لا يحمل اسم، حميد شباط، الأمين العام الجديد المنتخب لحزب،الاستقلال المغربي، رنينا عائليا جذابا، يصنفه ضمن قائمة الأسر المغربية العريقة ذات الحسب والنسب والوجاهة المتوارثة عن الأسلاف، من تدربوا على العمل السياسي ومارسوا النشاط التجاري أو تفقهوا في المعارف بالمدن المغربية، ما يؤهلهم لتقلد مناصب رفيعة في هرم السلطة الرسمية، بما تعنيه من التمتع بالنفوذ والجاه بالمغرب، سواء إبان الاحتلال الأجنبي أو بعد الاستقلال. بسبب أصله الاجتماعي المتواضع، وهجرة عائلته من مستقرها الأصلي، بحثا عن ملاذ عيش آمن، فإن كثيرين شكوا في إمكان وصول “شباط” إلى ذروة قيادة حزب، ينعت بنزعته التقليدية المحافظة، شكل دائما الذراع السياسية الخلفية وعجلة الاحتياط الدائمة للنظام الملكي في المغرب، فالمعروف أن الحزب الذي طبعه الراحل علال الفاسي (توفي عام 1974) بميسمه الفكري والعقائدي، كوطني وعالم دين سلفي مجدد ومجتهد، ومثقف منفتح على الفكر الغربي، يصعب أن يقبل المنتسبون إليه على رأس هرمه التنظيمي، أمينا عاما، لا يملك من العلم إلا قليلا (ميكانيكي في الخراطة العصرية) ولا ينتسب إلى شجرة العائلات الميسورة التي توالت على قيادة حزب الاستقلال منذ تأسيسه قبل أكثر من 70 عاما وإلى غاية زمن قريب. نزح “شباط” إلى مدينة فاس، مهد الحزب ومولده، من قبيلة مجاورة لمدينة “تازة” بحثا عن عمل يضمن له ولأسرته الصغيرة شروط حياة أفضل. تراجيديا الانفصال يتذكر الاستقلاليون باستمرار “تراجيديا” الانقسام الذي فرق صفوف حزبهم عام 1959، بضغط من العناصر اليسارية والنقابية، ما أدى إلى انشطاره وتأسيس حزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” الذي ستتناسل منه لاحقا حركات وتشكيلات أشهرها سمعة وأكبرها انتشارا وأعلاها صوتا معارضا، إلى زمن قريب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” الذي يعاني حاليا من سكرات الموت السريري ما لم يتم إسعافه بسرعة. ولا ينسى الاستقلاليون أيضا أن انفصال يناير عام 1959، باركته وساندته النقابة الأولى في البلاد “الاتحاد المغربي للشغل” بزعامة أمينها العام الراحل المحجوب بن الصديق، الذي لم يتخلص من “نفوره” الخفي والصريح من حزب الاستقلال، لأساب متشابكة وغامضة، ستزداد بعد أن أقدم الأخير على تأسيس نقابة منافسة موازية وتابعة له، تسير على خطاه ووفق توجيهاته: “الاتحاد العام للشغالين” التي تناوب على زعامتها حتى الآن، ثلاث أمناء عامين هم: عبد الرزاق أفيلال، الذي أجبر منذ سنوات على الاستقالة، جراء تورطه في تجاوزات مالية، لما كان رئيس إحدى بلديات مدينة الدارالبيضاء. خروج “افيلال” المذل من زعامة النقابة، فتح شهية وطموح حميد شباط، المتربص. قبل التعايش موقتا خلال فترة انتقالية في قيادة النقابة التي انخرط فيها عام 1975 وعمره 22 سنة. ساند في البداية، ريثما تتأتى له الظروف، محمد بنجلون الأندلسي. هذا الأخير لا يتوفر، رغم أقدميته، في العمل النقابي، على “كاريزما” شباط ومؤهلاته القيادية وقربه من العمال، ما سهل عليه، حين عزم، إزاحة “الاندلسي” من الطريق، مستعملا الحيل والمناورات والمزايدات إذ وصل الخلاف إلى تبادل الاتهامات، ليتمكن “شباط” في العام 2009 من التربع على كرسي قيادة “الاتحاد العام للشغالين” من دون منازع، فاتحا مرحلة مغايرة في أسلوب تدبير العمل النقابي، مضفيا على “الاتحاد العام” علامة “النقابة المواطنة” أي تلك التي توفق في مطالبها، بين حقوق الشغيلة ومقتضيات المصالح العليا للوطن، مبررا ذلك التوجه الهادئ بهشاشة النسيج الاقتصادي المغربي. مهد “شباط ” لسيطرته على النقابة التي سيزحف منها لاحقا على قلعة حزب “الاستقلال” الحصينة بعد أن وصل إلى لجنته التنفيذية في نفس العام 2009، فأظهر حيوية نقابية فائقة السرعة والحركة في جميع الاتجاهات. جرّ شباط، النقابة الموصوفة بالاعتدال، مثل حاضنها “حزب الاستقلال” إلى ساحة الصراع العنيف مع السلطة، منذ نهاية الثمانينيات وبداية العقد الموالي حين عمت المغرب في ذات الفترة اضطرابات اجتماعية في إطار معركة “لي الذراع” واستعراض القوة بين المعارضة المؤتلفة في حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، اللذين حشدا أتباع نقابتيهما “الاتحاد العام” والكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، وهذه يتزعمها نقابي لا يقل حماسة وطموحا وشعبوية عن “شباط” هو محمد نوبير الأموي، المنحدر بدوره من أصول قروية. والمفارقة إن الاثنين سيكشفان عن مطامع سياسية في حزبيهما: الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، كل بطريقته وأساليب اشتغاله. فشل “الأموي” في فرض أجندته على رفاقه في الحزب، فقد لقي معارضة من الجناح السياسي، ولم يسانده إلا بعض أصدقائه الأوفياء في النقابة وقيادات حزبية محلية لا تأثير يذكر لها في القرار الحاسم، ما ارغمه على الانسحاب من المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، مفضلا تأسيس حزب بديل سماه “المؤتمر الوطني الاتحادي” سرعان ما سينقسم مؤسسوه، بعد فترة وجيزة، على بعضهم ليتفرقوا ويتوزعوا على تشكيلات صغيرة متناحرة. اتخذ “شباط” نقابة “الاتحاد العام للشغالين” وقد أحكم السيطرة على مفاصلها، قاعدة لتحركاته المدروسة، نحو قلعة الحزب بعد أن انتخب عضوا في لجنته التنفيذية ما سيمكنه من التعريف بنفسه وبخصاله السياسية، والأهم الإطلاع على عيوب القيادة ونقط ضعفها وشيخوخة بعض أعضائها وهي أمراض انعكست سلبا على صورة الحزب وأدائه لدى الرأي العام المغربي. الزحف نحو القيادة شرع “شباط” في رسم خططه الهجومية، مستغلا التناقضات الداخلية في الحزب، مراهنا على العناصر الشابة الناقمة الغاضبة التي تطالب بنصيبها وبموقع مؤثر في صياغة القرار والتوجيه، اعتقادا منها، عن خطأ أو صواب أن السلطة الحزبية ظلت أمدا محصورة ومتمركزة لعقود في أيدي عائلة “آل الفاسي” تتوارثها وتتقاسمها، من دون فسح المجال، بما يكفي، للجيل النابع من الفئات المتوسطة و الشعبية القادمة من الهامش الجغرافي بخاصة وقد أكد حضوره ونضاليته بالمشاركة الفاعلة في المعارك المحتدمة التي خاضها الحزب والنقابة متحدين في غضون سنوات الصراع مع النظام. وبموازاة ذلك، استطاع “شباط” إحراز نجاحات سياسية متوالية على الصعيد المحلي، توجها بالجلوس على كرسي “عمدية” مدينة فاس، العاصمة العلمية للملكة المغربية التي انجبت على مر تاريخها الحافل أجيالا من السياسيين الوطنيين ورجال الفكر والمال والأعمال والفن، بل إن “شباط ” ثبت وحسن وضعه في سائر الاستحقاقات الانتخابية اللاحقة بعقد “تحالف المنفعة” مع أحد الرموز التاريخية لحزب “الاستقلال” في شخص الوزير الأصغر سنا في حكومة الاستقلال الأولى: امحمد الدويري، الذي اعتقد دائما أن رئاسة الحزب كان يفترض أن تؤول إليه بعد وفاة الزعيم علال الفاسي، المفاجئة في العاصمة الرومانية” عام 1974 وليس الي امحمد بوستة، وزير الخارجية الأسبق، الذي كان بصحبة الراحل “علال” لحظة توقف قلبه عن الخفقان. ويجزم “الدويري” أن الاعتراض وقطع الطريق عليه، أتى بالأساس من الملك الراحل الحسن الثاني، رفيقه في الدراسة، لكنه في ذات الوقت، لم يغفر لقيادة الحزب، ما يظنه تواطؤا مع القصر الملكي، لحرمانه من إرث يؤمن أنه الأحق والأجدر به من دون سواه. تلك حالة نفسية وإنسانية، ربما استغلها “شباط” بمهارة، فبدأ يعيد الاعتبار إلى “الدويري” ما فتح له أبواب “بيوتات” فاس، وباتت المكونات الاجتماعية في المدينة العريقة مقتنعة أن “شباط” العامل البسيط الفقير، هو العمدة الأمثل الذي جادت به السماء، لتدبير شؤون مدينة يعتقد سكانها أنها أهملت وفقدت الإشعاع الذي طالما تمتعت به كحاضرة للعلم والتجارة وحيث “جامع القرويين العتيد” وكعاصمة سياسية لعدد من سلاطين المغرب قبل استبدالها بالرباط على إثر استتباب سلطة الاحتلال الفرنسي. شباط الأشهر بين رجالات السياسة ويجوز القول إلى حد كبير، إن “شباط” وقد أصبح الآن أحد رجالات السياسية المشهورين في المغرب، إذ يتزعم حزبا تاريخيا، يحتل الرتبة الثانية في الأغلبية البرلمانية، يلي “حزب العدالة والتنمية” متزعم التحالف الحكومي الحالي، هو المستفيد من “الحراك السياسي والاجتماعي” الذي عم عددا من البلدان العربية، بينها المغرب، حين خرج في بعض المدن، شباب حركة أطلقت على نفسها اسم “20 فبراير” اليوم الذي تواعدوا على اللقاء والتجمهر في الميادين العامة رافعين شعارات الإصلاح السياسي والمساواة والكرامة وإسقاط الفساد. ومن المفارقات أن “شباط” ناصب الحركة الشبابية الاحتجاجية، شكلا من أشكال العداء في البداية، ساخرا منها، واصفا أعضاءها ب”المراهقين الصغار” الذين لا يفقهون أبجدية السياسة، يرددون خطابات أكبر من أعمارهم وقاماتهم، ملمحا بشكل مبطن أن الشبان الغاضبين، ربما تحركهم ايادي خفية، تستهدف المس بوحدة الوطن واستقراره، لكنه سيراجع نفسه بسرعة ويصحح أحكامه بعد أن لمس تيار تعاطف شعبي مع حركة 20 فبراير، كونها، برأي كثيرين، حركت السواكن وعجلت بالشروع في جيل جديد من الإصلاحات، تلك التي بلورها الملك محمد السادس في خطابه التاريخي يوم 9 مارس ( آذار) 2011، معلنا مراجعة الدستور والاستفتاء الشعبي عليه. ذلك الموقف المتشكك من “شباط” حيال حركة 20 فبراير، لم يمنعه من الاستفادة من انتفاضتها ومطالبتها بالتغيير الديمقراطي سواء في بنية النظام القائم أو داخل الأحزاب السياسية على حد سواء. إلحاح الحركة على إسقاط رموز الفساد المالي والسياسي، أتاح الفرصة لجيل الشباب، وهم الأدرى، حسب اعتقادهم، بحجم مشاكل المغرب وحلولها الملائمة، في عصر التحولات الإقليمية والدولية العميقة والطفرات المتلاحقة الناجمة عن العولمة وثورة المعرفة وانفجار التكنولوجيا. الوسيلة التي عرف “المحتجون” كيف يستثمرون منجزاتها بإحداث شبكة تواصلية ذات نسيج ممتد، ألغت المسافات في ما بينهم وجمعتهم في عالم افتراضي وواقعي في نفس الآن، يتواصلون ويتخاطبون بلغة قاموس مغاير في مفرداته ومعانيه لما ألفه الناس في معاجم الأحزاب السياسية من عبارات محنطة. مراجعة الخطط وما أن هدأ الشارع المغربي، حتى شرع “شباط” في مراجعة خططه وتحيينها، على ضوء ما أفرزه “حراك” الشارع من معطيات، وبدأ في إظهار القرنين، حسب التعبير الشائع، عاقدا العزم على خوض معركة السباق على الأمانة العامة، غير عابئ بالوزن الرمزي والعائلي، لمنافسه عبد الواحد الفاسي، وزير الصحة الأسبق، كونه نجل الأب الروحي والمؤسس لحزب الاستقلال. تجاوز الصراع بين المرشحين في بعض أطواره وجولاته، السجال المألوف وحدود اللياقة، ليشارف اتهامات من العيار الثقيل، من قبيل التشكيك المتبادل في الذمة المالية والأخلاقية وحتى الدينية والطعن في مؤهلات الزعامة. وعلى مدى أشواط المباراة الطويلة بين اللاعبين “شباط ” ومنافسه “الفاسي” ظل الفاعلون في الحقل الحزبي المغربي وشرائح من الرأي العام، وكذا وسائل الإعلام، مشدوهين بما يشاهدونه أمام أبصارهم من “فرجة” غير مسبوقة في باحة البيت الاستقلالي، يرقبون أركانه ودعائمه وقد بدأت تتداعى من دون أن تجد قوة بديلة محايدة تسندها. انتهى عهد التوافق، إذن على اسم” الزعيم” الذي لم يخرج في الولايات السابقة عن الدائرة العائلية الضيقة. لا يحسم نهائيا في الشخص المؤهل الجدير بالقيادة، قبل معرفة موقف القصر الملكي وموافقت، بالنظر إلى أن حزب الاستقلال جاهر دائما بإعلان تأييده للملكية في المغرب وهي تؤمن من جانبها أنه ظلها في المجتمع وبالتالي عليها رعايته. وحتى إن اصطف الحزب في المعارضة، طائعا أو مكرها، فإنه يظل في تقدير الملكية “عجلة” الاحتياط اللازمة من دونها لا يمكن جرّ عربة السياسة في المغرب. ماذا اصاب حزب الاستقلال، وهو التنظيم المتماسك، الأكثر انضباطا وقدرة على الاحتواء السلمي لصراع الأجنحة والتجاذب بين المنتسبين؟ برأي متابعين، ثمة عوامل موضوعية، داخلية وخارجي، ساهمت في تعرية جذور الخلاف وإخراجه إلى الساحة العامة. توارت اللغة المؤدبة واحترام القيادة والامتثال لأوامرها من طرف فئة جديدة من المنخرطين، وحل محلها خطاب انتقادي محاسب من دون هوادة. أشهر بصوت عال مطالبه وعبر عن انتظاراته، واضعا على طاولة النقاش وبحدة، تصوره لشكل القيادة وشروط من يتبوؤها. بنية تنظيمية غير ملائمة وتدبير متجاوز بات الغاضبون أشد اقتناعا أن البنية التنظيمية للحزب، رموزا وتدبيرا، لم تعد ملائمة لكسب المعارك في مغرب ضاج بالحركة والغليان والاحتقان الاجتماعي، اصبحت السياسة فيه حرفة متاحة لفاعلين جدد يتحركون ويذرعون في السوق مثل الباعة الجائلين، كل يعرض بضاعته بفنية على الجمهور. لم يعد مطلب تجديد القيادة وتأهيل الهياكل وإعادة النظر في التحالفات، مغريا للأجيال الصاعدة في حزب الاستقلال، وهي الأكثر قدرة على الحركة والتواصل مع الناس بلغة يفهمها اللاعبون الجدد في المشهد السياسي بالمغرب فقط، بل أصبح ضرورة حتمية لاستمرار الحزب على قيد الحياة قبل أن يتعرض لما أصاب تنظيمات أخرى من تصلب في شرايينها وأوصالها. والمؤكد أن “شباط” استثمر بذكاء وواقعية وحس عملي، الرغبة العميقة في التغيير، والنزوع القوي نحو تجديد الهياكل والوجوه في حزب الاستقلال، بخاصة وقد لاحظ أن سمعة الحزب وصورته تضررتا كثيرا في العقدين الأخيرين، منذ آلت الأمانة العامة، إلى عباس الفاسي، رئيس الحكومة السابق الذي تقلد المسؤولية الحكومية الأسمى وهو مثقل بالأعباء السياسية والصحية. لم يكن عباس الفاسي، مرشح الإجماع في الحزب، لمنصب الأمانة العامة، بل فرضته الضرورة، كما راج بين الاستقلاليين في حينه. قضى سنين من حياته السياسية في الخارج ابعدته إلى حد ما، عن الدواليب الحزبية ومتابعة التطورات الداخلية في الحزب. راج في ذلك الحين أن إشارة غامضة من القصر الملكي أرسلت إلى قيادة الحزب مفادها أنه غير معترض عليه، ليتضح منذ بداية ولايته، أن “الفاسي” ليس رجل مرحلة التحول وغير القادر على التحكم والإمساك بمجاديف سفينة حزب باتت معرضة لرياح عاتية تهب عليها وتتقاذفها من كل جهة: من النقابة، من الشبيبة ومن المجتمع. كل طرف له أجندته ومطالبه وحساباته يصعب حتى على القائد القوي، التوفيق بينها. وشاءت ظروف السياسة ومفارقات الديمقراطية، أن يتصدر حزب الاستقلال نتائج الانتخابات التشريعية عام 2007 ما أهل أمينه العام عباس الفاسي، تشكيل حكومة ائتلافية قيل الكثير عن رئيسها وعن ظروف ميلادها وعن انسجامها المفقود وسلطتها المغيبة لصالح “التكنوقراط ” بدليل أن “الفاسي” صرح بعد استقباله وتكليفه من طرف الملك محمد السادس، أنه لا يحمل أي برنامج، وسيطبق ما يأمر به الملك.. فلتة لسان ستكلفه سياسيا. لم يكن تصريحا موفقا، فما اعتبره “الفاسي” لياقة واحتراما لمقام الملك، جر عليه عواصف من النقد والسخرية طوال سنوات ولايته الحكومية غير المكتملة نتيجة إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، ضمن إطار حزمة الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية التي أعلنها الملك في خطابه يوم 9 مارس الماضي. مع ذلك ضمن الحزب الرتبة الثانية في التشريعيات. فارق بسيط بين فرسي السباق لم يكن الفارق في النتيجة، بين شباط والفاسي، بالكبير (20 صوتا فقط) لكنه لم يمنع الفائز من الدخول مثل الفاتح المنتصر. لم يقبل دعوة تأجيل انتخاب اللجنة التنفيذية التي طالب بها انصار الفاسي المنهزم، ريثما يتمكنوا من استرداد الأنفاس وتجاوز الصدمة القوية التي أحدثها فوز “شباط” المدوي، ما أرغمهم على الانسحاب من المعركة. أراد شباط أن ينهي كل شيء، ما دامت الأجواء ساخنة والنفوس هائجة ولوائح الحزب في صفه. تأتى له ما أراده، إذ وصل انصاره والمؤيدون له إلى كراسي القيادة بشكل يضمن له تمرير ما يريده من قرارات جعلت منه المتحكم الفعلي والوحيد في حزب الاستقلال بل إن اسماء تخلت عن “الفاسي” فماذا يستطيع هذا العامل المتواضع، وقد دان له الحزب ونقابته أن ينجزه؟. من المؤكد أنه سيضع على رأس النقابة أمينا عاما، محسوبا عليه لإحداث التناغم بين الحزب وذراعه العمالية، كما أن أنظاره ستتركز على المنصب الأسمى “رئاسة الحكومة”، فقد بدأ بعض أنصاره يشبهونه بالرئيس البرازيلي “لولا” وكذا زعيم نقابة “تضامن” البولونية “ليخ فاليسا”الذي هزم النظام الشيوعي في بلاده. زمن “الشبططة” أمام هذه الهزة في حزب الاستقلال، ابتكر الشارع السياسي، لفظة “شبططة” وهي كناية مجازية عن ما حدث في الحزب العتيد. وترمز الكلمة في القاموس الجديد الى القدرة على المبادرة الجريئة واستعمال كل الأوراق بل خلطها لتحقيق مبتغى سياسي، من دون اكتراث بالمعوقات والمتاريس الموضوعة على جانبي الطريق، وما يرافق ذلك من استعداد لتغيير الخطط واستبدال التحالفات وجلب الانصار. باختصار “الشبططة” مزيج من الشعبوية والمغامرة الإرادية كما التعامل الذكي مع الواقع السياسي والاجتماعي والتنظيمي للحزب، كما هو وليس كما تتخيله التهويمات النظرية المتجاوزة. فأي طراز من الزعامة انضاف إلى النخبة السياسية في المغرب؟ ليس “شباط” وحده الزعيم السياسي غير المتوفر على تكوين أكاديمي رفيع، فجل الذين سبقوه، ليسوا ضليعين في المعرفة، ولكن التجربة الميدانية والاحتكاك بمشاكل المجتمع وطول السير في منعرجات السياسة يكسب “الزعيم” في الغالب قدرة على التحليل والإقناع وبسط الأفكار والترويج لها بالوضوح المطلوب، ما ينعكس في المكاسب السياسية. وفي هذا السياق، فالمؤكد أن الأمين العام “شباط” متمكن من أدوات التواصل مع الجماهير اذ يبدو لهم مقنعا في أحاديثه الواضحة، سواء خلال ظهوره في وسائل الإعلام أو وقوفه خطيبا في التجمعات والتظاهرات الجماهيرية. هو أيضا، مصغ وملتقط للأفكار. أحاط نفسه، بمجموعة من المساعدين الحزبيين من ذوي التأهيل الجامعي الجيد الموصولين بنبض المجتمع، يشركهم في وضع الخطط والسيناريوهات البديلة والاستعداد للمعارك المحتملة. الزعيم “شباط” لا يخجل من القول إنه “أمي” يتعلم من أساتذته ما جلب له نوعا من التعاطف الشعبي على الرغم من بعض خرجاته الإعلامية غير الموفقة. والسؤال الأكثر تواترا على ألسنة الناس في المغرب: ما الذي يحول بين “شباط” ومنصب رئاسة الحكومة؟ هل أصبح الطريق ممهدا له وهل تنفعه نفس الاساليب والمناورات التي بوأته زعامة حزب “الاستقلال” وهو الذي شبه انتصاره بدخول ثوار ليبيا ثكنة “العزيزية” حيث كان متمترسا العقيد القذافي؟ أكيد ان المقارنة غير سليمة بل ليست مستساغة في مشهد سياسي مغربي مفتوح على شتى الاحتمالات من دون أن يعني ذلك أن رئاسة الحكومة، باتت على مرمى حجر من “شباط” أو بعيدة عنه. عليه أن يبرهن عن كفاءته ومهارته كأمين عام للحزب اولا، قادر على رص الصفوف وإرباك منافسه وحليفه الحالي “حزب العدالة والتنمية” ومزاحمته في الكتلة الناخبة المحافظة التي تصوت لصالح الإسلاميين، لإضعافهم في الاستحقاقات المحلية المقبلة، علما أن المؤشرات التي افرزتها انتخابات الإعادة لمجلس النواب الأخيرة، دلت على أن الإسلاميين محافظون على ثقة من اقترعوا لصالحهم في شهر نوفمبر الماضي، رغم أدائهم الحكومي المتعثر، وهي رسالة واضحة ل “شباط” للحد من طموحه، فليس المصوتون لصالح الإسلاميين المغاربة، لقمة انتخابية سائغة. فتح فوز “شباط” الأبواب على مصراعيها على مشهد سياسي مغربي، الأشد إثارة فيه أن لا أحد يستطيع التنبؤ يقينا، بما ستحمله الأيام ل “شباط” ولسواه من الفاعلين المتربصين. لكن، لا بد من الاعتراف للزعيم الجديد، بصفات لا تتجمع بمثل تلك السهولة في كثير من القادة.عليه أن يستثمر الناجع من الأدوات ويهجر تلك التي انتهت صلاحيتها حتى لا يتضرر من صدئها. تغيرت بنيات النظام السياسي ونمط الحكم في المغرب بإيقاع متسارع منذ ارتقاء عاهله محمد السادس مقاليد السلطة. فلماذا لا تنتقل العدوى إلى الأحزاب والتنظيمات السياسية. أليست تلك رغبة الملك العميقة؟