لم يمنع إخراج رشيد نيني من سجن عكاشة، في فجر أول أمس السبت، الذين قدموا لاستقباله في جو ممطر من الانتقال من أمام بوابة السجن المحلي بعين السبع "عكاشة" إلى منزل والدته حيث تم استقباله استقبال الأبطال.. احتفالات عفوية ومشاعر الفرح التلقائية، وكل اختار التعبير بطريقته الخاصة حول مشاعر الحبور والسرور على مغادرة الرئيس المؤسس لجريدة "المساء" للسجن. بعد دقيقة من منتصف ليلة السبت، بدأت سيارات تتوافد وتتوقف أمام سجن عكاشة بالدار البيضاء، صحافيون وحقوقيون وعشاق عمود «شوف تشوف»، هناك من قدم من تطوان ومن أكادير ومن ورزازات وصفرو ومراكش والرباط وهلم جرا، الهدف واحد هو استقبال أشهر كاتب عمود بالمغرب بعد قضائه سنة سجنا نافذا. تجاذب بعضهم أطراف الحديث دون مبالاة بالمطر الذي يبلل أجسادهم بعدما غادروا سياراتهم، القلق والانزعاج يبدو على وجود بعضهم متسائلين: «ماذا لو أخرجوه حتى الساعة السادسة مساء، سيتركوننا ننتظر؟» ، ليأتي الجواب من آخر: غير ممكن فحسب ما علمنا فإن التوقيت المعتاد يكون صباحا، عندما تكون الإدارة تعمل، وأن الذين يغادرون ليلا هم المعتقلون الاحتياطون الذين تحكم المحكمة في ساعة متأخرة من الليل ببراءتهم». أمام بوابة سجن عكاشة في حدود الواحدة والنصف ليلا، قدم الفنان أحمد السنوسي، «بزيز» رفقة بعض الصحافيين، كان يرغب في طرق باب السجن للسؤال عن رشيد نيني ومعرفة متى سيغادر لكنه تراجع بعدما نصحه أحدهم بألا أحد يستطيع أن يقدم له الخبر اليقين وما عليه سوى الانتظار. لم يتوقف المطر عن السقوط ولم يتوقف معه المرابطون أمام سجن عكاشة عن طرح عدد من الأسئلة: ترى ما هو الوقت الذي سيتم فيه إطلاق سراح رشيد نيني؟ ترى هل سيتم إخراجه في الوقت الذي وطأت قدماه بالضبط سجن عكاشة أم أن الوقت لم يحدد بعد؟ لكن السؤال الذي لم يطرح هو هل يمكن أن يخرج نيني من باب غير الباب الذين رابطوا أمامه، خصوصا أن بعض العاملين بمؤسسة «المساء» وضعوا سياراتهم قبالة الباب الرئيسي للسجن، ليتسرب خبر في الساعات الأولى من الصباح مفاده أن نيني تم إخراجه في الساعة الثالثة والنصف صباحا من غير الباب الذي لم تغب أنظارهم عنه وعن مراقبته طيلة الليل. تم إجراء اتصالات هاتفية مكثفة من أجل التأكد من الخبر الذي تسرب، ليتأكد أن نيني غادر في الساعة الثالثة والنصف فجرا، وأنه تم إخراجه من باب آخر غير الباب الذي كان ينتظره فيه الذين أتوا للسهر أمام بوابة عكاشة تحسبا لكل طارئ. فتم التأكد من أن إدارة السجن خيبت آمال محبي وقراء رشيد نيني الذين قدموا من مدن مختلفة لاستقباله أمام سجن عكاشة ففوتوا عليهم فرحة أن يكونوا أول من يستقبله، وأفسدوا عليهم بذلك فرحة لقائه مباشرة بعد مغادرته السجن، كما حرم مصورو وسائل الإعلام من التأريخ للحظة خروجه من السجن. بعض أعضاء لجنة الدعم الذين حضروا لاستقبال نيني أعلنوا بأن حفل استقباله سيكون بمنزل أسرته على الساعة الحادية عشرة صباحا. استقبال بابن اسليمان بعدما غادر رشيد نيني السجن قضى الليل بمنزل والدته، وتوجه بعدها إلى منزل أسرته الصغيرة بمدينة الرباط، ليعود مجددا إلى مسقط رأسه حيث نظم حفل استقباله. المشهد أشبه بحفل زفاف، ورود وحليب وتمور وزغاريد تصدح من منزل أسرة رشيد نيني بمدينة ابن اسليمان، نغمات مختلفة ومتنوعة، إنه حفل استقبال نيني الذي استقبل استقبال الأبطال بعدما أتم عقوبته الحبسية. والدة رشيد نيني وشقيقاته زين أيديهن بالحناء فرحا بعودة أخيهم الذي غاب سنة كاملة وراء القضبان، رقصات وأغاني «عبيدات الرمى»، الذين أبدعوا لحظتها أغنية خاصة بالحدث، جعلت بعض الحاضرين يرقصون فرحا بخروج نيني، بل إن جارا لأسرته لم يمنعه لباسه الرسمي من أن يرقص طويلا، زغاريد لم تتوقف، أناشيد خاصة تمت إذاعتها عبر مكبرات الصوت، ومنها أغنية مهداة إلى والدته. كانت الاستعدادات من الساعات الأولى من الصباح، لافتات كبيرة حملت صور نيني، وأناشيد تلقائية لأطفال، وشعارات منددة باعتقال نيني، وإن كان أقاربه لم يحبذوا فكرة ترديد الشعارات أو حمل لافتات لا علاقة لها بالحدث، لأن المناسبة مناسبة فرح وسرور وليست وقفة احتجاجية، كما أصر بعض من حضروا الحفل على حمل لافتة عليها صورة «بنكيران والهمة ورشيد نيني»، حامل اللافتة لم يستجب لطلب أسرة نيني بإزالتها، وأصر على ذلك وقال «إنه مواطن ويقف بالشارع العام ومن حقه أن يعبر عن رأيه»، كما أن هناك من اختار ترديد شعارات لا علاقة لها بالحفل. الانتظار كان هو سيد الموقف، الجميع ينتظر وصول، وبعدها بدأت استعدادت استقباله بعدما وصل. الحشد الكبير من الحاضرين لم يترك الفرصة لنيني كي يخرج من السيارة بعدما قدم من الرباط حيث كان بمنزله، الجميع يرغب في تحيته ورؤيته، وبشق الأنفس دخل نيني إلى منزل والدته ليخرج ليشارك في حفل استقباله. وزعت أسرة نيني التمور والحليب على المواطنين الذين حضروا، لكن لم يتمكنوا من إجراء الاستقبال كما كان مقررا، إذ لم تستطع شقيقته أن تلبسه إكليلا من الزهور بسبب الازدحام الشديد. كلمات وتهاني تناوب بعض الحاضرين على الكلمة وسط حشد كثيف، أحمد ويحمان، منسق سكرتارية اللجنة الوطنية للتضامن مع رشيد نيني والدفاع عن حرية الصحافة، الذي قال إنه «رفعا للتحدي الذي وضعه أمامنا المهربون الذين فرضوا على الأستاذ رشيد نيني أن يستيقظ على الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ويطلبوا منه مغادرة السجن والجو ماطر جدا، لقد هربوه تحت جنح الظلام، وأصررنا على الاحتفال به في واضحة النهار» واعتبر أن محنة رشيد نيني هي امتحان للإرادة السياسية، بعدما قيل الكثير عن الحريات والضمانات على ضوء مقتضيات الدستور الجديد. وذكر بأن اعتقال رشيد نيني ومتابعته بالقانون الجنائي بدل مقتضيات قانون الصحافة المخول في البت في قضايا النشر، إذ تمت متابعته في حالة اعتقال وسجنه وعزله حتى داخل زنزانته لدرجة منعه من الأوراق والأقلام وحتى ممارسته لحرية المعتقد بالصلاة داخل مسجد السجن، هو امتحان للإرادة السياسية وأن ما يقال عن الالتزام بهذه الحريات ودولة القانون والمؤسسات هو كلام في كلام لا يسنده الواقع. وهنأ ويحمان نيني وعائلته على الصبر والتحمل وهنأ زميلاته وزملائه، وتحدث عن أن الكثير من شريفات وشرفاء هذا الوطن مستعدون لمواجهة الاستبداد والفساد لأن معركة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية معركة طويلة الأمد. ولم يترك الحضور ويحمان يتمم كلمته، لأنهم كانوا متعطشين ليسمعوا كلمة رشيد نيني، الذي قال فيها إنه ظلم، وتمنى أن يكون آخر صحافي يتابع كمجرم، ويعتقل بسبب كتاباته. وشكر رشيد بالمناسبة كل من سانده، ومن تضامن معه، ابتداء من الصحافة والفعاليات السياسية الحزبية والفعاليات الحقوقية في مدينة بنسليمان، وأيضا المواطنين العاديين الذين نظموا مسيرات للتضامن معه في مدينة بنسليمان أو في مدن أخرى. كما شكر لجنة الدعم المكونة من كل ألوان الطيف السياسي والتي كان على رأسها المناضل اسعيد أيت إيدر. محمد اشماعو، عضو هيئة الدفاع وعضو اللجنة الوطنية للتضامن مع رشيد نيني والدفاع عن حرية الصحافة، قدم بدوره التهاني الحارة للصحفي رشيد نيني وإلى أسرته الصغيرة والكبيرة ولكل من تضامن معه حقوقيا وسياسيا وجمعويا داخل المغرب وخارجه. وأبرز اشماعو أن هيئة الدفاع كانت تتمنى من محكمة الدرجة الثانية أن تصحح الحكم الابتدائي الجائر، لكن للأسف ذهب إلى ذلك الحكم وقضى بعقوبة سنة سجنا نافذا قضاها رشيد بالتمام والكمال. وأضاف قائلا: «تحية نضالية للصحفي رشيد نيني الذي ظل يدافع عن كلمته وعن خطه التحريري، ونعتبر نحن في هيئة الدفاع أن ملفه كان سياسيا بامتياز، وذلك بالرجوع إلى السياق الذي اعتقل فيه الصحفي رشيد نيني وأيضا التهم التي توبع من أجلها والتي لا علاقة لها بالقانون المنظم، فتحية نضالية له فمرحبا بك في بلدك الحبيب ما دمت تدافع عن الصحافة والكلمة الحرة». أما الفنان أحمد السنوسي «بزيز» فحيى جماهير مدينة بنسليمان التي ستظل جوهرة حاضرة في قلب رشيد نيني، مضيفا بالقول «ها نحن نعانق رشيد نيني وها هو يعانق الحرية، لكن تبقى حرية محروسة ومؤقتة، نقول للذين تعسفوا على نيني إنهم تعسفوا علينا جميعا، وبفضل هذا الشعب العظيم الصامد سنستمر في الدفاع عن حرية التعبير... لقد خرج نيني من السجن وبقيت حرية التعبير معتقلة، الحرية لشعبنا التي ناضل من أجلها رشيد نيني وسيستمر شاهرا قلمه للدفاع عن الحرية والكرامة» . في انتظار العودة بعد انتهاء حفل الاستقبال دخل نيني المنزل، رغب عدد من المواطنين في السلام عليه وتهنئته، فبدأ التناوب على ذلك، ومنهم مواطنون لم يمنعهم فقدانهم للبصر من أن يصروا بدورهم على السلام على صاحب أشهر عمود بالمغرب. كان الإصرار في أن يسلم كل من حضر مباشرة على نيني، ومنهم من احتج على حرمانه من ذلك بسبب الازدحام، وبعدما قضى نيني ساعات بمنزل والدته عاد إلى منزله بالعاصمة الرباط ليرتاح قليلا من ظلمات الزنزانة وعالم السجن الموحش، في انتظار أن يستجيب لآمال قرائه وعشاق أسلوب كتابته ويعود إلى عموده «شوف تشوف».
رشيد نيني: لا تنازل عن حرية التعبير ظلمت وأتمنى أن أكون آخر صحافي يتابع كمجرم لا كصحافي ... أشكر أبناء مدينة بنسليمان مسقط الرأس ومسقط القلب أيضا، أتمنى أن تكون مدينة بنسليمان في مستوى التطلعات المنتظرة للدفاع عن حرية التعبير. هذه مناسبة لأعبر عن شكري لكل من تضامن معي بمناسبة الإفراج عني بعد أن قضيت عقوبة سجنية مدتها سنة، وهي العقوبة التي أعتبرها ظالمة.. إنها مناسبة أيضا لكي أشكر كل من ساندوني، ابتداء من الصحافة والفعاليات السياسية الحزبية والفعاليات الحقوقية في مدينة بنسليمان، وأن أشكر المواطنين العاديين الذين نظموا مسيرات للتضامن معي في مدينة بنسليمان أو في مدن أخرى.. أنا ممتن لدعمهم.. أشكر لجنة الدعم المكونة من كل ألوان الطيف السياسي والتي كان على رأسها السيد محمد بنسعيد أيت إيدر وأشكره على كل الجهود التي ما قام بها. أشكر أيضا ويحمان، عبد الاله المنصوري.. السنوسي، هشام الشرقاوي، أشكر لجنة الدفاع وكل الأساتذة الذين ترافعوا لتأكيد براءتي وعلى رأسهم منسق لجنة الدفاع الأستاذ خالد السفياني وكل المحامين الذين ساندوني تطوعا وجاؤوا للدفاع عن الحق في التعبير. أشكركم على هذا اللقاء الجماهيري الساخن والحار والأخوي الذي أعجز عن وصفه وإن له تأثيرا كبيرا على نفسي.. أتمنى أن أكون آخر صحافي يعتقل بسبب كتاباته، وأن أكون آخر صحافي يتابع بالقانون الجنائي بدل قانون الصحافة. وأتمنى أن يحاكم الصحافيون كصحافيين لا كمجرمين على كتاباتهم بقانون صحافة جديد وليس بالعودة إلى القانون الجنائي.. أشكر أيضا كل الزملاء من مختلف المنابر الإعلامية سواء المسموعة أو المكتوبة أو المرئية الذين واكبوا لحظات الاعتقال ومحنتي تتبعا وسؤالا.. أشكر كذلك شباب حركة 20 فبراير الذين حملوا صوري وكل الصور المدافعة عن حرية التعبير في المغرب، التي باتت شرطا أساسيا وحقا لا تنازل عنه. فلا يمكن أن نتنازل عن الحق في التعبير.. إن حقنا في التعبير بكل حرية هو الشرط الأساس والأكثر ملحاحية، أما باقي الحقوق فيمكن أن نناقشها في ما بعد.. أنا مدين لكم بهذا التضامن. أشكر كل من ساندني مرة أخرى.