذ‮ يتربع‮ على‮ رأس‮ قائمة‮ الشخصيات‮ السياسية‮ المحبوبة‮. وترشحه‮ الاستفتاءات‮ سنويا‮ بنسبة‮ تقارب‮ 75‮ بالمائة،‮ والتي‮ تتعارض‮ مع‮ 22‮ بالمائة،‮ التي‮ يحظى‮ بها‮ الرئيس‮ نيكولا‮ ساركوزي‮. لهذه‮ الشعبية‮ أسباب‮ عديدة،‮ منها‮ ما‮ هو‮ عاطفي،‮ ومنها‮ ما‮ هو‮ سياسي‮ أو‮ نوستالجي‮...‬إذ‮ يبقى‮ شيراك‮ رمزا‮ لامتداد‮ السياسة‮ الديغولية‮ التي‮ قوّمت‮ صورة‮ فرنسا‮ داخليا‮ ودوليا‮. ويعتبر‮ هذا‮ الميراث‮ متكأ‮ لشعبيته‮. وقد‮ وقف‮ المراقبون‮ على‮ شعبية‮ الرجل‮ يوم‮ إعلان‮ بدء‮ محاكمته‮ في‮ قضية‮ الوظائف‮ الشبحية‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ لمدينة‮ باريس‮. إذ‮ أبدى‮ الكثير‮ من‮ الفرنسيين‮ امتعاضهم‮ من‮ محاكمة‮ رجل‮ في‮ وضع‮ صحي‮ مهزوز‮. وقد‮ شعر‮ هؤلاء‮ المحبون‮ بالارتياح‮ عند‮ تأجيل‮ المحاكمة‮. لكن‮ شعور‮ المتعاطف‮ أو‮ المحب‮ يتعارض‮ مع‮ الشعور‮ الذي‮ ينميه‮ الخصم‮ السياسي‮ (‬لجاك‮ شيراك‮ الكثير‮ من‮ الخصوم‮ السياسيين،‮ بل‮ الأعداء،‮ بدءا‮ بساركوزي‮ ومارين‮ لوبان،‮ مرورا‮ بإدوار‮ بالادور‮ وغيرهم‮) أو‮ الصحافي‮ الذي‮ ينقب‮ في‮ التفاصيل‮ لتركيب‮ مقالة‮ أو‮ تأليف‮ كتاب‮. في‮ هذه‮ الحالة‮ لا‮ مكان‮ للعاطفة‮ أو‮ الرأفة‮.
في‮ تقديمه‮ للكتاب‮ لم‮ يتردد‮ فرانسوا‮ هولاند،‮ السكرتير‮ العام‮ السابق‮ للحزب‮ الاشتراكي‮ الفرنسي،‮ عمدة‮ تول،‮ والنائب‮ عن‮ منطقة‮ لاكوريز،‮ معقل‮ الشيراكية،‮ في‮ بسط‮ دواخله‮ ومشاعره‮ الصريحة‮ والدفينة‮ عن‮ جاك‮ شيراك‮. فقد‮ كان‮ الرجلان‮ خصمين‮ إلى‮ حد‮ العداء‮. لم‮ يتجاوز‮ فرانسوا‮ هولاند‮ 26‮ عاما‮ لما‮ نازل‮ جاك‮ شيراك‮ في‮ مقاطعة‮ إيسيل‮ الانتخابية‮. كان‮ ذلك‮ في‮ عز‮ المد‮ السياسي‮ للحزب‮ الاشتراكي‮ بزعامة‮ فرانسوا‮ ميتران‮. نزل‮ فرانسوا‮ هولاند‮ إذن‮ إلى‮ الميدان‮ لفضح‮ النظام‮ الشيراكي‮ وممارساته‮. كما‮ أكد‮ على‮ العلاقة‮ «‬الدموية‮» الحميمية‮ التي‮ أقامها‮ شيراك‮ بين‮ باريس‮ ولاكوريز،‮ التي‮ أطلق‮ عليها‮ البعض‮ «‬المقاطعة‮ الواحدة‮ والعشرين‮». ويشير‮ هولاند‮ إلى‮ أن‮ علاقته‮ بجاك‮ شيراك‮ خلال‮ رئاسته‮ للجمهورية،‮ تميزت‮ دائما‮ بالتوتر‮ والتشنج،‮ وخاصة‮ لما‮ أصبح‮ الناطق‮ الرسمي‮ باسم‮ الحزب‮ الاشتراكي‮ بين‮ 1995‮ و‮ 1997،‮ ثم‮ لاحقا‮ حين‮ أصبح‮ سكرتيرا‮ أول‮ للحزب‮. لكن‮ صعود‮ اليمين‮ المتطرف‮ بزعامة‮ جان‮-‬ماري‮ لوبان،‮ دفع‮ مجموع‮ قوى‮ اليسار‮ إلى‮ التصويت‮ لصالح‮ شيراك‮ في‮ الانتخابات‮ الرئاسية‮ ل21‮ أبريل‮ 2002‮. وخلال‮ الولاية‮ الثانية‮ لجاك‮ شيراك‮ تطورت‮ العلاقات‮ بين‮ الرجلين‮ ولم‮ تصبح‮ خاضعة‮ لرهانات‮ سياسية‮. وقد‮ أيقن‮ هولاند‮ بأن‮ شيراك‮ لن‮ يتقدم‮ لانتخابات‮ 2007‮ بسبب‮ الحملة‮ التي‮ قادها‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ ضده‮ والتأثيرات‮ الوخيمة‮ لحاشيته‮. ويؤكد‮ فرانسوا‮ هولاند‮ على‮ الإنجازات‮ التي‮ حققها‮ جاك‮ شيراك،‮ مثل‮ رفضه‮ الزج‮ بفرنسا‮ في‮ حرب‮ العراق‮. كما‮ أن‮ مواقفه‮ في‮ مواضيع‮ البيئة‮ والانتماء‮ الأوروبي‮ كانت‮ منجزات‮ تحسب‮ لصالحه‮. وفي‮ نظر‮ فرانسوا‮ هولاند،‮ لم‮ يؤسس‮ جاك‮ شيراك‮ نموذجا‮ سياسيا‮ ولا‮ قام‮ بإصلاحات‮ جوهرية،‮ بل‮ على‮ العكس،‮ راكم‮ المساندات‮ والعلاقات‮ الزبونية‮. كما‮ كان‮ من‮ أنصار‮ الليبرالية‮ والبراغماتية،‮ وهي‮ نزعات‮ أبانت‮ وبرهنت‮ في‮ العديد‮ من‮ المناسبات‮ عن‮ نقائصها‮. المفارقة،‮ يشير‮ فرانسوا‮ هولاند،‮ هي‮ أن‮ هذا‮ الرجل‮ الذي‮ أعرب‮ عن‮ حيوية‮ وزخم‮ بقي‮ صامتا‮ أمام‮ الاعتداءات‮ التي‮ صدرت‮ من‮ عائلته‮ السياسية،‮ وخاصة‮ من‮ نيكولا‮ ساركوزي،‮ الذي‮ دبر‮ دسائس‮ متواصلة‮ ضده‮. لكن‮ شيراك‮ نجح‮ في‮ كسب‮ شرعية‮ متينة،‮ ليس‮ بفضل‮ نتاجه‮ السياسي،‮ بل‮ بفضل‮ شخصيته‮ الرهيفة،‮ يقول‮ فرانسوا‮ هولاند‮.
يتألف‮ الكتاب‮ من‮ 12‮ فصلا‮. وقد‮ وزع‮ المؤلف،‮ الذي‮ يعمل‮ صحافيا‮ بجريدة‮ «‬سود‮ أويست‮»‬،‮ والذي‮ سبق‮ أن‮ خص‮ الرئيس‮ الحالي‮ بكتاب‮ بعنوان‮ «‬طيران‮ ساركوزي‮»‬،‮ الكتاب‮ على‮ اثنتي‮ عشرة‮ تيمة‮ تلخص‮ المحطات‮ الرئيسية‮ لمسار‮ شيراك‮. وجاءت‮ هذه‮ المحطات‮ على‮ الشكل‮ التالي‮: الأرق،‮ الحكمة،‮ الصمت،‮ الانبعاث،‮ السر،‮ منطقة‮ الكوريز،‮ الورثة،‮ الحداد،‮ بيرناديت،‮ المحاكمة‮.
في‮ المقدمة،‮ يبدأ‮ الكاتب‮ من‮ النهاية،‮ يوم‮ ودع‮ جاك‮ شيراك‮ على‮ عتبة‮ قصر‮ الإيليزيه‮ الرئيس‮ الجديد‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ قبل‮ أن‮ ينسحب‮ إلى‮ سيارته‮ مغادرا‮ القصر‮. لم‮ يجد‮ نفسه‮ في‮ عراء‮ باريس‮ تحت‮ قناطر‮ المدينة،‮ بل‮ وضعت‮ عائلة‮ صديقه‮ رفيق‮ الحريري‮ تحت‮ إشارته‮ شقة‮ تطل‮ على‮ متحف‮ اللوفر‮ من‮ 396‮ مترا‮ مربعا‮. وفيما‮ قيل‮ إن‮ إقامته‮ بهذه‮ الشقة‮ مؤقتة،‮ لا‮ يزال‮ شيراك‮ نزيلا‮ بها،‮ في‮ الوقت‮ الذي‮ يسمح‮ له‮ راتب‮ التقاعد‮ الذي‮ يحصل‮ عليه‮ كرئيس‮ (‬33000‮ أورو‮) بكراء،‮ بل‮ بشراء‮ بيت‮ مريح‮. لكنه‮ فقد‮ معنوياته،‮ ليجد‮ نفسه‮ لأول‮ مرة‮ ومنذ‮ زمن‮ طويل،‮ بدون‮ شغل‮. قضى‮ شيراك‮ 40‮ عاما‮ وزيرا،‮ ثم‮ وزيرا‮ أول،‮ وعمدة‮ لباريس،‮ ثم‮ رئيسا‮ للجمهورية‮...‬قضى‮ أربعين‮ سنة‮ في‮ الصفوف‮ الأمامية‮ من‮ الحلبة‮ السياسية،‮ لينزل‮ بعدها‮ إلى‮ فراغ‮ قاتل‮. بعد‮ مغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ بيوم‮ واحد،‮ نزل‮ شيراك‮ رفقة‮ زوجته‮ إلى‮ مدينة‮ تارودانت‮ في‮ إقامته‮ المفضلة‮: فندق‮ الغزالة‮ الذهبية‮. «‬في‮ هذا‮ المكان‮ لا‮ يزعجني‮ أحد‮. والكسكس‮ جيد‮»‬،‮ يقول‮ شيراك‮. لما‮ عاد‮ بعد‮ قضائه‮ أسبوعين‮ من‮ الراحة،‮ وجد‮ الأجواء‮ بفرنسا‮ صاخبة‮ بسبب‮ حملة‮ الانتخابات‮ التشريعية‮. وشعر‮ بأن‮ فرنسا‮ طوت‮ صفحة‮ حكمه‮ وولايته‮ إلى‮ ما‮ لا‮ رجعة‮. إذ‮ لم‮ يعد‮ للإعلام‮ من‮ اهتمام‮ سوى‮ بالرئيس‮ الجديد‮.
بلاء‮ السلطة‮ لم‮ يوفر‮ سبل‮ الراحة‮ للرجل‮. وإلى‮ آخر‮ لحظة‮ رفض‮ شيراك‮ أن‮ يعترف‮ بأنه‮ خرج‮ من‮ الحلبة‮ منهزما‮. ولما‮ أيقن‮ وأقر‮ أخيرا‮ بحقيقة‮ الأمر،‮ دخل‮ في‮ دوامة‮ من‮ الأرق‮ والاكتئاب‮. وعليه‮ شجب‮ حلفاء‮ الأمس،‮ الذين‮ أصبحوا‮ في‮ نظره،‮ خونة‮ لما‮ التحقوا‮ بساركوزي‮. هكذا‮ تبخر‮ الأمل‮ الذي‮ عقده‮ شيراك‮ في‮ ترشح‮ خليفته‮ آلن‮ جوبيه‮ للرئاسيات،‮ لما‮ قال‮ له‮ هذا‮ الأخير‮ إنه‮ لن‮ يتردد‮ في‮ مساندة‮ ساركوزي‮. وجد‮ شيراك‮ نفسه‮ أمام‮ نفسه‮ وأمام‮ زوجته‮ بيرناديت‮. ومنذ‮ أن‮ أصبح‮ مواطنا‮ عاديا،‮ نزعت‮ عنه‮ الحصانة‮ الرئاسية،‮ الشيء‮ الذي‮ فتح‮ المجال‮ للقضاء‮ وللإعلام‮ في‮ تنقيب‮ ملفاته‮ الشخصية‮: الوظائف‮ الشبحية،‮ «‬حسابه‮ البنكي‮ الياباني‮»‬،‮ ملف‮ قائمة‮ كليرستريم‮. وقد‮ أعرب‮ شيراك‮ دائما‮ عن‮ تخوفه‮ من‮ أن‮ يدس‮ القضاة‮ والمحامون‮ أنوفهم‮ في‮ حياته‮ الشخصية،‮ وهو‮ ما‮ كان‮ يعتبره،‮ بصفته‮ رئيسا‮ سابقا‮ للجمهورية،‮ إهانة‮ له‮. وفي‮ المرات‮ التي‮ لبى‮ فيها‮ شيراك‮ دعوات‮ القضاء،‮ حرص‮ محاموه‮ على‮ أن‮ تتم‮ الجلسات‮ صباحا‮ وأن‮ لا‮ تتعدى‮ الثلاث‮ ساعات‮ بسبب‮ التعب‮ والأرق‮ اللذين‮ يعاني‮ منهما‮ «‬المتهم‮». وفي‮ الوقت‮ الذي‮ كان‮ شيراك‮ على‮ رأس‮ الرئاسة،‮ سربت‮ عنه‮ ابنته‮ كلود،‮ الخبيرة‮ في‮ الإعلام،‮ صورة‮ رئيس‮ قوي،‮ بعيد‮ المنال‮ عن‮ هجومات‮ الآخرين‮. لكن‮ بمجرد‮ مغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ انهارت‮ هذه‮ الصورة‮ لتترك‮ مكانها‮ رجلا‮ متعبا،‮ قليل‮ السمع،‮ مريضا‮ بالقلب،‮ متثاقل‮ المشية‮ الخ‮.... فيما‮ ذاع‮ خبر‮ إصابته‮ بمرض‮ ألزاهايمر‮. لكن‮ يبقى‮ الاكتئاب‮ أخطر‮ حالة‮ تمكنت‮ منه‮. ولم‮ تكن‮ الحالة‮ الأولى‮ التي‮ عاشها‮ الرئيس‮ السابق‮. إذ‮ له‮ سوابق‮ في‮ هذا‮ المضمار‮. فقد‮ انتابه‮ نفس‮ الشعور‮ عام‮ 1988‮ لما‮ خسر‮ الانتخابات‮ الرئاسية‮. وفي‮ عام‮ 2002‮ لم‮ يقدر‮ على‮ استرجاع‮ قواه‮ لإطلاق‮ حملته‮ الانتخابية‮. لكن‮ هزيمته‮ في‮ رئاسيات‮ 2007‮ كانت‮ «‬قاتلة‮» لمعنوياته،‮ لأن‮ التغيير‮ كان‮ عنيفا‮. ثمة‮ هوة‮ ساحقة‮ بين‮ حيويته‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ ثم‮ وزيرا‮ أول،‮ ثم‮ رئيسا،‮ حيث‮ كان‮ لا‮ يخلد‮ إلى‮ الراحة‮ ويعمل‮ في‮ أيام‮ الآحاد،‮ وعزلته‮ القاتلة،‮ محفوفا‮ بزوجة‮ مشاكسة‮ وكلب‮ مكتئب‮. ولما‮ أخبره‮ الكاتب‮ عزوز‮ بجاج‮ ذات‮ يوم،‮ بعد‮ وصول‮ ساركوزي‮ للحكم‮ وفصله‮ من‮ منصبه،‮ بأنه‮ لم‮ يتلق‮ ولو‮ مكالمة‮ بعد‮ فصله،‮ فيما‮ كانت‮ تتهاطل‮ المكالمات‮ عليه‮ لما‮ كان‮ وزيرا،‮ أجابه‮ شيراك‮: «‬أعيش‮ أيضا‮ نفس‮ الوضع‮».
ذاك‮ هو‮ شيراك‮ الأخير‮ الذي‮ يتعارض‮ وشيراك‮ الأول،‮ الطافح‮ بالطموح‮ والحيوية‮.
أية‮ حياة‮ للرؤساء‮ بعد‮ مغادرتهم‮ الإيليزيه؟‮ كيف‮ يحيا‮ جاك‮ شيراك‮ معيشه‮ اليومي‮ بعد‮ أن‮ قضى‮ 12‮ سنة‮ بالقصر‮ ومارس‮ السياسة‮ لما‮ يقرب‮ من‮ 50‮ سنة؟‮ كيف‮ عاش‮ وتحمل‮ خيانات‮ الأصدقاء‮ والمقربين؟‮ كيف‮ يتعايش‮ مع‮ شعبيته؟‮ ينحت‮ شيراك‮ من‮ دون‮ أن‮ يرغب‮ في‮ ذلك‮ صورة‮ نموذجية‮ لشخصية‮ حاضرة‮ في‮ المشهد‮ السياسي،‮ لكنها‮ شخصية‮ التزمت‮ الحفاظ‮ على‮ الصمت‮ حتى‮ لا‮ تحرج‮ الآخرين‮. تلك‮ هي‮ صورة‮ الرئيس‮ السابق،‮ الذي‮ هو‮ أيضا‮ شيراك‮ الأخير،‮ بتناقضاته،‮ جاذبيته،‮ والذي‮ هو‮ قيد‮ التحول‮ إلى‮ صنم‮ سياسي‮ مثل‮ ما‮ هو‮ عليه‮ الجنرال‮ ديغول،‮ والده‮ الروحي‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.