الرباط "مغارب كم": بوشعيب الضبار قال رشيد نيني، مؤسس يومية "المساء" المغربية، المفرج عنه مؤخرا، بعد استنفاذ مدة محكوميته سنة كاملة، "لست ناقما ولاحاقدا على أحد"، مضيفا أن "الحقد لايصنع مستقبلا". واعتبر صاحب عمود "شوف تشوف"،الذي كان يتحدث مساء اليوم في حفل الاحتفاء بإطلاق سراحه من طرف لجنة " التضامن مع نيني والدفاع عن حرية الصحافة"، أن الفترة التي قضاها بين أسوار المركب السجني عكاشة بمدينة الدارالبيضاء،كانت بمثابة ضريبة دفعها مقابل حرية التعبير، متمنيا أن تكون تلك المحاكمة هي آخر محاكمة يتعرض لها صحافي في المغرب عن كتاباته وأرائه. واستعرض نيني بعض مظاهر التضيق عليه، سواء أثناء المحاكمة أو في السجن، وقال" لقد تم التعامل معي كمجرم، وكانت أداة الجريمة هي القلم، ولذلك تم حرماني منه". واسترسل نيني مشيرا إلى أن "من بين المفارقات التي تدخل في إطار ظروف التشديد، أن توضع إلى جانب مجرمي الحق العام، وأن تذهب إلى المحاكم وأنت مقيد بالأصفاد، بما يعني أن هناك إصرارا على جعلك أنك مجرم، ولست صحافيا، وهو إحساس فظيع جدا،وأعتقد أنه نوع من التعذيب". واستدرك نيني قائلا" إن الإيمان بعدالة قضية حرية التعبير يستحق هذه التضحية، ولقد أديت جزءا يسيرا من هذه الضريبة"، متمنيا ألا يدفعها صحافيون آخرون بعده،و"أن يكون لدينا قانون صحافي جديد ينتصر لحرية التعبير أكثر، وأن يخلو من المقاربة الأمنية للعمل الصحافي". وذكر نيني أنه من محاسن الصدف أن يتم تكريمه عشية الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، ومن سوء حظ المغرب أن يحتفل بهذا اليوم، على إيقاع تراجع كبير في الحريات،خصوصا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة والتعبير. وشدد نيني على أن القول "إن هذا التراجع يطرح علينا جميعا، حقوقيين وصحافيين، سؤالا جوهريا عن سؤال التعبير إلى أين؟"، قبل أن يضيف " هل سنستمر في هذه التراجعات؟ أم نضع نقطة النهاية لهذا المسلسل من الانتهاكات، ونتفق على طي الصفحة، وعلى المصالحة بين الجسد الإعلامي والدولة من خلال مؤسسة القضاء". وأكد مجددا " أن سؤال الحرية جوهري،لأنه لايمكن أن ننتقل إلى مناقشة بقية الحقوق دون أن نحسم في سؤال حرية التعبير، اعتبارا لكون هذه الحرية أساسية، وهي التي تضمن باقي الحريات". وأردف نيني:" لانريد أن نعطي عن وطننا صورة بلد يخاف من الرأي والأوراق الكلمات والأقلام، إن المغرب أكبر من هذا بكثير"، مشيرا إلى "أنه يستحق أن يكون في مستوى أخر، أكثر انفتاحا وقبولا للرأي". ولم يفت نيني أن يشكر كل الذين ساندوه، وكل من ساهم بقلمه أو بقلبه، أو بدعائه، وقال إنه ممتن للجميع،"ومحرج وخجول من هذه المحبة الغامرة التي لاتتسع لها الكلمات" . ووجه تحية خاصة للجنة التضامن معه، وعلى رأسها المناضل محمد سعيد أيت ايدر، الذي اعتبره نيني " مدرسة تاريخية في النضال ونكران الذات، نستخلص منها درسا عميقا، وهو ضرورة المقاومة،ليس بمعناها الحربي المسلح، ولكن المقاومة كرأي وموقف". وقال نيني :" يجب أن نتعلم النضال أو الدفاع عن فكرة أو مشروع يستحق المغامرة من أجله، حتى ولو أدى ذلك إلى السجن". وعبر نيني أيضا عن امتنانه لعائلته الصغيرة، ولأخته نورة، " التي كانت شبه معتقلة معي بشكل يومي، من خلال إحضار الطعام والجرائد". كما شكر الزوجة والوالدة، وقال "إنه يستشعر ثقل المسؤولية، لأنك عندما تسجن فردا، فإنك تسجن عائلة بكاملها". وتمنى نيني أن يوضع حد لمضايقة الصحافيين، مضيفا أن محنتهم لاتنتهي بعد مغادرة أسوار السجن،" فهناك أشكال وطرق شتى لتشديد الخناق عليهم." وفي هذا الصدد ذكر أن اليوم الأربعاء كانت لديه محاكمة جديدة في مراكش، من خلال دعوى رفعها ضده أحد ضحايا مقهى أركانة، يطالب فيها ب100 مليون عن أربع سطور نشرت في يومية" المساء". وبعد أن توقع أن تكون هناك محاكمات أخرى في الطريق،دعا نيني إلى الارتقاء إلى مستوى الدستور الحالي، وقال بهذا الخصوص ،" أعتقد أنه آن الأوان لتكوين آلية حقوقية أساسية، يشترك فيها الجميع لحماية حرية التعبير في المغرب، وذلك لكبح جماح بعض الجهات التي تريد خنق الأصوات وتكميم الأفواه". وشدد نيني" يجب علينا كصحافيين وسياسيين وحقوقيين وجمعويين ومواطنين أن نؤسس هذه الجبهة،" مقترحا أن يكون على رأسها المناضل محمد سعيد أيت أيدر، ومتمنيا أن يكون حبسه أخر الأحزان بالنسبة للجسم الصحافي. وعبر عن رغبته في أن يقوم المغرب بإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي الآخرين،" لتصفية هذا الملف، حتى ننطلق إلى المستقبل، وسجوننا خالية من معتقلي الرأي"، على حد تعبيره. وفي التفاتة ذات دلالة رمزية،تلقى نيني هديتين، عبارة عن قلمين ومذكرة تحت تصفيقات الحاضرين، وأغلبهم حقوقيون ومحامون ومعتقلون سياسيون سابقون، ومتعاطفون معه، وضمنهم الشيخ حسن الكتاني، أحد شيوخ السلفية المفرج عنهم بموجب عفو ملكي. ولدى تناوله الكلمة، أكد محمد سعيد أيت أيدر، أن نيني أدى ثمن الحرية، " والسجن كان قمعيا، ولن يحل المشاكل. القمع يزيد في حرارة المواجهة". وقال، إنه إزاء ماحصل، "مازال أمامنا نضال جد مهم لتوحيد الرأي المغربي حول الدفاع عن الكرامة ومواجهة القمع". ونوه أيت أيدر بتجربة نيني الصحافية، مذكرا أن عموده اليومي كان يثير قضايا تمس المجتمع المغربي، وقال إن هذا هو دور الصحافي، الذي يجب أن يساهم في توعية مجتمعه وتكوينه وتربيته على القيم. ومن جهته تحدث احمد ويحمان، منسق لجنة التضامن مع نيني، عن معاناة مؤسس يومية " المساء"،سواء أثناء المحاكمة او السجن، إلى أن أطلق سراحه تحت جنح الظلام، " ولذلك قررنا الاحتفاء به في واضحة النهار". وقال ويحمان،" إن الذين اعتقلوه بجبن، أبوا إلا أن يكرسوا جبنهم بإطلاق سراحه، بتهريبه ليلا، ايقظوه على الساعة الثالثة صباحا، ليطلبوا منه مغادرة السجن والجو ماطر". وخاطب ويحمان نيني قائلا" إن محنتك فضحتهم، وزنزانتك صرخت:" عندي أكبر صحافي .معزول ومحروم من القلم والورق، ومن ممارسة حرية المعتقد، ومع ذلك يتحدثون عن الحريات والضمانات." وكعادته دائما تطرق الفنان أحمد السنوسي بزيز بنوع من السخرية، وكرر ماقاله من قبل، وهو إن رشيد نيني أطلق سراحه، ولكن حرية الصحافة مازالت قيد الاعتقال. وزاد نيني متهكما:" لوكانت عندنا حرية لما اعتقل نيني". وأشار أيضا إلى الحكم الصادر في حق الصحافي علي لمرابط بالمنع من الكتابة لمدة عشر سنوات. وذكربزيز أن زنزانة نيني كانت مهيئة قبل محاكمته، و"هذا دليل على استقلال القضاء عن ..العدالة والقانون". وأكد بزيز " إننا لن نسكت من الآن فصاعدا عن اعتقال أي صحافي، أو إغلاق أي جريدة. يجب إعطاء الحرية للذين نختلف معهم".