الرئيس الموريتاني لا يحب الشعراء.. هذا ما خلص إليه بعضهم وهو يستمع لتشخيص أسباب تخلف موريتانيا وأن "مأساتها في كونها بلد المليون شاعر" العبارة ليست لمن يحسدون بلاد شنقيط على تراثها وسمعتها التي اشتهرت بها في المشرق والمغرب العربيين، ولكنها للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز خلال حديثه لوسائل إعلام فرنسية. يقولون إن موريتانيا هي بلد المليون شاعر وهذه هي مأساتنا". هكذا يرد ولد عبد العزيز على صحفي فرنسي يسأله عن الوضع المتأزم في بلاده بسبب البطالة وموجة الاحتجاجات التي قال إنها "لا تقلق حكومته"، مشيراً إلى أنه "قد طلب من وزير الداخلية أن يدعو المعارضة إلى التظاهر إذا هي لم تقم بذلك"، حسب ماأورده اليوم موقع" صحراء ميديا". وإذا كانت الدعوة للتظاهر لم تثر ردة فعل كافية لدى الطبقة السياسية التي تسعى بعض قواها لاستعمال سلاح الاحتجاج لأقصى مدى، فإن الشعراء الحساسون بطبعهم وجدوا في عبارة الرئيس نوعاً من "السخرية اللاذعة، والإهانة، وعدم الاحترام، ولعله لا يعدو أن يكون من باب سخرية زوجة سقراط من الفلسفة والفلاسفة"، كما يقول الشاعر والصحفي المختار السالم. المختار السالم بحساسية الشاعر، قال إنه "كان يجب على الرئيس أن يتفاخر بهؤلاء الشعراء الذين رفعوا راية البلاد في محافل الشعر الدولية"، مشيراً إلى أن محمود درويش "الذي لا يجامل، قد شهد بموهبة الشعراء الموريتانيين". أما الأديب والشاعر التقي ولد الشيخ فقد علق على الموضوع بأنه "كان بإمكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يرفع من شان الاهتمام بالثقافة دون التقليل من شأن الانصراف إلى الآداب الإنسانية والاعتناء بالشعر خاصة وأن بلدنا إنما عرف من خلال سفرائه العلماء والشعراء الذين أعطوا لكلمة شنقيط ألقاً عالميا ولمعانا معروفا". ومن زاوية أخرى ينظر التقي ولد الشيخ لتصريحات ولد عبد العزيز على أنها "خالفت إستراتيجية معروفة لدى الحكام على مر العصور وهي شغل العامة بالأدب والمساجلات لتغض الطرف عما يمارسونه داخل قصورهم، وعلى سبيل المثال نشير إلى تشجيع الأمويين للنقائض التي شغلت الناس وقسمتهم فسطاطين بين مؤيد لجرير ومناصر للفرزدق وبذلك انشغلوا عن مسألة أحقية الأمويين في الحكم"، على حد تعبيره. ردود الفعل لم تقتصر على الشعراء وإنما تجاوزتهم إلى الصحفيين حيث قال محمد عبد الرحمن ولد الزوين، رئيس رابطة الصحفيين الموريتانيين والمدير الناشر ليومية السفير، إنه "تفاجأ مما نسب إلى الرئيس من أن مشكلة موريتانيا هي في الشعراء والتخصصات الأدبية"، مشيراً إلى أن "شنقيط ظلت على مر التاريخ أرض المنارة والرباط وقلعة من قلاع العلم والأدب شكل الشعر رافدها الأساسي فتميزت بأن علماءها شعراء وهي ميزة قلما توجد إلا في شنقيط"، حسب قوله. وطالب ولد الزوين الرئيس بأن "يسمو فوق هذه الاعتبارات الضيقة وأن لا يجعل من نفسه خصما لكل الموريتانيين"، مشيراً إلى أن "موريتانيا عبارة عن نسيج حضاري مشكل من عدة مكونات جمعها التاريخ والثقافة والدين والعلم". أما الصحفي محمد سالم ولد الخليفة فقال إنه "على مر التاريخ ظلت الشعوب تساس من طرف قادة فكريين سواء كان هؤلاء المفكرون علماء أو فلاسفة أو شعراء"، مضيفاً أن "هؤلاء هم من يقودون الشعوب ويوجهونها بوصف الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يوجه عبر العلوم"، وفق تعبيره. وفيما كان الشعراء يركزون في ردود فعلهم على التاريخ الموريتاني الحافل بالشعر، كان ولد عبد العزيز ينظر إلى موريتانيا "المنجمية" التي قال "إنها بحاجة إلى الكثير من المهندسين والتقنيين فيما يعاني الآلاف من البطالة". واعتبر أن "الأزمة التي تعاني منها موريتانيا هي أزمة تعليم، فالشباب غير مكونين حسب حاجة السوق"، مشيراً إلى أن المتخصصين في القانون والاقتصاد والآداب والشعر يقدرون بالآلاف فيما يقدر المهندسون بالآحاد فقط، واستدل على ذلك بقوله "اليوم لدينا عاطل واحد في مجال العمران وآخر في مجال الكهرباء الميكانيكية". وفي تشخيصه لأزمة التعليم قال ولد عبد العزيز إن نسبة 86% من الحاصلين على الباكلوريا تخصصهم أدبي، بينما 14% من التخصصات العلمية، مؤكداً أن العمل متواصل منذ سنتين على حل هذه المشكلة. واختتم حديثه بأنه "تم إنشاء مراكز للتكوين التقني، كما ستفتح ثانويات تقنية على عموم التراب الموريتاني"، مؤكداً أنه "سيكون هنالك غياب تام للآداب لأنها هي المشكلة التي نعاني منها في موريتانيا"؛ كما قال ولد عبد العزيز.