بثت وكالة الأنباء المغربية الرسمية اليوم تعليقا حول مانشر مؤخرا على أعمدة الصحافة الجزائرية من أخبار بخصوص قضية الصحراء، عقب سحب المغرب لثقته من كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة. وجاء في هذا المقال أنه "في الوقت الذي تعرف فيه الجزائر غليانا سياسيا جراء نسبة المشاركة الضعيفة في تشريعيات 10 مايو ٬ تأبى الصحف المحلية إلا أن تختار وسيلة للتمويه وتحويل الاهتمام حول المواضيع الجوهرية المتعلقة بالبناء الديمقراطي في الجزائر لتركز حول الأخبار المتعلقة بالمغرب وقضية الصحراء على وجه الخصوص. وحسب عبد الرحيم منار السليمي٬ أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال بالرباط فإن المتتبع للصحافة الجزائرية والمواقع الإلكترونية الجزائرية يلاحظ أن قضية الصحراء حاضرة بشكل كبير في هذه المنابر٬ مضيفا أن الحوارات مع قياديي جبهة "البوليساريو" تعتبر حالة شبه دائمة في الصحافة الجزائرية. وأشار في تصريح لوكالة الأنباء المغربية إلى أن ملف الصحراء يعتبر ورقة يستعملها النظام السياسي في الجزائر لتعبئة الجزائريين٬ وتحويل أنظارهم عن المشاكل الداخلية والرهانات التي يعيشونها٬ ومن بينها الانتخابات ٬ مشيرا إلى أن هذه من سمات الأنظمة المغلقة التي تعاني من مشكل الدمقرطة. وأضاف أن الصحف الجزائرية تنخرط في عملية تحويل الأنظار هاته لأنها في نهاية المطاف موالية للنظام السياسي الجزائري. وقد خصصت الصحف الجزائرية٬ خلال أقل من عشرة أيام٬ عشرات المقالات للمغرب . ومن الغرابة بمكان أن يتزامن هذا الاهتمام البالغ مع الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية التي أثارت موجة من الاحتجاجات لدى عدد كبير من الأحزاب السياسية التي استنكرت عملية كبرى لتزوير الإرادة الشعبية. وأكثر من ذلك٬ أعلنت بعض الهيئات السياسية عن قرارها المشترك بمقاطعة أشغال البرلمان الجديد الذي من المرتقب أن يفتتح السبت القادم٬ معتبرة إياه فاقدا للشرعية. كما قررت هذه الأحزاب المنضوية تحت لواء "الجبهة السياسية لحماية الديمقراطية" "تشكيل برلمان شعبي" في 26 مايو القادم وهو اليوم الذي يصادف افتتاح البرلمان الجديد. فالتوتر السياسي الواضح الذي أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية أجج الاحتقان الاجتماعي في البلاد٬ كما أثار تخوفات حول تطور الوضع في هذا البلد الذي لازالت فيه ذكرى "العقد الأسود" (الحرب الأهلية في التسعينيات من القرن الماضي) تخيم على ذاكرة المواطنين الجزائريين التي تغيب جل انشغالاتهم اليومية وطموحاتهم عن صفحات الصحف المحلية التي تفضل البحث دائما عن منفذ لتحويل الاهتمام عن هذا المعطى الجديد. ففي مناورة دعائية مثيرة للشفقة استغلت الصحف الجزائرية الصادرة في العاصمة وفي وهران قرار المغرب سحب الثقة من المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة٬ إذ خصصت له الصحف الصادرة باللغة الفرنسية ما بين 17 و 22 مايو ثلاث افتتاحيات وعشرين تعليقا فضلا عن حوالي عشر مقالات٬ ونفس العدد خصصته الصحف الصادرة باللغة العربية ناهيك عن المواقع الالكترونية. وأعتبر الاستاذ تاج الدين الحسيني ٬ أستاذ العلاقات الدولية في تصريح مماثل أن الاستراتيجية الجزائرية٬ بوجهها العسكري والسياسي المتمثل في جبهة التحرير الوطني٬ تعتبر أن قوة الجزائر تكمن في ضعف محيطها الإقليمي وبالتالي فإنها تسعى للبحث عن مشاكل خارجية لتعزيز جبهتها الداخلية. وأكد أن الاهتمام المتزايد للصحافة الجزائرية بالمغرب هو محاولة منها خلق جبهة خارجية لتحويل اهتمام الرأي العام عن المشاكل الحقيقية التي تعيشها الجزائر في الداخل٬ مضيفا أن المغرب يبقى الوجهة المفضلة للقيام بهذه العملية. إن الاهتمام البالغ الذي خصصته الصحف الجزائرية للقرار المغربي السيادي يفضح ازدواجية الخطاب السياسي الجزائري. فتارة تدافع بقوة عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول٬ وتارة أخرى تحتفظ بحقها في التدخل في شؤون جيرانها٬ ولو بواسطة الوسائل الإعلامية٬ من خلال الركوب على المبادئ السامية بطرق ملتوية لكن غير مجدية. وبذلك تتجلى في أبهى مظهرها الكاريكاتوري عملية استغلال وسائل الإعلام بما فيها٬ مع الأسف٬ الصحف "المحترمة" . فالصحف الجزائرية٬ المعروفة بكونها ناطقة باسم مراكز قوى معينة٬ تتحين كل فرصة للتعليق على أي حادث كيفما كان حول الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل والفنية والرياضية إلى درجة أنها قد تخصص حيزا هاما لإضراب عمال النظافة في جماعة قروية نائية. إن الاهتمام بأخبار البلد المجاور شيء عادي٬ لكن أن يتجاوز الأمر ذلك ويتحول إلى هاجس مرضي فالأمر يثير الشكوك في النيات المبيتة التي تقف وراء ذلك والدوافع الحقيقية التي تتحكم فيه. والأمر يصدق تماما على الصحف الجزائرية .