يفهم من تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون حول الهجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي في 9/11 الماضي انها محاولة منها لتخفيف الضغط عن الرئيس باراك اوباما الذي يواجه الشهر القادم معركة حاسمة في سباق الرئاسة، بعد تعرضه لانتقاد حول عدم توفر الحماية الامنية الكافية للسفير الذي قتل في الهجوم وعدم اخذ التحذيرات الاولية حول قرب حدوث هجوم على المصالح الامريكية في خطر، وقد كانت كلينتون واضحة في تصريحاتها لمحطة 'سي ان ان' حيث قالت 'انا المسؤولة' عما حدث في بنغازي و'لم يكن للرئيس او نائبه علاقة بالقرارات المتعلقة بأمن القنصلية'،حيث قالت انها مسؤولة عن امن الدبلوماسيين وسلامتهم. وجاء الاعتراف الاخير بعد سلسلة من التصريحات المتناقضة للوزارة ولممثلة امريكا في الاممالمتحدة سوزان رايس التي حاولت التقليل من اهمية الهجوم ووصفه بانه تظاهرة عفوية احتجاجا على الفيلم المسيء للرسول تطورت الى عنف، لكن لجنة استماع في الكونغرس التي استمعت لشهادة عدد من المسؤولين في الخارجية اكدوا فيها ان الهجوم كان عملا منفصلا عن التظاهرة ضد الفيلم. ووصفت كلينتون التصريحات المتناقضة التي صدرت عن وزارتها بانها كانت تعبير عن حالة من التشوش وغيوم الحرب. حماية الرئيس وينظر لتوقيت الاعتراف وتحمل المسؤولية على انها جاءت قبل يوم من المناظرة الاخيرة بين اوباما والمرشح الجمهوري ميت رومني، حيث سيجد اوباما من يلقي اللوم عليه وان ما حدث كان خللا في الاجراءات الامنية المسؤولة عن ترتيبها الخارجية. لكن المعسكر الجمهوري رفض تصريحات كلينتون حيث اشار مسؤولوه الى ان الرئيس كان يجب عليه ان يعرف ان الوضع الامني في ليبيا يشكل خطرا على الامريكيين هناك خاصة بعد سلسلة من الهجمات التي تعرضت لها المصالح الاجنبية. وقالوا انه اذا لم يكن الرئيس يعرف بهذه التطورات فلا احد منهم يثق باستراتيجية الامن القومي لادارته. وفي اعترافها بالمسؤولية تضع كلينتون سمعتها على المحك وتشوهها خاصة ان المراقبين يعتبرونها من انجح واكثر وزراء الخارجية قدرة على الاقناع والذين قادوا السياسة الخارجية الامريكية في العقود الاخيرة، وسيلاحقها الفشل هذا ان ارادت الترشح للسباق الرئاسي في عام 2016. الضحية الثانية اما الضحية الثانية لهجوم بنغازي فهي سوزان رايس التي طافت بعد الحادث على قنوات التلفزة الامريكية وحاولت التبرير او التخفيف من حجم الهجوم، حيث تلاحقها هذه التصريحات الان، وتتهم بانها حاولت وعن قصد التقليل من العامل الارهابي في الهجوم. وستؤثر هذه التصريحات واعتراف كلينتون بمسؤوليتها على حظوظ رايس حيث كانت نجما صاعدا ومقربا من الرئيس، وهي التي اقنعته بالتدخل في ليبيا، وكانت مرشحة قوية لان تخلف كلينتون كوزيرة للخارجية. ولا يعرف السبب الذي جعل رايس تقدم هذه التصريحات وان كانت قائمة على تقييمها الخاص للوضع ام انها كانت تلتزم برواية الادارة التي تحاول الدفاع عن سجل الرئيس في مجال الامن القومي وهو الذي يواجه انتخابات حاسمة. وتقول رايس في تصريحات لصحيفة 'واشنطن بوست' انها اعتمدت في تصريحاتها على التقارير اليومية التي اعدتها الوكالات الامنية وعلى النقاط المعدة من هذه الوكالات للمسؤولين كي يتحدثوا عنها او في نطاقها، واكدت انها لم تختر ما يناسبها منها، حيث اكدت انها قامت بتوضيح ما قدم اليها ولفريقها من معلومات. وتشير الصحيفة ان مسؤولين في الادارة برزوا للدفاع عنها وقالوا ان كلماتها اخرجت عن السياق حيث اكدت فيها ان محققي مكتب التحقيقات الفدرالية لا يزالون يرصدون الوضع. وايا كان الدفاع عنها، فالحملة التي شنها الجمهوريون عليها وعلى طريقة ادارتها للازمة تحبط كل الخطط التي اعدتها الادارة كي تعطيها دورا اكثر بروزا حيث ارسلتها الى اديس ابابا كي تمثلها في جنازة ميليس زيناوي، رئيس الحكومة الاثيوبية وحليف واشنطن المهم في القرن الافريقي، كما ارسلتها للهند حيث اجتمعت مع كبار المسؤولين الهنود وشوهدت وهي تزور تاج محل. وبعيدا عن تعقيدات السياسة الامريكية وتشابك الحادث واثاره بمصير اوباما واركان اداراته، فقد دفع الهجوم الولاياتالمتحدة لاتخاذ سلسلة من الاجراءات المتعلقة بأمن السفارات في العالم وفي ليبيا خاصة. قوات خاصة كما اصبحت الادارة تتعامل مع تهديد القاعدة في منطقة شمال افريقيا والساحل بشكل جدي، حيث اصبح تنظيم قاعدة بلاد المغرب الاسلامي على اجندة النقاش. وناقشت الادارة امكانية القيام بملاحقة من يشتبه بعلاقته بالعملية بالطائرات الموجهة درونز- وارسلت فرقا من المحققين وعملاء سي اي ايه للبحث وملاحقة المنفذين. وفي تطور جديد كشفت صحيفة 'نيويورك تايمز' عن جهود جديدة تقوم بها كل من زارة الخارجية ووزارة الدفاع الامريكية ( البنتاغون) لانشاء فرقة نخبة ليبية 'كوماندوز' قادرة على مواجهة الجماعات الاسلامية المتطرفة. وقالت الصحيفة ان الادارة حصلت الشهر الماضي وبهدوء على موافقة الكونغرس لنقل 8 ملايين دولار من ميزانية العمليات ومكافحة الارهاب المخصصة لباكستان كي تستخدم في بناء وحدات نخبة ليبية حيث يصل عددها الى 500. وقد تقوم قوات العمليات الخاصة بتدريب قوات النخبة الليبية هذه كما فعلوا في باكستان واليمن حسبما نقلت عن مسؤولين امريكيين، مضيفة ان عملية انشاء الوحدات الخاصة هذه كانت قد بدأت قبل اغتيال السفير كريستوفر ستيفنز، لكن الخطة اتخذت طابعا جديدا وملحا حيث تحاول الحكومة الليبية المنتخبة فرض سيطرتها على البلاد التي لا تزال الميليشيات تتحكم بأمنها. وبحسب وثيقة سرية ارسلتها الخارجية الى الكونغرس في الرابع من ايلول (سبتمبر) الماضي فهدف انشاء الوحدة هو تعزيز 'قدرات ليبيا لمواجهة تهديد القاعدة وتلك المرتبطة بها والدفاع عن ليبيا'، ومع الوثيقة هناك اخرى من البنتاغون التي ترى ان قوات الكوماندوز هذه ستكون قادرة على 'مواجهة وهزيمة الجماعات الارهابية والمتطرفة'،حيث قال مسؤولون امريكيون ان ليبيا ليست لديها القوة هذه في الوقت الحالي. ومع ان قرارا نهائيا لم يتخذ، اضافة الى ان هناك الكثير من التفاصيل التي تحتاج للنقاش من مثل حجمها وشكلها ومهمتها الا ان الامريكيين ناقشوا الخطوة مع المسؤولين الامنيين والعسكريين الليبيين كجزء من حزمة المساعدات الامنية الامريكية لليبيا. وفي الوقت الذي يرى الليبيون اهمية في مساعدة امريكا الامنية الا ان هناك مشكلة في عملية دمج الميليشيات في النظام التي ستخسر الكثير من تأثيرها، والاهم من ذلك هو التدقيق في هوياتها، حتى لا يتحول النظام الى عربة لدخول الجماعات المتطرفة. ويقول محلل نقلت عنه الصحيفة ان البرنامج يحتاج لتعليم العناصر الليبية الانكليزية حتى يفهموا التعليمات وكتب الارشاد، كما يجب ان يتسم البرنامج بالشفافية حتى لا تنتشر الشائعات بين الليبيين عن خطط الامريكيين لانشاء فرق خاصة. وتتضمن ايضا حديثا عن ميزانية 4 ملايين لمساعدة الليبيين على حماية حدودهم خاصة بعد تسرب كميات كبيرة من الاسلحة التي نهبت من مخازن الاسلحة للنظام السابق لجماعات المتمردين في منطقة الساحل والقاعدة وتجار ومهربي الاسلحة. ويقول مسؤول امريكي ان عمليات الفحص والتدقيق للمرشحين للبرنامج سيقوم بها ليبيون وامريكيون ولن تقتصر على المهارات الجسدية والقدرات العقلية بل وعلى علاقات المرشحين بالجماعات المتطرفة. صعود للجهاديين وتعتبر الجهود الامريكية في ليبيا جزءا من محاولات التصدي للعامل الجهادي الذي ظهر بعد ما يعرف بالربيع العربي، في تونس وليبيا ومصر وسورية التي تخشى الولاياتالمتحدة ان يختطف الجهاديون والسلفيون الانتفاضة فيها. وتنظر واشنطن الى انتشار وتولد الجماعات هذه كعامل تهديد للاستقرار وستؤثر على عمليات التحول خاصة في سورية حالة انهيار النظام. ويربط بين صعود الجماعات المتطرفة من صحراء سيناء الى اسواق تونس مرورا بليبيا على انها نتاج للحرية التي يستخدمها الجهاديون للتجنيد والتدريب وتنفيذ هجمات. وهناك ارتباط واضح بين رفض القوى الغربية تسليح المعارضة السورية وصعود القوى الجهادية. ومع ان هذه الجماعات ظهرت كرد فعل على مظالم محلية كما في سيناءوتونس ولم تقم روابط ذات معنى مع تنظيم القاعدة الدولي الا ان الكثير منها يتبنى ايديولوجيات شبيهة بالقاعدة. وتنقل صحيفة 'واشنطن بوست' عن ارون زيلين من معهد واشنطن قوله ان هناك احتمالا لعولمة هذه الجماعات نظرا للتشابه الايديولوجي بينها. ويضيف ان الاحتمال يصبح كبيرا حالة وصف الجماعات هذه بكونها قاعدة مما سيؤدي الى دفعها للهامش والعمل السري. وكانت كلينتون واضحة يوم الجمعة في تصريحاتها حول اهمية دعم امريكا للربيع العربي وعدم تراجعها من المنطقة. فمظاهر بروز حركات من مثل 'جبهة النصرة' السورية التي اعلنت مسؤوليتها عن عمليات ضد النظام، وتقوم بعملها العلني في المساجد ولديها مركز في حلب ويثني على شجاعة افرادها المقاتلون السوريين تجعل من واشنطن تنظر بعين القلق لاثار الثورات العربية على صعود الفكر الجهادي. وهذا يعبر عن نفسه ليس بالحركات بل بالمواقع على الانترنت وانتشار شاراته واعلامه حيث تظهر اعلام القاعدة السود في اماكن متعددة من سورية. ويخشى انه كلما طال امد النزاع في سورية كلما حصل الجهاديون على شرعية ويزداد عددهم مع ان المعارضة تؤكد ان وجودهم قليل ولا يتعدى المئات خلافا للتقارير التي تؤكد على اعداد كبيرة من مختلف انحاء العالم الاسلامي. تحذيرات راف الله السحاتي ويشير تقرير 'واشنطن بوست' الى الوضع الليبي المعقد حيث تحول عدد من عناصر الجماعة الاسلامية المقاتلة الى السياسة فيما التزم اخرون بالخط الجهادي وهناك من يقع بينهما. وتشير الى ان برقية ارسلت للخارجية من ليبيا جاء فيها ان قائد سرايا راف الله السحاتي اخبر دبلوماسيين امريكيين انه لن يضمن الامن في بنغازي حالة انتخب محمود جبريل رئيسا للحكومة. ويعتقد المسؤولون الامريكيون ان هناك صلة بين الجماعات المتشددة الليبية وتنظيم بلاد المغرب الاسلامي على الرغم من ان جماعة انصار الشريعة نفت مسؤوليتها عن العملية. ويكتمل المشهد الجهادي في شمال افريقيا بانصار الشريعة في تونس التي بنت لها حضورا تحت قيادة سيف الله بن حسين والذي يستخدم اسم ابو اياد التونسي، وقام افراد الجماعة بالهجوم على السفارة التونسية، ولم تقم الحركة بهجمات منسقة وكبيرة مثل هجوم بنغازي ولم تقم ببناء تحالفات مع جماعات جهادية اكبر. واصبح اسم انصار الشريعة علامة تجارية جديدة حيث بدأ افراد تنظيم بلاد الجزيرة العربية التابع للقاعدة باستخدام الاسم، وقد ضمت الخارجية اسم 'انصار الشريعة ' للجماعات الارهابية.