انتقل اليمن إلى قائمة الدول العربية التي تمكنت فيها شعوبها من إزاحة رؤسائها بفضل انتفاضة التغيير التي اندلعت شرارتها قبل أكثر من عام من تونس، السوريون لا يزالون يقدمون أرواحهم فداء للحرية ولا أحد يدري متى سينتصر شعب سورية ووفق أية صيغة سيزاح الرئيس بشار الأسد ونظامه الدموي. قائمة الأنظمة الفاسدة لا تزال قائمة ولا بد أن التساؤلات تطرح الآن عن الشعب السعيد القادم الذي سينال حريته، لا أحد يدري من بالضبط، لكن الأكيد أن الجزائر واقفة في الصف تنتظر دورها. أعلم أن الموضوع حساس بالنسبة لكثير من الجزائريين، خاصة الذين لا يزالون يعتقدون أن التغيير يمر حتما بالعنف والقتل حتى أن بعض السذج يتبجحون بالقول إنهم يفضلون البقاء على الحال المزرية التي هم عليها على أن تهب على البلد نسائم الربيع الديمقراطي العربي. لكن ما رأي هؤلاء إذا علموا أن رئيس البلد صار يدعو بعظمة لسانه إلى التغيير؟ استغل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مناسبة ذكرى تأميم المحروقات ليخطب في شعبه داعيا إياه إلى المشاركة الكثيفة في الانتخابات البرلمانية المقررة في العاشر من شهر مايو المقبل، انتخابات قال إنها ستكون الفاصل بين عهد إلى زوال وعهد جديد، ثم أضاف أن هذه الانتخابات تمثل فرصة تاريخية للجزائريين لا تقل أهمية عن نوفمبر سنة 1954، وهو التاريخ الذي اندلعت فيه ثورة التحرير المسلحة عبر كامل التراب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي وانتهت بعد سبع سنوات ونصف إلى إعلان استقلال البلد. لست متفقا تماما على أن هذه الانتخابات يمكن أن تحمل معها أي تغيير وسأعود إلى هذا الموضوع بعد أن أتوقف قليلا عند أهمية التغيير بالنسبة للشعب الجزائري بشهادة رئيس الدولة على ذلك. بوتفليقة قال مخاطبا الجزائريين، إذا أردتم الإصلاح والتغيير فغيروا، ثم ساق لهم الآية الكريمة التي تقول (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) . التغيير إذن صار حتميا وضروريا لصالح البلد والشعب ورئيس الجمهورية نفسه يقر ويؤمن بذلك، وهو إقرار نفهم منه أن بوتفليقة نفسه لم يعد قادرا على إخفاء حقيقة واقع الجزائريين الذي بلغ الحضيض وصار يرجو نجاته في حركة تغيير تقوده إلى عهد جديد سماع بوتفليقة (عهدا آخر). النظام الجزائري كان إلى عهد قريب يؤكد لأبناء الشعب أن بلادهم في منأى عن حركة التحرر التي تنتشر في ربوع البلاد العربية، وحجته في ذلك أن الجزائر شهدت ثورتها قبل 24 عاما وهي في كل الأحوال ليست تونس ولا مصر ولا ليبيا، لكن بعد أن سقطت قلعة القذافي التي كان حكام الجزائر يراهنون ويبذلون ما أوتوا من جهد لوأد الثورة هناك تأكد لهم أن تسونامي التغيير سيطالهم لا محالة فقرروا ركوب الموجة وتوجيه الدفة بما يخدم مصالحهم واستمرارهم في الحكم، وفجأة صار بوتفليقة الذي داس على الدستور وقوانين البلد برفضه اعتماد أي حزب جديد يتحدث عن الأحزاب الجديدة ويسمح باعتماد أحزاب بالجملة (ثمانية أحزاب دفعة واحدة) في آجال قياسية، وبدأ يتحدث في مجلس وزرائه عن فتح قطاع الإعلام السمعي البصري للخواص بعد أن كان منذ فترة حكمه الأولى التي باشرها عام 1999 يقول ويكرر هو ووزراؤه أنه لن يسمح بإنشاء قنوات تلفزيونية وإذاعية خاصة أو مستقلة بحجة أن الجزائريين غير مؤهلين لذلك، ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الحديث عن فتح هذا القطاع لا يعني أنه مفتوح بل لا أحد يعلم إن كان ذلك سيتحقق في عهد الرئيس الحالي أم سيتأجل إلى عهد آخر. بعض الذين التقوا الرئيس بوتفليقة وآخرين من أركان النظام نقلوا عنهم انطباعا قالوا فيه (إنهم مرعوبون وخائفون من تطورات الأحداث في المنطقة العربية) وهذا ما نلمسه طبعا في خطابات الرئيس التي كثرت هذه الأيام وفي تصريحات مسؤولين حزبيين وحكوميين آخرين، فهم يدركون تماما أنهم عرضة لموجة التغيير الكاسحة اليوم أو غدا وبما أنهم لا يرغبون، كغيرهم من أزلام الأنظمة الفاسدة، في التخلي طواعية عن الحكم فإنهم يبحثون عن أحسن الخدع لإيهام الناس بأنهم يقودون حركة التغيير لكنهم في الحقيقة يعملون على إطالة أعمارهم على كرسي السلطة بتزكية من الشعب. والآن نجد أن الهاجس الأكبر لأركان النظام الجزائري هو نجاح خدعة الانتخابات البرلمانية من خلال تحقيق مشاركة واسعة للناخبين والحرص على أن لا تظل نسبة المقاطعة عالية كسابق عهدها في المواعيد الأخيرة، وفي هذا الصدد أشار الرئيس بوتفليقة في خطابه الأخير إلى أن الاستحقاقات القادمة (ليست كسابقاتها)، مشيرا في هذا إلى أن (أعين العالم كلها متجهة إلى الجزائر)، ثم تحدث عن حضور المراقبين أو الملاحظين الأجانب الذين (سيشهدون على شفافية ومصداقية الأمور). وزارة الداخلية تجندت منذ أسابيع عبر رسائل قصيرة إلى هواتف الجزائريين تحثهم على المشاركة في الانتخابات بحجة أن ذلك حقا وواجبا وطنيا، وقد فتحت وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية أبوابها واسعة أمام الأحزاب ومثقفي السلطة لترغيب المواطنين في التوجه إلى مراكز الاقتراع وترهيبهم أيضا إن هم تخلوا عن ذلك، وقد ذهب أحدهم إلى حد تحذير المقاطعين الذين لن يلطخوا أصابعهم بالحبر يوم الاقتراع أن المجتمع سينظر إليهم على أنهم مجرمون محرومون من حقوقهم السياسية. وقد نقلت صحيفة الخبر عن رئيس الحكومة أحمد أويحيى قوله في اجتماع مع مناضلي حزبه إن انتخابات العاشر من مايو 2012 تشبه من حيث أهميتها استفتاء 1962 الذي صوت فيه الجزائريون لصالح استقلالهم عن فرنسا، كما نقل عن وزير الداخلية دحو ولد قابلية قوله إن البرلمان القادم سيكون بمثابة المجلس التأسيسي لأنه سيضع الدستور الجديد للبلد، وهو نفس ما ألمح إليه بوتفليقة، وهو كلام غير صحيح طبعا. فالنظام لا يهمه شيء آخر حاليا غير تحقيق مشاركة واسعة يوم الاقتراع حتى ينقل الملاحظون الأجانب ذلك، أما الكلام عن التغيير وأهمية الحدث بالنسبة للجزائريين فهو ليس إلا للاستهلاك وخداع البسطاء من الشعب. ولتحقيق هذه المشاركة الواسعة لم يتوان النظام عن الترويج عبر وسطائه إلى أن للمواطن الجزائري الذي لا يرضى بأي حزب من الأحزاب الموجودة الحق في أن يضع ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع لأن المهم بالنسبة إلى الحاكم الآن هو أن تكون نسبة المشاركة مرتفعة ولا يهم بعد ذلك أن تكون نتيجة التصويت لصالح هذا الحزب أو ذاك أو أن تكون نسبة الأوراق البيضاء أو الملغاة مرتفعة، ولا ندري إن كانت الحكومة ستفكر في إعداد أوراق بيضاء إلى جانب أوراق المرشحين أم لا! قد تفرز الانتخابات القادمة في الجزائر أغلبية جديدة غير التي تعود عليها الجزائريون، وقد تكون إسلامية مثلما صار يروج لذلك المحسوبون على هذا التيار أو كما توقع رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، لكن هل سيحقق ذلك التغيير المنشود في الجزائر؟ لن أجيب على السؤال الآن، لكني أدعو القارئ الكريم إلى التمحيص جيدا في الأحزاب الموجودة حاليا قديمها وجديدها والعثور بينها على وجوه جديدة لم يتلطخ ماضيها بشكل أو بآخر مع النظام القائم، وحتى إن وجد فيها نزهاء فكم هي نسبتهم أمام الكم الهائل من السلعة الغثة؟ إذا وجدوا فإن نسبتهم ستكون ضئيلة جدا، فهل ستكون قادرة على إحداث التغيير ومواجهة الفساد أم أن النظام سيستعملها كما استعمل من قبلها لتذكير الناس أن هناك فعلا ممارسة ديمقراطية في البلد بدليل وجود معارضة تقول ما تشاء بكل حرية، وهنا ينسى الكثير أن السلطة لم تعد تتحرج منذ سنوات عديدة من معارضة لا يتجاوز دورها الكلام مع الحرص على أن يتلاشى صوتها وسط كم هائل من غثاء السيل الذي يصب جميعا مثل سحابة هارون الرشيد في جيب واحد. لن أعترض على نتائج الانتخابات القادمة إذا تكللت جهود النظام في حشد أكبر نسبة من الناخبين، لكن رجاء لا تحاولوا أن تقنعونا أنها ستحملنا إلى عهد جديد يتغير فيه حال الجزائريين، فتلك كذبة كبرى لا نملك إلا أن نندد بها وننتظر حلول الموعد الحقيقي لحدوث التغيير، وأهم مظاهره أنه يفسح المجال لجميع الجزائريين للترشح دون إقصاء ولا استثناء، وهذا بطبيعة الحال لن يتحقق إلا إذا فتحت أبواب الجزائر أمام المهمشين والمنفيين في بلدهم أو في الخارج، وعندها فقط يمكن للجزائري أن يستبشر بعهد جديد فعلا لن يبقى فيه وجود للفساد ولا لوجوه الفساد التي تتحدث عن التغيير وفق الطريقة الثعبانية.