ديكتاتورية الحكام الليبراليين الذين سقطوا ومعهم جوقتهم الليبرالية المثقفة، كانت أحد أسباب الصعود الصاروخي للإسلاميين»، هذا رأي ردده البعض بحماسة وشماتة، وآخرهم الصديق الدكتور حمد الماجد. من يقول إن القذافي والأسد وصالح ليبراليون، لا بد أنه لا يعرف معنى ما يتحدث عنه. فما كل من ليس بإسلاموي، ليبراليا. الليبرالي شخص يؤمن بالحريات للجميع، والتساوي في الحقوق. فهل يعقل أن يصنف بشار الأسد، فقط لأنه يلبس بدلة وحليق الذقن، ليبراليا إلا بمقدار أن نصنف كاسترو الملتحي إسلاميا أيضا! هؤلاء عسكريون قمعيون توتاليتاريون، ولا يهم إن كان الزعيم منهم يلتحف بجلباب مثل آية الله في إيران، أو يتجمل ببدلة عسكرية مزركشة مثل البشير في السودان، أو يرتدي بدلة بيريوني إيطالية مثل الأسد. الخطأ الأدهى، هو الاعتقاد بأن الليبراليين خسروا في مصر وتونس، بناء على نتائج الانتخابات التي اكتسحها الإسلاميون في البلدين. الحقيقة أن الليبراليين كسبوا بما لم يحلموا به، كسبوا النظام، مصر وتونس تبنتا الفكر الليبرالي. فالاحتكام للصندوق الانتخابي، والقبول بمبدأ الحريات، والاعتراف بالحقوق والحريات للجميع، للنساء والأقليات الدينية، كلها قيم ليبرالية. لقد فاز الليبراليون على ظهور الخيول الإسلامية والقومية وغيرها ممن انخرط في العملية السياسية الجديدة. يا أخي حمد.. صدقت خسر الليبراليون، لكن فازت الليبرالية. وحدث ذلك في أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والنظم الشيوعية، حيث فاز فيها شيوعيون ولم يحتج أحد أو يطالب بمنعهم. الليبرالية ليست جماعة، بل مفاهيم عامة تستوعب الجميع بمن فيهم خصومها طالما يقبلون بمبادئها، بخلاف النهج الشيوعي أو الديني المتطرف أو البعثي الذي يقوم على الإقصاء. وانتصار الليبرالية يتمثل جليا في الخطاب الذي تبناه الإخوان المسلمون والجماعة السلفية في مصر، وحرص حركة النهضة الإسلامية التونسية على تكرار تأكيدها بتبنيها مفاهيم الحقوق والحريات. بل المفاجئ قدرة السلفيين، وهم الأكثر تحفظا وتشددا، على التأقلم مع النهج الجديد، حيث إن أحد شباب السلفيين رفض أن ينسب لتياره شعار «معا نصلح الدنيا بالدين»، قائلا: إن شعارهم هو «هوية وعقول عصرية بأيادي مصرية». ونرى قوة الفكر الليبرالي في أن من اعتمدته فئات ثلاث، العسكر والسياسيون والشارع، ونحن نشهد حالة الانتقال من الادعاء الليبرالي، كما كان في زمن مبارك وبن علي، إلى التطبيق الليبرالي. وهو الفكر الذي شاع في أنحاء العالم، من اليابان الصناعية، إلى الهند الروحانية، إلى روسيا مهد الشيوعية، إلى الغرب المادي. لكن يجب أن نقول أيضا إن المجتمعات صاغت تطبيقات مختلفة للمفاهيم الليبرالية، بحسب ظروفها الاجتماعية والثقافية. ولهذا، نرى في مصر فشل تطبيق قوانين انتخابية تمنع استخدام الدين، المساجد والخطب، في التكسب السياسي، أي الشق العلماني في التجربة الليبرالية المصرية، والفشل أمر مقبول ومفهوم ومبرر. ومن خلال تجربتهم الخاصة، سيقرر المصريون لأنفسهم ما يلائمهم، وليسوا مضطرين لنسخ تجربة ويستمنستر، أو تبني المفهوم العلماني الفرنسي. أما فوز الإسلاميين فقد أعطى شرعية للفكر الليبرالي، وفوزهم فوز لليبراليين، وليس العكس كما قرأها البعض خطأ.