تعيد ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما دراسة تحالفاتها واولوياتها في المنطقة العربية، في ضوء الهجوم على السفارات وقتل السفير الامريكي في بنغازي. ويتعرض اوباما لضغوط من الرأي العام الامريكي للرد على مقتل كريستوفر ستيفنز في بنغازي وثلاثة اخرين من الامريكيين في القنصلية، ويجد اوباما نفسه امام امتحان صعب، خاصة في الدولتين اللتين عمل من اجل ان يتأكد ان تظلا من اصدقاء امريكا، حيث تمران في مرحلة انتقالية صعبة، وهما مصر وليبيا. وسيحاول الرئيس الامريكي هذا الاسبوع اصلاح ما يمكن اصلاحه لاستراتيجيته في التعامل مع العالم الاسلامي، ولكن عليه كما يقول محللون ان يحدد من سيكون صديقه وكيف سيتعامل معه في المستقبل. فقد لفتت كلمة اوباما في تصريحاته لصحيفة اسبانية، ان مصر ليست حليفا ولا هي عدو، الانظار، وذلك في رد منه على الهجوم على سفارة بلاده في مصر، وقد التقط المرشح الجمهوري ميت رومني التصريح ووصف مصر بالدولة العدو وقدم عددا من الاقتراحات التي يمكن من خلالها ان تكون مصر حليفا لامريكا. ومع ذلك يرى خبراء نقلت عنهم صحيفة 'واشنطن بوست' ان كلمة 'حليف' ما هي الا اثر قديم من اثار الحرب الباردة، فلم يعد الدعم الخارجي او الدعم الدبلوماسي ولا حتى التدخل العسكري المباشر كافية لضمان الولاءات من الحكومات الجديدة المنتخبة بعد الاطاحة بالديكتاتوريات. ومن هنا فالتحدي الذي يواجه اوباما هو تشكيل سياسة خارجية براغماتية قادرة على التعامل مع القوى السياسية الصاعدة وحماية المصالح الامريكية بنفس الوقت. وتشير الى ان باكستان مثل مصر تتلقى مساعدة مالية سنوية بملياري دولار، ولكن في هذه الاوقات من الصعب الاشارة اليها كحليف امريكي، ومع ذلك فامريكا وباكستان لهما مصالح مشتركة وهي مواجهة التطرف الاسلامي، والتشارك في المعلومات الامنية حول 'القاعدة' وطالبان. وتشير في المقابل الى ان احداث الاسبوع الماضي في مصر وتونس وليبيا كشفت عن ضعف امريكا بدلا من كونها رمزا للقوة والهيمنة، خاصة بعد الثورات التي اجتاحت المنطقة العربية العام الماضي. ضد امريكا وليس الفيلم وفي الوقت الذي يقول فيه البيت الابيض ان الغضب الذي اشتعل احتجاجا على الفيلم جاء بسبب ما وضع على الانترنت من لقطات منه، لكن يبدو ان المحتجين في مصر وتونس استخدموا اللقطات للتظاهر احتجاجا على امريكا وحليفتها في المنطقة اسرائيل، اما الهجوم على القنصلية في بنغازي فالادارة تعتقد انه مدبر. وتشير الى ان معظم المتظاهرين كانوا من الاخوان المسلمين، وهم من الجماعة التي فازت بالانتخابات، ومع ان الرئيس محمد مرسي ناشد المتظاهرين يوم الجمعة بضبط النفس وعدم الهجوم على المؤسسات الدبلوماسية التي يجب على الحكومة حمايتها، الا ان رده المتأخر قليلا لا يشاركه فيه الكثير من المصريين، على الرغم من حصول مصر على 70 مليار دولار كمساعدة منذ عام 1948، كما تقول الصحيفة، وبدلا من ذلك فهم غاضبون على امريكا لدعمها الطويل للاتوقراطيين العرب واسرائيل. وتنقل عن دينيس روس المستشار البارز السابق لاوباما قوله، ان الاحتجاجات تعقد مهمة مرسي لتشكيل هوية اقل اعتمادا على الغرب، وبنفس الوقت لاعبة على المسرح الدولي. وقال ان هذا لن يحدث حالة فشل في حماية السفارات ولن يحضر المستثمرون لمصر حالة فشل مرسي في تأكيد درجة من النظام والقانون. ويرى محلل ان العلاقة مع مصر هي في مرحلة انتقالية على الرغم من كلام الرئيس الموارب. ويشار الى ان اوباما ليس الوحيد من بين الرؤساء الذي وجد صعوبة في وصف علاقات مع دول مهمة، فجورج بوش الابن وصف الصين بانها منافس استراتيجي وليست حليفا. وتعكس التظاهرات ضد امريكا حالة من الاحباط وخيبة الامل من سياسة اوباما، الذي وعد في خطابه الشهير في القاهرة عام 2009 ببداية جديدة مع العالم الاسلامي، واظهرت استطلاعات في امريكا 'بيو' ان شعبية اوباما تراجعت بشكل كبير خاصة في باكستان، كما ان سياسة استخدام الطائرات بدون طيار لملاحقة المطلوبين والناشطين وقتلهم ومعهم الكثير من المدنيين دمرت سمعته. ويقول الاستطلاع انه على الرغم من تراجع امريكا الاقتصادي الا ان الكثيرين يخشون من الكيفية التي تستخدم فيها امريكا قوتها العسكرية. وما اثار دهشة الامريكيين اكثر هو ما يرونه 'قلة الوفاء'، فالهجوم على القنصلية في بنغازي اثار دهشة الامريكيين فالمدينة ذكرها اوباما في خطاب للامة حيث قال 'لو انتظرنا وقتا اكثر، لعانت بنغازي التي تبلغ مساحتها بلدة شارلوت، من مذبحة تردد صداها في كل المنطقة ولوثت ضمير العالم.. ولم يكن مصلحتنا القومية ان يترك هذا يحدث، لقد رفضت ان يحدث'. وبدلا من الامتنان قتلوا السفير كما يرى الامريكيون الامر. موازنة صعبة وتحدث تحليل في 'اوبزيرفر' كتبه ايان بلاك عن لعبة التوازنات التي يحتاجها مرسي من اجل موازنة مصالح مصر مع امريكا بعد ان ادهش الجميع بقدرته على الحسم في داخل السياسة المحلية. وقال بلاك ان مرسي كان واثقا من نفسه عندما كان يتحدث في حديقة المفوضية الاوروبية التي جاءها طالبا مليار يورو لاصلاح الوضع الاقتصادي في بلاده، لكن المسألة التي كانت تلاحقه هي احداث السفارة الامريكية في القاهرة. وقال انه بعد ايام من اقتحام السفارة المحصنة نطق مرسي في بروكسل عبارات الشجب. واشار الكاتب الى المكالمة الصاخبة بين اوباما ومرسي، التي اشارت اليها 'نيويورك تايمز' وقالت ان مصر وليس ليبيا هي معضلة واشنطن في المنطقة. ويشير نقلا عن محلل قوله ان مرسي يحتاج للموازنة بين التحالفات المحلية مع الجماعات المحافظة وعلاقة مصر الخارجية مع امريكا. ويقول ان السؤال الاشكالي هو حول امكانية استمرار العلاقات بين اكبر دولة عددا في السكان وامريكا وان تظل ودية في ظل تصاعد المشاعر المعادية لامريكا، وتساءل في سياق اخر ان كان مرسي قد اصبح 'خميني جديدا' يطلق التصريحات النارية ويدعو انصاره لحصار السفارات الامريكية. واشار بلاك الى حملة الانتخابات التي جاءت بمرسي وان انتصاره لم يكن لولا آلة الاخوان التي رشحته، وعلى الرغم مما قيل عنه 'عجلة غيار' الا انه فاجأ الجميع واثبت انه قادر على القيادة والحكم كما اظهر دهاء وخبرة. وتحدث عن الانقلاب الذي قام به مرسي ضد العسكر، حيث نجح فيه بدون اية مواجهة مع الحرس القديم، فقد كان سريعا في مناورته ضده وتحرك قبل ان يتحرك العسكر لاحتوائه. واشار الى التحرك الاخر في طهران عندما قبل المشاركة في قمة عدم الانحياز، على الرغم من الاعتراض الامريكي والاسرائيلي، واظهر في المشاركة والخطاب الذي القاه استقلالية ذكرت بايام ناصر وعبر عما سماه مسؤول مصر الجديدة. وعلى الرغم من كل هذا فمرسي يواجه الان ازمة علاقات مع امريكا، حيث استغل رومني الهجوم على السفارة ووصف مصر بالدولة العدو، مع انها تتلقى مساعدة مالية كبيرة من واشنطن وهو ثمن تدفعه واشنطن من اجل حفاظ مصر على معاهدة السلام مع اسرائيل. ويقول بلاك ان اعداء اوباما فرحوا بالفرصة للهجوم على مرسي الذي سيزور واشنطن قريبا، وقد بدأ الهجوم حيث قال المعلق اليميني ديفيد فرم ان مرسي يتعلم من كتاب الخميني عام 1979 حيث يقوم بفبركة حادث دولي لاشعال العواطف الدينية، كسلاح من اجل التحشيد السياسي ضد القوى العلمانية في بلده بمن فيهم العسكر. خطوات وفي سياق التحقيق وملاحقة من قتل السفير قامت الادارة الامريكية بعدد من الخطوات، فقد قامت بارسال طائرات بدون طيار وجواسيس وسفن حربية للساحل الليبي، وكل هذه الجهود يرى مراقبون انها ستواجه بوضع امني معقد على الارض وميليشيات لا تزال تحكم البلاد في ظل ضعف للحكومة الانتقالية. ويقول تقرير لاسوشيتد برس ان المخابرات الامريكية ( سي اي ايه) ليس لديها سوى عدد قليل من العملاء كي ترسلهم لليبيا بسبب انشغالها بحروب عدة في العراق وافغانستان واليمن والصومال، كما ان معظم العملاء الذين ارسلتهم لليبيا اثناء الثورة اعادت نشرهم على حدود الدول المجاورة لسورية، ويضاف الى ذلك ان الوضع في ليبيا لم يستقر بعد، خاصة ان الدولة لم تؤسس بعد وكالتها الامنية، كما ارسل مكتب التحقيقات الفدرالي فريقا من المحققين لملاحقة من قاموا بالعملية. ويقوم مسؤولون امنيون بتحليل المكالمات الهاتفية ورسائل الانترنت التي تم التنصت عليها قبل العملية، وحتى الان لم يعثر المحققون على ادلة تشير الى جماعة بعينها تقف وراء العملية. ويشك المحققون في ان تكون جماعة متعاطفة مع 'القاعدة' مثل 'انصار الشريعة' من يقف وراءها. ويقول التقرير ان الولاياتالمتحدة تلقت تقييمات امنية من ليبيا ومنذ شهور ولكن لم يشر اي منها الى هجوم. ويشير مسؤول امني الى ان (سي اي ايه) لم يعد لديها العملاء المدربون من القوات الخاصة لارسالهم لليبيا بسبب الحروب الاخرى، خاصة الحرب الاهلية في سورية، ومع ان العملاء في الخلايا السرية يزيد عن خمسة الاف عميل الا ان اعداد من يرسلون في القوات الخاصة هم بالمئات. وفي العادة تستأجر المخابرات عملاء خاصين من المتعهدين كي تعوض النقص، لكن قرار الحكومة تقليل الاعتماد على المتعهدين يحدد من قدرة المخابرات على استئجارهم. وعليه ومن اجل مراقبة الوضع الامني في ليبيا فقد عملت على ارسال طائرات بدون طيار للتحليق فوق ليبيا، ومع ذلك فالمعلومات المجموعة من السماء تحتاج الى معلومات تؤكدها من الارض. ولعل المعوق الاكبر هو التنافس داخل القوى الامنية في ليبيا ووسط الحكومة الانتقالية. ورغم كل هذه الخلافات وشك الامريكيين بقدرة الاجهزة الامنية الا ان صحيفة 'اوبزيرفر' نقلت عن مسؤول استخباراتي ليبي قوله انهم يلاحقون ما بين 12- 14 شخصا وتوقع ان يتم القبض عليهم والانتهاء من التحقيق في غضون ايام. وقال المسؤول ان شهود العيان والادلة التي جمعت من الهواتف النقالة تظهر ان المهاجمين كانوا مسلحين برشاشات وجاءوا بسيارات خاصة من خارج بنغازي وكانوا ملثمين. واكد مسؤول في اللجنة الامنية الخاصة في بنغازي ان المهاجمين هم افراد من 'انصار الشريعة'. وقد تم القاء القبض على اربعة اشخاص لم يكشف عن اسمائهم. لست مسؤولا من جهة اخرى دافع الشيخ خالد عبدالله من تلفزيون 'الناس' الذي كان اول من بث لقطات من الفيلم المسيء عن نفسه وقال انه لم يدع للعنف. ونقلت عنه صحيفة 'صاندي تلغراف' قوله انه شاهد لقطات من الفيلم على الانترنت وقرر عرضها على قناته نهاية الاسبوع الماضي في برنامحه 'مصر الجديدة'، وبعد ساعات من العرض قام السلفيون بالتظاهر في ساحة التحرير وامام السفارة الامريكية. وقال عبدالله للصحيفة ' لم اضمر اية نية سيئة، ولم ادع للعنف' واضاف ' ليس مثل انني صنعت الفيلم وكل ما فعلته هو انني نقلت الاخبار، ومن المثير للضحك ان يتخيل الناس في الغرب ان عرض دقيقة او دقيقتين من الفيلم على قناتي يجعلني مسؤولا عن الازمة'. وتقول ان عبدالله هو من جيل الفيسبوك ممن شاركوا في الاحتجاجات في ساحة التحرير العام الماضي، الذين كان معظمهم من الليبراليين المتعلمين في مدارس علمانية، اضافة الى الجزء الثاني من المتظاهرين من المحافظين والمعادين في العادة للغرب ممن اضطهدوا في عهد حسني مبارك والان يمارسون حريتهم. ويشير التقرير الى انه على الرغم من ابتعاد السلفيين عن مظاهر الحياة الحديثة الا انهم عارفون بالتكنولوجيا ماهرون في الاستفادة من العصر الرقمي ويعرفون التحشيد عبر الفيسبوك والانترنت. ويلقي عبدالله اللوم على نيقولا باسيلي نقولا الامريكي المصري الاصل والقبطي الذي قام بصنع الفيلم وحققت معه الشرطة الامريكية، وهو شخص متهم بالاحتيال.