الملك محمد السادس يهنئ العاهل السعودي    انطلاق مبادرة "الحوت بثمن معقول" لتخفيض أسعار السمك في رمضان    توقيف عميد شرطة متلبس بتسلم رشوة بعد ابتزازه لأحد أطراف قضية زجرية    تمارة.. حريق مهول يتسبب في وفاة أربعة أطفال بسبب شاحن هاتف    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    "الجديدي" يقلب الطاولة على "الماط"    توقعات أحوال الطقس ليوم الاحد    الأمن يوقف فرنسيا من أصل جزائري    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    تجار سوق بني مكادة يواجهون خسائر كبيرة بعد حريق مدمر    "مهندسو طنجة" ينظمون ندوة علمية حول قوانين البناء الجديدة وأثرها على المشاريع العقارية    المغرب بين تحد التحالفات المعادية و التوازنات الاستراتيجية في إفريقيا    رئيس الحكومة يتباحث مع الوزير الأول الفرنسي    فرنسا.. قتيل وجريحين في حادث طعن بمولهاوس (فيديو)    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    الوداد الرياضي يتعادل مع ضيفه النادي المكناسي (0-0)    الصويرة تحتضن النسخة الأولى من "يوم إدماج طلبة جنوب الصحراء"    البطلة المغربية نورلين الطيبي تفوز بمباراتها للكايوان بالعاصمة بروكسيل …    الركراكي: اللاعب أهم من "التكتيك"    غرق ثلاثة قوارب للصيد التقليدي بميناء الحسيمة    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    نهضة بركان تسير نحو لقب تاريخي    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    تشبثا بأرضهم داخل فلسطين.. أسرى فلسطينيون يرفضون الإبعاد للخارج ويمكثون في السجون الإسرائلية    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    لاعب الرجاء بوكرين يغيب عن "الكلاسيكو" أمام الجيش الملكي بسبب الإصابة    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط محاولة تهريب مفرقعات وشهب نارية بميناء طنجة المتوسط    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    "العدل والإحسان" تدعو لوقفة بفاس احتجاجا على استمرار تشميع بيت أحد أعضاءها منذ 6 سنوات    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    الصحراء المغربية.. منتدى "الفوبريل" بالهندوراس يؤكد دعمه لحل سلمي ونهائي يحترم سيادة المغرب ووحدته الترابية    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    فيديو عن وصول الملك محمد السادس إلى مدينة المضيق    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جاك‮ شيراك‮.. رئيس‮ فرنسي‮ من‮ زمن‮ الديغولية
كتاب «شيراك الأخير» يرصد مسار الرجل الذي أعاد الهيبة للجمهورية الفرنسية
نشر في المساء يوم 21 - 03 - 2011

في‮ الوقت‮ الذي‮ يترقب‮ القراء‮ صدور‮ الجزء‮ الثاني‮ من‮ مذكراته،‮ والذي‮ كان‮ من‮ المرتقب‮ أن‮ يتزامن‮ مع‮ محاكمته،‮ على‮ خلفية‮ فضيحة‮ الوظائف‮ الشبحية‮ التي‮ تورط‮ فيها‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ لمدينة‮ باريس،
‮ صدر‮ هذا‮ الأسبوع‮ كتاب‮ «‬شيراك‮ الأخير‮» من‮ توقيع‮ جان‮ ديف‮ (‬عن‮ منشورات‮ جاكوب‮-‬دوفيرنيه‮ في‮ 220‮ صفحة‮)‬،‮ وهي‮ دراسة‮ جامعة‮ بحصيلة‮ وافية‮ لمسار‮ شيراك‮ بعد‮ خلعه‮ من‮ طرف‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ ومغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ كسير‮ الخاطر‮. وبما‮ أن‮ السياسة‮ حلبة‮ دائمة‮ للقتل‮ الرمزي،‮ غادر‮ شيراك‮ الحلبة‮ مدمى‮ الأطراف‮ والأعضاء‮. ومنذ‮ ذلك‮ التاريخ‮ لم‮ ينجح‮ في‮ جبر‮ كسره‮ الخفي،‮ الشيء‮ الذي‮ عجل‮ بإصابته‮ بأمراض‮ وأعراض‮ أصبحت‮ مادة‮ إعلامية‮ دسمة
حظي‮ الرئيس‮ السابق‮ جاك‮ شيراك‮ باهتمام‮ غير‮ مسبوق‮ خصه‮ له‮ المعلقون‮ والمحللون‮ السياسيون‮ والإعلاميون،‮ بالنظر‮ إلى‮ دوره‮ في‮ الحياة‮ السياسية‮ الفرنسية‮ والعالمية‮ لمدة‮ قاربت‮ 50‮ عاما‮. ولم‮ يكن‮ الغموض‮ المحير‮ الذي‮ تفنن‮ في‮ تغذيته‮ بغريب‮ عن‮ هذا‮ الاهتمام‮. فبقدر‮ ما‮ كان‮ شيراك‮ قادرا‮ على‮ التمسك‮ والدفاع‮ عن‮ المبادئ‮ الكبرى‮ للأخلاق‮ السياسية،‮ بقدر‮ ما‮ كان‮ رجلا‮ بارعا‮ في‮ فن‮ المراوغة‮ والتحايل‮ والدسائس‮. وجهان‮ لرجل‮ واحد‮. تلك‮ هي‮ خاصية‮ الطباع‮ الذي‮ أكد‮ عليه‮ كل‮ من‮ قارب‮ الرئيس‮ السابق،‮ أو‮ عمل‮ و‮ تعامل‮ معه‮. وفي‮ الوقت‮ الذي‮ يترقب‮ القراء‮ صدور‮ الجزء‮ الثاني‮ من‮ مذكراته،‮ والذي‮ كان‮ من‮ المرتقب‮ أن‮ يتزامن‮ مع‮ محاكمته،‮ على‮ خلفية‮ فضيحة‮ الوظائف‮ الشبحية‮ التي‮ تورط‮ فيها‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ لمدينة‮ باريس،‮ صدر‮ هذا‮ الأسبوع‮ كتاب‮ «‬شيراك‮ الأخير‮» من‮ توقيع‮ جان‮ ديف‮ (‬عن‮ منشورات‮ جاكوب‮-‬دوفيرنيه‮ في‮ 220‮ صفحة‮)‬،‮ وهي‮ دراسة‮ جامعة‮ بحصيلة‮ وافية‮ لمسار‮ شيراك‮ بعد‮ خلعه‮ من‮ طرف‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ ومغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ كسير‮ الخاطر‮. وبما‮ أن‮ السياسة‮ حلبة‮ دائمة‮ للقتل‮ الرمزي،‮ غادر‮ شيراك‮ الحلبة‮ مدمى‮ الأطراف‮ والأعضاء‮. ومنذ‮ ذلك‮ التاريخ‮ لم‮ ينجح‮ في‮ جبر‮ كسره‮ الخفي،‮ الشيء‮ الذي‮ عجل‮ بإصابته‮ بأمراض‮ وأعراض‮ أصبحت‮ مادة‮ إعلامية‮ دسمة‮.
شعبية‮ في‮ القمة
رغم‮ ذلك‮ نجح‮ شيراك‮ في‮ استثمار‮ وتوفير‮ رأسمال‮ رمزي‮ قلما‮ راكمه‮ الرؤساء‮ السابقون‮. إذ‮ بعد‮ انسحابه‮ من‮ المشهد‮ السياسي،‮ حافظ‮ الرجل‮ على‮ شعبية‮ لدى‮ الفرنسيين،‮ وهي‮ شعبية‮ يحسد‮ عليها‮. إذ‮ يتربع‮ على‮ رأس‮ قائمة‮ الشخصيات‮ السياسية‮ المحبوبة‮. وترشحه‮ الاستفتاءات‮ سنويا‮ بنسبة‮ تقارب‮ 75‮ بالمائة،‮ والتي‮ تتعارض‮ مع‮ 22‮ بالمائة،‮ التي‮ يحظى‮ بها‮ الرئيس‮ نيكولا‮ ساركوزي‮. لهذه‮ الشعبية‮ أسباب‮ عديدة،‮ منها‮ ما‮ هو‮ عاطفي،‮ ومنها‮ ما‮ هو‮ سياسي‮ أو‮ نوستالجي‮...‬إذ‮ يبقى‮ شيراك‮ رمزا‮ لامتداد‮ السياسة‮ الديغولية‮ التي‮ قوّمت‮ صورة‮ فرنسا‮ داخليا‮ ودوليا‮. ويعتبر‮ هذا‮ الميراث‮ متكأ‮ لشعبيته‮. وقد‮ وقف‮ المراقبون‮ على‮ شعبية‮ الرجل‮ يوم‮ إعلان‮ بدء‮ محاكمته‮ في‮ قضية‮ الوظائف‮ الشبحية‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ لمدينة‮ باريس‮. إذ‮ أبدى‮ الكثير‮ من‮ الفرنسيين‮ امتعاضهم‮ من‮ محاكمة‮ رجل‮ في‮ وضع‮ صحي‮ مهزوز‮. وقد‮ شعر‮ هؤلاء‮ المحبون‮ بالارتياح‮ عند‮ تأجيل‮ المحاكمة‮. لكن‮ شعور‮ المتعاطف‮ أو‮ المحب‮ يتعارض‮ مع‮ الشعور‮ الذي‮ ينميه‮ الخصم‮ السياسي‮ (‬لجاك‮ شيراك‮ الكثير‮ من‮ الخصوم‮ السياسيين،‮ بل‮ الأعداء،‮ بدءا‮ بساركوزي‮ ومارين‮ لوبان،‮ مرورا‮ بإدوار‮ بالادور‮ وغيرهم‮) أو‮ الصحافي‮ الذي‮ ينقب‮ في‮ التفاصيل‮ لتركيب‮ مقالة‮ أو‮ تأليف‮ كتاب‮. في‮ هذه‮ الحالة‮ لا‮ مكان‮ للعاطفة‮ أو‮ الرأفة‮.
في‮ تقديمه‮ للكتاب‮ لم‮ يتردد‮ فرانسوا‮ هولاند،‮ السكرتير‮ العام‮ السابق‮ للحزب‮ الاشتراكي‮ الفرنسي،‮ عمدة‮ تول،‮ والنائب‮ عن‮ منطقة‮ لاكوريز،‮ معقل‮ الشيراكية،‮ في‮ بسط‮ دواخله‮ ومشاعره‮ الصريحة‮ والدفينة‮ عن‮ جاك‮ شيراك‮. فقد‮ كان‮ الرجلان‮ خصمين‮ إلى‮ حد‮ العداء‮. لم‮ يتجاوز‮ فرانسوا‮ هولاند‮ 26‮ عاما‮ لما‮ نازل‮ جاك‮ شيراك‮ في‮ مقاطعة‮ إيسيل‮ الانتخابية‮. كان‮ ذلك‮ في‮ عز‮ المد‮ السياسي‮ للحزب‮ الاشتراكي‮ بزعامة‮ فرانسوا‮ ميتران‮. نزل‮ فرانسوا‮ هولاند‮ إذن‮ إلى‮ الميدان‮ لفضح‮ النظام‮ الشيراكي‮ وممارساته‮. كما‮ أكد‮ على‮ العلاقة‮ «‬الدموية‮» الحميمية‮ التي‮ أقامها‮ شيراك‮ بين‮ باريس‮ ولاكوريز،‮ التي‮ أطلق‮ عليها‮ البعض‮ «‬المقاطعة‮ الواحدة‮ والعشرين‮». ويشير‮ هولاند‮ إلى‮ أن‮ علاقته‮ بجاك‮ شيراك‮ خلال‮ رئاسته‮ للجمهورية،‮ تميزت‮ دائما‮ بالتوتر‮ والتشنج،‮ وخاصة‮ لما‮ أصبح‮ الناطق‮ الرسمي‮ باسم‮ الحزب‮ الاشتراكي‮ بين‮ 1995‮ و‮ 1997،‮ ثم‮ لاحقا‮ حين‮ أصبح‮ سكرتيرا‮ أول‮ للحزب‮. لكن‮ صعود‮ اليمين‮ المتطرف‮ بزعامة‮ جان‮-‬ماري‮ لوبان،‮ دفع‮ مجموع‮ قوى‮ اليسار‮ إلى‮ التصويت‮ لصالح‮ شيراك‮ في‮ الانتخابات‮ الرئاسية‮ ل21‮ أبريل‮ 2002‮. وخلال‮ الولاية‮ الثانية‮ لجاك‮ شيراك‮ تطورت‮ العلاقات‮ بين‮ الرجلين‮ ولم‮ تصبح‮ خاضعة‮ لرهانات‮ سياسية‮. وقد‮ أيقن‮ هولاند‮ بأن‮ شيراك‮ لن‮ يتقدم‮ لانتخابات‮ 2007‮ بسبب‮ الحملة‮ التي‮ قادها‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ ضده‮ والتأثيرات‮ الوخيمة‮ لحاشيته‮. ويؤكد‮ فرانسوا‮ هولاند‮ على‮ الإنجازات‮ التي‮ حققها‮ جاك‮ شيراك،‮ مثل‮ رفضه‮ الزج‮ بفرنسا‮ في‮ حرب‮ العراق‮. كما‮ أن‮ مواقفه‮ في‮ مواضيع‮ البيئة‮ والانتماء‮ الأوروبي‮ كانت‮ منجزات‮ تحسب‮ لصالحه‮. وفي‮ نظر‮ فرانسوا‮ هولاند،‮ لم‮ يؤسس‮ جاك‮ شيراك‮ نموذجا‮ سياسيا‮ ولا‮ قام‮ بإصلاحات‮ جوهرية،‮ بل‮ على‮ العكس،‮ راكم‮ المساندات‮ والعلاقات‮ الزبونية‮. كما‮ كان‮ من‮ أنصار‮ الليبرالية‮ والبراغماتية،‮ وهي‮ نزعات‮ أبانت‮ وبرهنت‮ في‮ العديد‮ من‮ المناسبات‮ عن‮ نقائصها‮. المفارقة،‮ يشير‮ فرانسوا‮ هولاند،‮ هي‮ أن‮ هذا‮ الرجل‮ الذي‮ أعرب‮ عن‮ حيوية‮ وزخم‮ بقي‮ صامتا‮ أمام‮ الاعتداءات‮ التي‮ صدرت‮ من‮ عائلته‮ السياسية،‮ وخاصة‮ من‮ نيكولا‮ ساركوزي،‮ الذي‮ دبر‮ دسائس‮ متواصلة‮ ضده‮. لكن‮ شيراك‮ نجح‮ في‮ كسب‮ شرعية‮ متينة،‮ ليس‮ بفضل‮ نتاجه‮ السياسي،‮ بل‮ بفضل‮ شخصيته‮ الرهيفة،‮ يقول‮ فرانسوا‮ هولاند‮.
يتألف‮ الكتاب‮ من‮ 12‮ فصلا‮. وقد‮ وزع‮ المؤلف،‮ الذي‮ يعمل‮ صحافيا‮ بجريدة‮ «‬سود‮ أويست‮»‬،‮ والذي‮ سبق‮ أن‮ خص‮ الرئيس‮ الحالي‮ بكتاب‮ بعنوان‮ «‬طيران‮ ساركوزي‮»‬،‮ الكتاب‮ على‮ اثنتي‮ عشرة‮ تيمة‮ تلخص‮ المحطات‮ الرئيسية‮ لمسار‮ شيراك‮. وجاءت‮ هذه‮ المحطات‮ على‮ الشكل‮ التالي‮: الأرق،‮ الحكمة،‮ الصمت،‮ الانبعاث،‮ السر،‮ منطقة‮ الكوريز،‮ الورثة،‮ الحداد،‮ بيرناديت،‮ المحاكمة‮.
في‮ المقدمة،‮ يبدأ‮ الكاتب‮ من‮ النهاية،‮ يوم‮ ودع‮ جاك‮ شيراك‮ على‮ عتبة‮ قصر‮ الإيليزيه‮ الرئيس‮ الجديد‮ نيكولا‮ ساركوزي‮ قبل‮ أن‮ ينسحب‮ إلى‮ سيارته‮ مغادرا‮ القصر‮. لم‮ يجد‮ نفسه‮ في‮ عراء‮ باريس‮ تحت‮ قناطر‮ المدينة،‮ بل‮ وضعت‮ عائلة‮ صديقه‮ رفيق‮ الحريري‮ تحت‮ إشارته‮ شقة‮ تطل‮ على‮ متحف‮ اللوفر‮ من‮ 396‮ مترا‮ مربعا‮. وفيما‮ قيل‮ إن‮ إقامته‮ بهذه‮ الشقة‮ مؤقتة،‮ لا‮ يزال‮ شيراك‮ نزيلا‮ بها،‮ في‮ الوقت‮ الذي‮ يسمح‮ له‮ راتب‮ التقاعد‮ الذي‮ يحصل‮ عليه‮ كرئيس‮ (‬33000‮ أورو‮) بكراء،‮ بل‮ بشراء‮ بيت‮ مريح‮. لكنه‮ فقد‮ معنوياته،‮ ليجد‮ نفسه‮ لأول‮ مرة‮ ومنذ‮ زمن‮ طويل،‮ بدون‮ شغل‮. قضى‮ شيراك‮ 40‮ عاما‮ وزيرا،‮ ثم‮ وزيرا‮ أول،‮ وعمدة‮ لباريس،‮ ثم‮ رئيسا‮ للجمهورية‮...‬قضى‮ أربعين‮ سنة‮ في‮ الصفوف‮ الأمامية‮ من‮ الحلبة‮ السياسية،‮ لينزل‮ بعدها‮ إلى‮ فراغ‮ قاتل‮. بعد‮ مغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ بيوم‮ واحد،‮ نزل‮ شيراك‮ رفقة‮ زوجته‮ إلى‮ مدينة‮ تارودانت‮ في‮ إقامته‮ المفضلة‮: فندق‮ الغزالة‮ الذهبية‮. «‬في‮ هذا‮ المكان‮ لا‮ يزعجني‮ أحد‮. والكسكس‮ جيد‮»‬،‮ يقول‮ شيراك‮. لما‮ عاد‮ بعد‮ قضائه‮ أسبوعين‮ من‮ الراحة،‮ وجد‮ الأجواء‮ بفرنسا‮ صاخبة‮ بسبب‮ حملة‮ الانتخابات‮ التشريعية‮. وشعر‮ بأن‮ فرنسا‮ طوت‮ صفحة‮ حكمه‮ وولايته‮ إلى‮ ما‮ لا‮ رجعة‮. إذ‮ لم‮ يعد‮ للإعلام‮ من‮ اهتمام‮ سوى‮ بالرئيس‮ الجديد‮.
بلاء‮ السلطة‮ لم‮ يوفر‮ سبل‮ الراحة‮ للرجل‮. وإلى‮ آخر‮ لحظة‮ رفض‮ شيراك‮ أن‮ يعترف‮ بأنه‮ خرج‮ من‮ الحلبة‮ منهزما‮. ولما‮ أيقن‮ وأقر‮ أخيرا‮ بحقيقة‮ الأمر،‮ دخل‮ في‮ دوامة‮ من‮ الأرق‮ والاكتئاب‮. وعليه‮ شجب‮ حلفاء‮ الأمس،‮ الذين‮ أصبحوا‮ في‮ نظره،‮ خونة‮ لما‮ التحقوا‮ بساركوزي‮. هكذا‮ تبخر‮ الأمل‮ الذي‮ عقده‮ شيراك‮ في‮ ترشح‮ خليفته‮ آلن‮ جوبيه‮ للرئاسيات،‮ لما‮ قال‮ له‮ هذا‮ الأخير‮ إنه‮ لن‮ يتردد‮ في‮ مساندة‮ ساركوزي‮. وجد‮ شيراك‮ نفسه‮ أمام‮ نفسه‮ وأمام‮ زوجته‮ بيرناديت‮. ومنذ‮ أن‮ أصبح‮ مواطنا‮ عاديا،‮ نزعت‮ عنه‮ الحصانة‮ الرئاسية،‮ الشيء‮ الذي‮ فتح‮ المجال‮ للقضاء‮ وللإعلام‮ في‮ تنقيب‮ ملفاته‮ الشخصية‮: الوظائف‮ الشبحية،‮ «‬حسابه‮ البنكي‮ الياباني‮»‬،‮ ملف‮ قائمة‮ كليرستريم‮. وقد‮ أعرب‮ شيراك‮ دائما‮ عن‮ تخوفه‮ من‮ أن‮ يدس‮ القضاة‮ والمحامون‮ أنوفهم‮ في‮ حياته‮ الشخصية،‮ وهو‮ ما‮ كان‮ يعتبره،‮ بصفته‮ رئيسا‮ سابقا‮ للجمهورية،‮ إهانة‮ له‮. وفي‮ المرات‮ التي‮ لبى‮ فيها‮ شيراك‮ دعوات‮ القضاء،‮ حرص‮ محاموه‮ على‮ أن‮ تتم‮ الجلسات‮ صباحا‮ وأن‮ لا‮ تتعدى‮ الثلاث‮ ساعات‮ بسبب‮ التعب‮ والأرق‮ اللذين‮ يعاني‮ منهما‮ «‬المتهم‮». وفي‮ الوقت‮ الذي‮ كان‮ شيراك‮ على‮ رأس‮ الرئاسة،‮ سربت‮ عنه‮ ابنته‮ كلود،‮ الخبيرة‮ في‮ الإعلام،‮ صورة‮ رئيس‮ قوي،‮ بعيد‮ المنال‮ عن‮ هجومات‮ الآخرين‮. لكن‮ بمجرد‮ مغادرته‮ قصر‮ الإيليزيه‮ انهارت‮ هذه‮ الصورة‮ لتترك‮ مكانها‮ رجلا‮ متعبا،‮ قليل‮ السمع،‮ مريضا‮ بالقلب،‮ متثاقل‮ المشية‮ الخ‮.... فيما‮ ذاع‮ خبر‮ إصابته‮ بمرض‮ ألزاهايمر‮. لكن‮ يبقى‮ الاكتئاب‮ أخطر‮ حالة‮ تمكنت‮ منه‮. ولم‮ تكن‮ الحالة‮ الأولى‮ التي‮ عاشها‮ الرئيس‮ السابق‮. إذ‮ له‮ سوابق‮ في‮ هذا‮ المضمار‮. فقد‮ انتابه‮ نفس‮ الشعور‮ عام‮ 1988‮ لما‮ خسر‮ الانتخابات‮ الرئاسية‮. وفي‮ عام‮ 2002‮ لم‮ يقدر‮ على‮ استرجاع‮ قواه‮ لإطلاق‮ حملته‮ الانتخابية‮. لكن‮ هزيمته‮ في‮ رئاسيات‮ 2007‮ كانت‮ «‬قاتلة‮» لمعنوياته،‮ لأن‮ التغيير‮ كان‮ عنيفا‮. ثمة‮ هوة‮ ساحقة‮ بين‮ حيويته‮ لما‮ كان‮ عمدة‮ ثم‮ وزيرا‮ أول،‮ ثم‮ رئيسا،‮ حيث‮ كان‮ لا‮ يخلد‮ إلى‮ الراحة‮ ويعمل‮ في‮ أيام‮ الآحاد،‮ وعزلته‮ القاتلة،‮ محفوفا‮ بزوجة‮ مشاكسة‮ وكلب‮ مكتئب‮. ولما‮ أخبره‮ الكاتب‮ عزوز‮ بجاج‮ ذات‮ يوم،‮ بعد‮ وصول‮ ساركوزي‮ للحكم‮ وفصله‮ من‮ منصبه،‮ بأنه‮ لم‮ يتلق‮ ولو‮ مكالمة‮ بعد‮ فصله،‮ فيما‮ كانت‮ تتهاطل‮ المكالمات‮ عليه‮ لما‮ كان‮ وزيرا،‮ أجابه‮ شيراك‮: «‬أعيش‮ أيضا‮ نفس‮ الوضع‮».
ذاك‮ هو‮ شيراك‮ الأخير‮ الذي‮ يتعارض‮ وشيراك‮ الأول،‮ الطافح‮ بالطموح‮ والحيوية‮.
أية‮ حياة‮ للرؤساء‮ بعد‮ مغادرتهم‮ الإيليزيه؟‮ كيف‮ يحيا‮ جاك‮ شيراك‮ معيشه‮ اليومي‮ بعد‮ أن‮ قضى‮ 12‮ سنة‮ بالقصر‮ ومارس‮ السياسة‮ لما‮ يقرب‮ من‮ 50‮ سنة؟‮ كيف‮ عاش‮ وتحمل‮ خيانات‮ الأصدقاء‮ والمقربين؟‮ كيف‮ يتعايش‮ مع‮ شعبيته؟‮ ينحت‮ شيراك‮ من‮ دون‮ أن‮ يرغب‮ في‮ ذلك‮ صورة‮ نموذجية‮ لشخصية‮ حاضرة‮ في‮ المشهد‮ السياسي،‮ لكنها‮ شخصية‮ التزمت‮ الحفاظ‮ على‮ الصمت‮ حتى‮ لا‮ تحرج‮ الآخرين‮. تلك‮ هي‮ صورة‮ الرئيس‮ السابق،‮ الذي‮ هو‮ أيضا‮ شيراك‮ الأخير،‮ بتناقضاته،‮ جاذبيته،‮ والذي‮ هو‮ قيد‮ التحول‮ إلى‮ صنم‮ سياسي‮ مثل‮ ما‮ هو‮ عليه‮ الجنرال‮ ديغول،‮ والده‮ الروحي‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.