جاء فوز الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 8 أبريل لتؤكد أن جيل حركة المقاومة وجيش التحرير في الجزائر لا يزال هو المالك الحقيقي لزمام الأمور منذ الاستقلال وحتى الآن، بينما الجيل الجديد لم يتمكن بعد من تسلم دفة الحكم، وهو ما يؤكد، بحسب المراقبين، عجز هذا البلد المغاربي عن الدخول في طور تشبيب قياداته. فعبد العزيز بوتفليقة هو أحد خريجي مرحلة الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر في الخمسينات، وأحد صناع السياسة الجزائرية في بداية الاستقلال، عندما كان إلى جانب الهواري بومدين وزيرا للخارجية في الستينات، وهذا معناه أن الجزائر يمكنها الانتظار حتى عام 2007 لتحاول تجديد نخبتها الحاكمة. المفاجأة حقق بوتفليقة في انتخابات 8 أبريل فوزا ساحقا على باقي منافسيه الخمسة، حيث حصل على 8.489.487صوتا بنسبة 83.49% من مجمل الأصوات المعبر عنها وهي 10455389 صوتا، يليه علي بن فليس، رئيس جبهة التحرير الوطني، بحصوله على 806458 صوتا، بنسبة 7.93%، ثم عبد الله جاب الله، رئيس حركة الإصلاح ذات التوجه الإسلامي، الذي حصل على 015 492015صوتا بنسبة 4.84%، وسعيد سعدي، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ذي التوجه العلماني الفرنكوفوني، الذي حصل على 196434 صوتا بنسبة 1.93 %، ولويزا حنون، الناطقة باسم حزب العمال اليساري التروتسكي، التي حصلت على 118367صوتا بنسبة 1.16%، وأخيرا علي فوزي رباعين، رئيس حزبعهد 54 الجديد، الذي حصل على 65073صوتا بنسبة 0.64%. وقد فاز بوتفليقة في هذه الانتخابات بنسبة فاقت نتائج انتخابات 1999 التي حصل فيها على 74% من الأصوات، بعد انسحاب المنافسين الستة، احتجاجا على التزوير، عندما ظهرت بوادر على أن الجيش يقف إلى جانب بوتفليقة، بالرغم من الفارق في نسبة المشاركة في ذلك الوقت عما كانت عليه في الانتخابات الأخيرة، حيث كانت هنا أضعف منها عام .1999 وأرجع المشرف على الحملة الانتخابية لبوتفليقة، عبد المالك السلال، تقدم الرئيس الجزائري على منافسيه بتلك المسافة الكبيرة إلى ثلاثة أسباب: أن بوتفليقة حقق وعوده التي قدمها للشعب الجزائري عام ,1999 وهي عودة السلم والإعلان عن مشروع الوئام المدني، ثم إعادة الجزائر إلى الساحة الدولية مجددا بعد عزلة دامت طويلا، وأخيرا الانتعاشة التي حققها الاقتصاد الجزائري، أما عبد الرزاق مقري، عضو حركة حمس الإسلامية، التي أيدت بوتفليقة، فقد أرجع أسباب ذلك الفوز إلى أن بوتفليقة قد نال أصوات أغلبية قواعد جبهة التحرير الوطني ، خاصة في البوادي، والتي منحت أصواتها له دون بن فليس، وكذا أكثرية أصوات الناخبين الإسلاميين وأعضاء التجمع الوطني الديمقراطي، حزب السلطة سابقا، بعد خروج جبهة التحرير إلى ساحة المعارضة. لكن مفاجأة الانتخابات لم تتمثل في فوز بوتفليقة، بقدر ما تمثلت في النسبة الكبيرة من الأصوات التي حاز عليها على حساب منافسيه الذين تقاسموا جميعهم أقل من 20% من الأصوات، بينما حصل بوتفليقة على أربعة أخماس الأصوات المتبقية. وقد طرحت هذه النتيجة عدة تساؤلات في الأوساط الجزائرية ولدى المهتمين بالشأن الجزائري في الخارج، على الرغم من أن المراقبين الدوليين الذين حضروا في 125 مكتبا للتصويت، تم اختيارها بعشوائية، أكدوا نزاهة عمليات الاقتراع، بل وأعلن بعضهم أن وضع الديمقراطية في الجزائر قد حقق تقدما ملحوظا في السنوات الأخيرة من خلال ما حدث في الانتخابات، وفي نظر البعض فإن حصول بوتفليقة على تلك النسبة العالية من أصوات الناخبين تعود بالأساس إلى كونه ركز حملته الانتخابية على قضية السلم والأمن الداخليين، وهما القضيتان اللتان تشغلان بال الجزائريين أكثر من أي شيء آخر، وأكد عزمه على ولاية ثانية لإنجاح المشروع الذي حمل لواءه منذ العام الأول من ولايته السابقة، وهو استكمال الوئام المدني والوصول به إلى وئام وطني جامع. المرشحون الخمسة يحتجون جرت الانتخابات في ظل غياب أقوى تنظيم سياسي، وهو الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وفي ظل تساؤلات عريضة حول دعم جزء منها، ممثل في رابح كبير، أحد قياديي الجبهة الموجودين في ألمانيا، لترشيح بوتفليقة، وكان الشيخ عباسي مدني زعيم الجبهة قد أعلن قبل أشهر عن وجود خطة لدى الجبهة لتحقيق المصالحة في الجزائر، وأعلن رفضه إجراء الانتخابات كحل لما يقع في البلاد منذ أزيد من عشرة أعوام، ومقاطعة الانتخابات. وجرت هذه الانتخابات أيضا في ظل مقاطعة من لدن جبهة القوى الاشتراكية لحسين آيت أحمد ذات التوجه العلماني الفرنكوفوني، والحركة الديمقراطية الاجتماعية، اللتين اقترحتا خطتين للخروج من الأزمة، تدعو إلى وجوب تشكيل مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد وتدشين مرحلة انتقالية من ثلاث إلى خمس سنوات يقوم خلالها الجيش بمراقبة عملية الانتقال الديمقراطي، وكذلك الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني، عبد الحميد مهري، الذي دعا الشعب الجزائري إلى مقاطعة الانتخابات وطالب بعقد مؤتمر وطني تشارك فيه جميع التشكيلات السياسية، بما فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، للخروج من الأزمة التي توجد فيها البلاد، وهو اقتراح شبيه بالاقتراح الذي تبناه مؤتمرسان إيجيديو بإيطاليا عام 1995 الذي شاركت فيه الجبهة الإسلامية وعدد من الأحزاب والشخصيات السياسية في الجزائر ورفضه النظام الجزائري، وكان سببا للقطيعة بين جبهة التحرير والسلطة، أدت إلى إبعاد مهري من قيادتها والمجيء ببن حمودة مكانه، وإنشاء حزب التجمع الوطني الدمقراطي كمتكإ حزبي للسلطة بدلا من الجبهة. بعد إعلان النتائج الرسمية على لسان وزير الخارجية يزيد زرهوني، عبر المرشحون الخمسة المنافسون لبوتفليقة عن احتجاجهم مؤكدين أن الانتخابات شابها التزوير كالعادة، ورفض علي بن فليس الاعتراف بفوز بوتفليقة، معتبرا أن نسبة الأصوات التي حصل عليها كافية للتدليل على أن الاقتراع خضع للتزوير، وشبه بوتفليقة بالرئيس الكوري الجنوبيكيم سونغ إيل، إشارة إلى كونه أصبح ديكتاتورا جديدا. أما حركة الإصلاح لعبد الله جاب الله، فقد أعلن رئيس حملتها الانتخابية أن المعركة ما تزال مستمر >ولن تتوقف عند الاقتراع<، وقال إن النتائج تعكس حجم التزوير الذي شاب الانتخابات واستغلال وسائل الدولة للتحكم فيها، بينما قال سعيد سعدي إن حزبه سيقوم بتقييم سياسي للانتخابات قبل أن يقرر، لكنه أشار إلى أن على النظام >أن يضع قدرتنا على المعارضة في الحساب<، والأمر نفسه أعلنه فوزي رباعين، رئيس حزب عهد ,54 الذي قال إن حزبه سيبقى مدافعا عن خيار الديمقراطية حتى تتحقق في الجزائر. وبخلاف ما حدث في الانتخابات السابقة عام ,1999 فإن المرشحين الخمسة هذه المرة لم يوجهوا اتهاماتهم إلى المؤسسة العسكرية، واكتفوا بتوجيه الاتهام إلى الرئيس الفائز باحتكار وسائل الدولة لغايات انتخابية، وتوظيف منجزاتها لفائدته في حملاته التي سبقت الموسم القانوني للحملة الانتخابية، عبر القيام بعدة جولات في مختلف الولاياتالجزائرية. وربما يعود هذا الصمت تجاه الجيش إلى الاقتناع بأن كبار الجنرالات باتوا غير مستعدين للتدخل في الانتخابات، مستندين على التصريحات العديدة التي كان قد أدلى بها رئيس أركان الجيش الجنرال محمد العماري خلال الأشهر الستة الأخيرة، عندما قال إن الجيش لن يتدخل لصالح أي مرشح من المرشحين، ولن يكون له مرشح مفضل، وأن مهمة الجيش ستكون هي الحفاظ على قيم الجمهورية والديمقراطية والأمن، ولن يعترض على نتائج الانتخابات الرئاسية، حتى لو أتت بعبد الله جاب الله كمرشح إسلامي وحيد، كما صرح لجريدة الأهرام المصرية في يونيو .2003 ما بعد 8 أبريل وصفت بعض الصحف الجزائرية ما وقع يوم 8 أبريل بأنهزلزال سياسي سيكون له ما بعده، وتتعدد سيناريوهات المرحلة المقبلة لما بعد الانتخابات، بين عصيان مدني قد يلجأ إليه علي بن فليس، رئيس جبهة التحرير المنشقة بين جناحين، بعد أن سد في وجهه باب أية تسوية سياسية ممكنة مع خصمه بوتفليقة، وأصبح في موقع يهدده بالانسحاق أمام الأغلبية الساحقة من الأصوات التي حصل عليها بوتفليقة، وبين لجوء المرشحين الخمسة إلى الطرق القانونية للطعن في نتائج الانتخابات، ولكن هذا الخيار ليس واردا بالنسبة لبن فليس، الذي جرب اللجوء إلى المحاكم في قضية الجبهة في الصيف الماضي، عندما أصدرت إحدى المحاكم قرارا بمنع أنشطتها، كما أن فوزي رباعين صرح بأن اللجوء إلى المجلس الدستوري للطعن في الانتخابات لن يؤتي النتائج المطلوبة. وفي ما تبقى خيارات المرشحين الخمسة قليلة أمام تجربة مشابهة عام 1999 عندما انسحب المرشحون المنافسون لبوتفليقة دون أن يؤثر ذلك في مسار الانتخابات، يرى المراقبون أن عبد العزيز بوتفليقة سيجد نفسه الرجل القوي الوحيد في الجزائر هذه المرة، مرتكزا على الثقة التي حصل عليها ليحكم خمس سنوات أخرى، سيكرسها لوضع يده بشكل أكبر على السلطة ومواصلة مشروع الوئام المدني، لكن التحدي الأبرز أمامه سيكون علي بن فليس، الذي يتوفر في البرلمان الحالي على أغلبية عددية، وهو ما قد يدفع بوتفليقة إلى حل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة لصنع أغلبيته، ومن تم إقصاء بن فليس، خاصة وأن أنصار بوتفليقة يعتبرون فوزه الكاسح في الانتخابات الأخيرة دليلا على أنه الممثل الشرعي لجبهة التحرير الوطني. إدريس الكنبوري