الهجرة والتعاون الأمني بين الرباط وباريس .. هكذا يغير المغرب قواعد اللعبة مع فرنسا    مجلس النواب يدين بقوة العدوان الإسرائيلي ويجدد دعمه للقضية الفلسطينية    فرق ضوسي يفوز بتنائية على اتحاد البجيجيين في المباراة الإفتتاحية    تنظيم "جيتكس إفريقيا المغرب" يترجم التزام المملكة لفائدة تعزيز التعاون جنوب-جنوب في مجال التكنولوجيات (المدير العام لوكالة التنمية الرقمية)    فرنسا والمغرب يشكلان مجموعة عمل مشتركة لتسهيل إجراءات ترحيل المهاجرين غير النظاميين    قيوح يتباحث بالدوحة مع نظيره القطري حول سبل تعزيز التعاون في مجال النقل الجوي    "أشبال الأطلس" يحلمون بلقب إفريقي.. مواجهة حاسمة أمام الفيلة في نصف النهائي    اختراق جدار وسرقة ذهب.. سقوط "عصابة الحلي" في قبضة الأمن    وزير الداخلية الفرنسي يعلن تقوية الشراكة مع المغرب ضد الهجرة غير النظامية    أخبار الساحة    أي أفق لمهمة ديميستورا، وأي دور للمينورسو؟ .. التحول الجذري أو الانسحاب..!    أسعار الذهب تتراجع بعد انحسار التوترات التجارية    جريمة ب.شعة بطنجة.. رجل يجهز على زوجته بطع.نات ق..ات/لة أمام أطفاله    "جاية" للإخوة بلمير تتصدر قائمة الأغاني الأكثر مشاهدة بالمغرب    مستخدمو "شركة النقل" يحتجون بالبيضاء    تسريبات CNSS تفضح التهربات والأجور الهزيلة لعمال شركات كبرى في طنجة    الشركة "إير أوسيون" ترد بتفاصيل دقيقة على حادث انزلاق طائرة في فاس    إحداث 8690 مقاولة جديدة بالمغرب خلال يناير الماضي    وفاة أستاذة أرفود تسائل منظومة القيم بمؤسسات التربية والتكوين    السغروشني تلتقي بحاملي المشاريع المنتقاة في إطار مبادرة "موروكو 200"    توقيف الفنان جزائري رضا الطلياني وعرضه أمام القضاء المغربي    بوعرفة تتصدر مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب    اجتماع 10 أبريل 2025 محطة حاسمة في مسار الإصلاح القطاعي    وكالة بيت مال القدس تدعم حضور شركات فلسطينية ناشئة في "جيتكس 2025"    مديرية الضرائب تطلق خدمة إلكترونية جديدة لطلبات الإبراء من الغرامات والزيادات    ماريو فارغاس يوسا.. الكاتب الذي خاض غمار السياسة وخاصم كاسترو ورحل بسلام    محاميد الغزلان.. إسدال الستار على الدورة ال 20 لمهرجان الرحل    "تم بتر إحدى رجليه"..رشيد الوالي يكشف عن الوضع الحرج للفنان محسن جمال    في ظرف ثلاثة أيام.. حقينة سدود كير-زيز-غريس تنتعش    الفارس عبد السلام بناني يفوز بالجائزة الكبرى في مباراة القفز على الحواجز بتطوان    الأدب العالمي في حداد .. ماريو فارجاس يوسا يرحل عن 89 عامًا    لطيفة رأفت تطمئن جمهورها بعد أزمة صحية    وفاة أستاذة أرفود.. بووانو يستنكر الاعتداء على نساء ورجال التعليم    جبهة دعم فلسطين تواصل الاحتجاج ضد التطبيع وتدعو لمسيرتين شعبيتين ضد رسو "سفن الإبادة" بالمغرب    هذا موعد كلاسيكو الليغا بين البارصا والريال    نجل أنشيلوتي يكشف سبب تصرف مبابي ويستنكر ما حدث مع أسينسيو    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    لي تشانغلين، سفير الصين في المغرب: لنكافح الترويع الاقتصادي، وندافع معًا عن النظام الاقتصادي العالمي    بسبب فقدانه للمصداقية.. جيش الاحتلال الصهيوني يتعرض لأزمة تجنيد غير مسبوقة    محاولة اختطاف معارض جزائري على الأراضي الفرنسية.. الجزائر تتورط في إرهاب دولة    ردا على اعتقال موظف قنصلي.. الجزائر تطرد 12 دبلوماسيا فرنسيا    طقس الإثنين.. أمطار ورياح قوية بعدد من المناطق المغربية    كيوسك الإثنين | الصين تعزز استثماراتها بالمغرب عبر مصنع ل "الكابلات" الفولاذية    أين يقف المغرب في خريطة الجرائم المالية العابرة للحدود؟    جايسون إف. إسحاقسون: إدارة ترامب حريصة على حسم ملف الصحراء لصالح المغرب تخليدًا لعلاقات تاريخية متجذرة    بالصور.. مؤسسة جورج أكاديمي بسيدي بوزيد تنظم سباقا على الطريق بمشاركة التلاميذ والآباء والأمهات والأساتذة..    أمن طنجة يوقف شخصًا اعتدى على متشرد.. والمواطنون يطالبون بعدم الإفراج عنه رغم شهادة اضطراب عقلي    الكعبي وأوناحي يتألقان في اليونان    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    من خيوط الذاكرة إلى دفاتر اليونسكو .. القفطان المغربي يعيد نسج هويته العالمية    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جاك‮ شيراك‮.. رئيس‮ فرنسي‮ من‮ زمن‮ الديغولية
كتاب «شيراك الأخير» يرصد مسار الرجل الذي أعاد الهيبة للجمهورية الفرنسية
نشر في المساء يوم 21 - 03 - 2011

في‮ الوقت‮ الذي‮ يترقب‮ القراء‮ صدور‮ الجزء‮ الثاني‮ من‮ مذكراته،‮ والذي‮ كان‮ من‮ المرتقب‮ أن‮ يتزامن‮ مع‮ محاكمته،‮ على‮ خلفية‮ فضيحة‮ الوظائف‮ الشبحية‮ التي‮ تورط‮ فيها‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ لمدينة‮ باريس،
‮ صدر‮ هذا‮ الأسبوع‮ كتاب‮ «‬شيراك‮ الأخير‮» من‮ توقيع‮ جان‮ ديف‮ (‬عن‮ منشورات‮ جاكوب‮-‬دوفيرنيه‮ في‮ 220‮ صفحة‮)‬،‮ وهي‮ دراسة‮ جامعة‮ بحصيلة‮ وافية‮ لمسار‮ شيراك‮ بعد‮ خلعه‮ من‮ طرف‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ ومغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ كسير‮ الخاطر‮. وبما‮ أن‮ السياسة‮ حلبة‮ دائمة‮ للقتل‮ الرمزي،‮ غادر‮ شيراك‮ الحلبة‮ مدمى‮ الأطراف‮ والأعضاء‮. ومنذ‮ ذلك‮ التاريخ‮ لم‮ ينجح‮ في‮ جبر‮ كسره‮ الخفي،‮ الشيء‮ الذي‮ عجل‮ بإصابته‮ بأمراض‮ وأعراض‮ أصبحت‮ مادة‮ إعلامية‮ دسمة
حظي‮ الرئيس‮ السابق‮ جاك‮ شيراك‮ باهتمام‮ غير‮ مسبوق‮ خصه‮ له‮ المعلقون‮ والمحللون‮ السياسيون‮ والإعلاميون،‮ بالنظر‮ إلى‮ دوره‮ في‮ الحياة‮ السياسية‮ الفرنسية‮ والعالمية‮ لمدة‮ قاربت‮ 50‮ عاما‮. ولم‮ يكن‮ الغموض‮ المحير‮ الذي‮ تفنن‮ في‮ تغذيته‮ بغريب‮ عن‮ هذا‮ الاهتمام‮. فبقدر‮ ما‮ كان‮ شيراك‮ قادرا‮ على‮ التمسك‮ والدفاع‮ عن‮ المبادئ‮ الكبرى‮ للأخلاق‮ السياسية،‮ بقدر‮ ما‮ كان‮ رجلا‮ بارعا‮ في‮ فن‮ المراوغة‮ والتحايل‮ والدسائس‮. وجهان‮ لرجل‮ واحد‮. تلك‮ هي‮ خاصية‮ الطباع‮ الذي‮ أكد‮ عليه‮ كل‮ من‮ قارب‮ الرئيس‮ السابق،‮ أو‮ عمل‮ و‮ تعامل‮ معه‮. وفي‮ الوقت‮ الذي‮ يترقب‮ القراء‮ صدور‮ الجزء‮ الثاني‮ من‮ مذكراته،‮ والذي‮ كان‮ من‮ المرتقب‮ أن‮ يتزامن‮ مع‮ محاكمته،‮ على‮ خلفية‮ فضيحة‮ الوظائف‮ الشبحية‮ التي‮ تورط‮ فيها‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ لمدينة‮ باريس،‮ صدر‮ هذا‮ الأسبوع‮ كتاب‮ «‬شيراك‮ الأخير‮» من‮ توقيع‮ جان‮ ديف‮ (‬عن‮ منشورات‮ جاكوب‮-‬دوفيرنيه‮ في‮ 220‮ صفحة‮)‬،‮ وهي‮ دراسة‮ جامعة‮ بحصيلة‮ وافية‮ لمسار‮ شيراك‮ بعد‮ خلعه‮ من‮ طرف‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ ومغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ كسير‮ الخاطر‮. وبما‮ أن‮ السياسة‮ حلبة‮ دائمة‮ للقتل‮ الرمزي،‮ غادر‮ شيراك‮ الحلبة‮ مدمى‮ الأطراف‮ والأعضاء‮. ومنذ‮ ذلك‮ التاريخ‮ لم‮ ينجح‮ في‮ جبر‮ كسره‮ الخفي،‮ الشيء‮ الذي‮ عجل‮ بإصابته‮ بأمراض‮ وأعراض‮ أصبحت‮ مادة‮ إعلامية‮ دسمة‮.
شعبية‮ في‮ القمة
رغم‮ ذلك‮ نجح‮ شيراك‮ في‮ استثمار‮ وتوفير‮ رأسمال‮ رمزي‮ قلما‮ راكمه‮ الرؤساء‮ السابقون‮. إذ‮ بعد‮ انسحابه‮ من‮ المشهد‮ السياسي،‮ حافظ‮ الرجل‮ على‮ شعبية‮ لدى‮ الفرنسيين،‮ وهي‮ شعبية‮ يحسد‮ عليها‮. إذ‮ يتربع‮ على‮ رأس‮ قائمة‮ الشخصيات‮ السياسية‮ المحبوبة‮. وترشحه‮ الاستفتاءات‮ سنويا‮ بنسبة‮ تقارب‮ 75‮ بالمائة،‮ والتي‮ تتعارض‮ مع‮ 22‮ بالمائة،‮ التي‮ يحظى‮ بها‮ الرئيس‮ نيكولا‮ ساركوزي‮. لهذه‮ الشعبية‮ أسباب‮ عديدة،‮ منها‮ ما‮ هو‮ عاطفي،‮ ومنها‮ ما‮ هو‮ سياسي‮ أو‮ نوستالجي‮...‬إذ‮ يبقى‮ شيراك‮ رمزا‮ لامتداد‮ السياسة‮ الديغولية‮ التي‮ قوّمت‮ صورة‮ فرنسا‮ داخليا‮ ودوليا‮. ويعتبر‮ هذا‮ الميراث‮ متكأ‮ لشعبيته‮. وقد‮ وقف‮ المراقبون‮ على‮ شعبية‮ الرجل‮ يوم‮ إعلان‮ بدء‮ محاكمته‮ في‮ قضية‮ الوظائف‮ الشبحية‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ لمدينة‮ باريس‮. إذ‮ أبدى‮ الكثير‮ من‮ الفرنسيين‮ امتعاضهم‮ من‮ محاكمة‮ رجل‮ في‮ وضع‮ صحي‮ مهزوز‮. وقد‮ شعر‮ هؤلاء‮ المحبون‮ بالارتياح‮ عند‮ تأجيل‮ المحاكمة‮. لكن‮ شعور‮ المتعاطف‮ أو‮ المحب‮ يتعارض‮ مع‮ الشعور‮ الذي‮ ينميه‮ الخصم‮ السياسي‮ (‬لجاك‮ شيراك‮ الكثير‮ من‮ الخصوم‮ السياسيين،‮ بل‮ الأعداء،‮ بدءا‮ بساركوزي‮ ومارين‮ لوبان،‮ مرورا‮ بإدوار‮ بالادور‮ وغيرهم‮) أو‮ الصحافي‮ الذي‮ ينقب‮ في‮ التفاصيل‮ لتركيب‮ مقالة‮ أو‮ تأليف‮ كتاب‮. في‮ هذه‮ الحالة‮ لا‮ مكان‮ للعاطفة‮ أو‮ الرأفة‮.
في‮ تقديمه‮ للكتاب‮ لم‮ يتردد‮ فرانسوا‮ هولاند،‮ السكرتير‮ العام‮ السابق‮ للحزب‮ الاشتراكي‮ الفرنسي،‮ عمدة‮ تول،‮ والنائب‮ عن‮ منطقة‮ لاكوريز،‮ معقل‮ الشيراكية،‮ في‮ بسط‮ دواخله‮ ومشاعره‮ الصريحة‮ والدفينة‮ عن‮ جاك‮ شيراك‮. فقد‮ كان‮ الرجلان‮ خصمين‮ إلى‮ حد‮ العداء‮. لم‮ يتجاوز‮ فرانسوا‮ هولاند‮ 26‮ عاما‮ لما‮ نازل‮ جاك‮ شيراك‮ في‮ مقاطعة‮ إيسيل‮ الانتخابية‮. كان‮ ذلك‮ في‮ عز‮ المد‮ السياسي‮ للحزب‮ الاشتراكي‮ بزعامة‮ فرانسوا‮ ميتران‮. نزل‮ فرانسوا‮ هولاند‮ إذن‮ إلى‮ الميدان‮ لفضح‮ النظام‮ الشيراكي‮ وممارساته‮. كما‮ أكد‮ على‮ العلاقة‮ «‬الدموية‮» الحميمية‮ التي‮ أقامها‮ شيراك‮ بين‮ باريس‮ ولاكوريز،‮ التي‮ أطلق‮ عليها‮ البعض‮ «‬المقاطعة‮ الواحدة‮ والعشرين‮». ويشير‮ هولاند‮ إلى‮ أن‮ علاقته‮ بجاك‮ شيراك‮ خلال‮ رئاسته‮ للجمهورية،‮ تميزت‮ دائما‮ بالتوتر‮ والتشنج،‮ وخاصة‮ لما‮ أصبح‮ الناطق‮ الرسمي‮ باسم‮ الحزب‮ الاشتراكي‮ بين‮ 1995‮ و‮ 1997،‮ ثم‮ لاحقا‮ حين‮ أصبح‮ سكرتيرا‮ أول‮ للحزب‮. لكن‮ صعود‮ اليمين‮ المتطرف‮ بزعامة‮ جان‮-‬ماري‮ لوبان،‮ دفع‮ مجموع‮ قوى‮ اليسار‮ إلى‮ التصويت‮ لصالح‮ شيراك‮ في‮ الانتخابات‮ الرئاسية‮ ل21‮ أبريل‮ 2002‮. وخلال‮ الولاية‮ الثانية‮ لجاك‮ شيراك‮ تطورت‮ العلاقات‮ بين‮ الرجلين‮ ولم‮ تصبح‮ خاضعة‮ لرهانات‮ سياسية‮. وقد‮ أيقن‮ هولاند‮ بأن‮ شيراك‮ لن‮ يتقدم‮ لانتخابات‮ 2007‮ بسبب‮ الحملة‮ التي‮ قادها‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ ضده‮ والتأثيرات‮ الوخيمة‮ لحاشيته‮. ويؤكد‮ فرانسوا‮ هولاند‮ على‮ الإنجازات‮ التي‮ حققها‮ جاك‮ شيراك،‮ مثل‮ رفضه‮ الزج‮ بفرنسا‮ في‮ حرب‮ العراق‮. كما‮ أن‮ مواقفه‮ في‮ مواضيع‮ البيئة‮ والانتماء‮ الأوروبي‮ كانت‮ منجزات‮ تحسب‮ لصالحه‮. وفي‮ نظر‮ فرانسوا‮ هولاند،‮ لم‮ يؤسس‮ جاك‮ شيراك‮ نموذجا‮ سياسيا‮ ولا‮ قام‮ بإصلاحات‮ جوهرية،‮ بل‮ على‮ العكس،‮ راكم‮ المساندات‮ والعلاقات‮ الزبونية‮. كما‮ كان‮ من‮ أنصار‮ الليبرالية‮ والبراغماتية،‮ وهي‮ نزعات‮ أبانت‮ وبرهنت‮ في‮ العديد‮ من‮ المناسبات‮ عن‮ نقائصها‮. المفارقة،‮ يشير‮ فرانسوا‮ هولاند،‮ هي‮ أن‮ هذا‮ الرجل‮ الذي‮ أعرب‮ عن‮ حيوية‮ وزخم‮ بقي‮ صامتا‮ أمام‮ الاعتداءات‮ التي‮ صدرت‮ من‮ عائلته‮ السياسية،‮ وخاصة‮ من‮ نيكولا‮ ساركوزي،‮ الذي‮ دبر‮ دسائس‮ متواصلة‮ ضده‮. لكن‮ شيراك‮ نجح‮ في‮ كسب‮ شرعية‮ متينة،‮ ليس‮ بفضل‮ نتاجه‮ السياسي،‮ بل‮ بفضل‮ شخصيته‮ الرهيفة،‮ يقول‮ فرانسوا‮ هولاند‮.
يتألف‮ الكتاب‮ من‮ 12‮ فصلا‮. وقد‮ وزع‮ المؤلف،‮ الذي‮ يعمل‮ صحافيا‮ بجريدة‮ «‬سود‮ أويست‮»‬،‮ والذي‮ سبق‮ أن‮ خص‮ الرئيس‮ الحالي‮ بكتاب‮ بعنوان‮ «‬طيران‮ ساركوزي‮»‬،‮ الكتاب‮ على‮ اثنتي‮ عشرة‮ تيمة‮ تلخص‮ المحطات‮ الرئيسية‮ لمسار‮ شيراك‮. وجاءت‮ هذه‮ المحطات‮ على‮ الشكل‮ التالي‮: الأرق،‮ الحكمة،‮ الصمت،‮ الانبعاث،‮ السر،‮ منطقة‮ الكوريز،‮ الورثة،‮ الحداد،‮ بيرناديت،‮ المحاكمة‮.
في‮ المقدمة،‮ يبدأ‮ الكاتب‮ من‮ النهاية،‮ يوم‮ ودع‮ جاك‮ شيراك‮ على‮ عتبة‮ قصر‮ الإيليزيه‮ الرئيس‮ الجديد‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ قبل‮ أن‮ ينسحب‮ إلى‮ سيارته‮ مغادرا‮ القصر‮. لم‮ يجد‮ نفسه‮ في‮ عراء‮ باريس‮ تحت‮ قناطر‮ المدينة،‮ بل‮ وضعت‮ عائلة‮ صديقه‮ رفيق‮ الحريري‮ تحت‮ إشارته‮ شقة‮ تطل‮ على‮ متحف‮ اللوفر‮ من‮ 396‮ مترا‮ مربعا‮. وفيما‮ قيل‮ إن‮ إقامته‮ بهذه‮ الشقة‮ مؤقتة،‮ لا‮ يزال‮ شيراك‮ نزيلا‮ بها،‮ في‮ الوقت‮ الذي‮ يسمح‮ له‮ راتب‮ التقاعد‮ الذي‮ يحصل‮ عليه‮ كرئيس‮ (‬33000‮ أورو‮) بكراء،‮ بل‮ بشراء‮ بيت‮ مريح‮. لكنه‮ فقد‮ معنوياته،‮ ليجد‮ نفسه‮ لأول‮ مرة‮ ومنذ‮ زمن‮ طويل،‮ بدون‮ شغل‮. قضى‮ شيراك‮ 40‮ عاما‮ وزيرا،‮ ثم‮ وزيرا‮ أول،‮ وعمدة‮ لباريس،‮ ثم‮ رئيسا‮ للجمهورية‮...‬قضى‮ أربعين‮ سنة‮ في‮ الصفوف‮ الأمامية‮ من‮ الحلبة‮ السياسية،‮ لينزل‮ بعدها‮ إلى‮ فراغ‮ قاتل‮. بعد‮ مغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ بيوم‮ واحد،‮ نزل‮ شيراك‮ رفقة‮ زوجته‮ إلى‮ مدينة‮ تارودانت‮ في‮ إقامته‮ المفضلة‮: فندق‮ الغزالة‮ الذهبية‮. «‬في‮ هذا‮ المكان‮ لا‮ يزعجني‮ أحد‮. والكسكس‮ جيد‮»‬،‮ يقول‮ شيراك‮. لما‮ عاد‮ بعد‮ قضائه‮ أسبوعين‮ من‮ الراحة،‮ وجد‮ الأجواء‮ بفرنسا‮ صاخبة‮ بسبب‮ حملة‮ الانتخابات‮ التشريعية‮. وشعر‮ بأن‮ فرنسا‮ طوت‮ صفحة‮ حكمه‮ وولايته‮ إلى‮ ما‮ لا‮ رجعة‮. إذ‮ لم‮ يعد‮ للإعلام‮ من‮ اهتمام‮ سوى‮ بالرئيس‮ الجديد‮.
بلاء‮ السلطة‮ لم‮ يوفر‮ سبل‮ الراحة‮ للرجل‮. وإلى‮ آخر‮ لحظة‮ رفض‮ شيراك‮ أن‮ يعترف‮ بأنه‮ خرج‮ من‮ الحلبة‮ منهزما‮. ولما‮ أيقن‮ وأقر‮ أخيرا‮ بحقيقة‮ الأمر،‮ دخل‮ في‮ دوامة‮ من‮ الأرق‮ والاكتئاب‮. وعليه‮ شجب‮ حلفاء‮ الأمس،‮ الذين‮ أصبحوا‮ في‮ نظره،‮ خونة‮ لما‮ التحقوا‮ بساركوزي‮. هكذا‮ تبخر‮ الأمل‮ الذي‮ عقده‮ شيراك‮ في‮ ترشح‮ خليفته‮ آلن‮ جوبيه‮ للرئاسيات،‮ لما‮ قال‮ له‮ هذا‮ الأخير‮ إنه‮ لن‮ يتردد‮ في‮ مساندة‮ ساركوزي‮. وجد‮ شيراك‮ نفسه‮ أمام‮ نفسه‮ وأمام‮ زوجته‮ بيرناديت‮. ومنذ‮ أن‮ أصبح‮ مواطنا‮ عاديا،‮ نزعت‮ عنه‮ الحصانة‮ الرئاسية،‮ الشيء‮ الذي‮ فتح‮ المجال‮ للقضاء‮ وللإعلام‮ في‮ تنقيب‮ ملفاته‮ الشخصية‮: الوظائف‮ الشبحية،‮ «‬حسابه‮ البنكي‮ الياباني‮»‬،‮ ملف‮ قائمة‮ كليرستريم‮. وقد‮ أعرب‮ شيراك‮ دائما‮ عن‮ تخوفه‮ من‮ أن‮ يدس‮ القضاة‮ والمحامون‮ أنوفهم‮ في‮ حياته‮ الشخصية،‮ وهو‮ ما‮ كان‮ يعتبره،‮ بصفته‮ رئيسا‮ سابقا‮ للجمهورية،‮ إهانة‮ له‮. وفي‮ المرات‮ التي‮ لبى‮ فيها‮ شيراك‮ دعوات‮ القضاء،‮ حرص‮ محاموه‮ على‮ أن‮ تتم‮ الجلسات‮ صباحا‮ وأن‮ لا‮ تتعدى‮ الثلاث‮ ساعات‮ بسبب‮ التعب‮ والأرق‮ اللذين‮ يعاني‮ منهما‮ «‬المتهم‮». وفي‮ الوقت‮ الذي‮ كان‮ شيراك‮ على‮ رأس‮ الرئاسة،‮ سربت‮ عنه‮ ابنته‮ كلود،‮ الخبيرة‮ في‮ الإعلام،‮ صورة‮ رئيس‮ قوي،‮ بعيد‮ المنال‮ عن‮ هجومات‮ الآخرين‮. لكن‮ بمجرد‮ مغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ انهارت‮ هذه‮ الصورة‮ لتترك‮ مكانها‮ رجلا‮ متعبا،‮ قليل‮ السمع،‮ مريضا‮ بالقلب،‮ متثاقل‮ المشية‮ الخ‮.... فيما‮ ذاع‮ خبر‮ إصابته‮ بمرض‮ ألزاهايمر‮. لكن‮ يبقى‮ الاكتئاب‮ أخطر‮ حالة‮ تمكنت‮ منه‮. ولم‮ تكن‮ الحالة‮ الأولى‮ التي‮ عاشها‮ الرئيس‮ السابق‮. إذ‮ له‮ سوابق‮ في‮ هذا‮ المضمار‮. فقد‮ انتابه‮ نفس‮ الشعور‮ عام‮ 1988‮ لما‮ خسر‮ الانتخابات‮ الرئاسية‮. وفي‮ عام‮ 2002‮ لم‮ يقدر‮ على‮ استرجاع‮ قواه‮ لإطلاق‮ حملته‮ الانتخابية‮. لكن‮ هزيمته‮ في‮ رئاسيات‮ 2007‮ كانت‮ «‬قاتلة‮» لمعنوياته،‮ لأن‮ التغيير‮ كان‮ عنيفا‮. ثمة‮ هوة‮ ساحقة‮ بين‮ حيويته‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ ثم‮ وزيرا‮ أول،‮ ثم‮ رئيسا،‮ حيث‮ كان‮ لا‮ يخلد‮ إلى‮ الراحة‮ ويعمل‮ في‮ أيام‮ الآحاد،‮ وعزلته‮ القاتلة،‮ محفوفا‮ بزوجة‮ مشاكسة‮ وكلب‮ مكتئب‮. ولما‮ أخبره‮ الكاتب‮ عزوز‮ بجاج‮ ذات‮ يوم،‮ بعد‮ وصول‮ ساركوزي‮ للحكم‮ وفصله‮ من‮ منصبه،‮ بأنه‮ لم‮ يتلق‮ ولو‮ مكالمة‮ بعد‮ فصله،‮ فيما‮ كانت‮ تتهاطل‮ المكالمات‮ عليه‮ لما‮ كان‮ وزيرا،‮ أجابه‮ شيراك‮: «‬أعيش‮ أيضا‮ نفس‮ الوضع‮».
ذاك‮ هو‮ شيراك‮ الأخير‮ الذي‮ يتعارض‮ وشيراك‮ الأول،‮ الطافح‮ بالطموح‮ والحيوية‮.
أية‮ حياة‮ للرؤساء‮ بعد‮ مغادرتهم‮ الإيليزيه؟‮ كيف‮ يحيا‮ جاك‮ شيراك‮ معيشه‮ اليومي‮ بعد‮ أن‮ قضى‮ 12‮ سنة‮ بالقصر‮ ومارس‮ السياسة‮ لما‮ يقرب‮ من‮ 50‮ سنة؟‮ كيف‮ عاش‮ وتحمل‮ خيانات‮ الأصدقاء‮ والمقربين؟‮ كيف‮ يتعايش‮ مع‮ شعبيته؟‮ ينحت‮ شيراك‮ من‮ دون‮ أن‮ يرغب‮ في‮ ذلك‮ صورة‮ نموذجية‮ لشخصية‮ حاضرة‮ في‮ المشهد‮ السياسي،‮ لكنها‮ شخصية‮ التزمت‮ الحفاظ‮ على‮ الصمت‮ حتى‮ لا‮ تحرج‮ الآخرين‮. تلك‮ هي‮ صورة‮ الرئيس‮ السابق،‮ الذي‮ هو‮ أيضا‮ شيراك‮ الأخير،‮ بتناقضاته،‮ جاذبيته،‮ والذي‮ هو‮ قيد‮ التحول‮ إلى‮ صنم‮ سياسي‮ مثل‮ ما‮ هو‮ عليه‮ الجنرال‮ ديغول،‮ والده‮ الروحي‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.