لا يبدو أن الكلام الذي سمعه رئيس الحكومة المغربية المعيّن عبدالإله بن كيران من زعامات تاريخية لأكبر الأحزاب هو نفسه الذي تلقاه من قياداتها الحالية. وفيما ظهر أن كلاً من عبدالرحمن اليوسفي ومحمد بوستة وأحمد عصمان والمحجوبي أحرضان استبشروا بالتفاتته الموحية، بعدما تعمّد زيارة هؤلاء الروّاد بالتزامن مع الاجتماع بشركائه المحتملين في الائتلاف الحكومي المقبل، فإن الممسكين بزمام المبادرة في فاعليات عدة فضّلوا إلى الآن عدم الحسم في اتخاذ مواقف نهائية من الانضمام إلى الموالاة أو الانتقال إلى المعارضة. وبينما ترك حزب «الاستقلال» بزعامة رئيس حكومة تصريف الأعمال عباس الفاسي لنفسه هامشاً أكبر لاتخاذ موقف حاسم إزاء مشاركته في حكومة زعيم «العدالة والتنمية» عبدالإله بن كيران، فإن حليفه «الاتحاد الاشتراكي» أظهر تردداً يعزى إلى انتظار تبلور المواقف في الأيام المقبلة. وقالت المصادر إن اللجنة التنفيذية ل «الاستقلال» عرضت في اجتماع أول من أمس إلى نتائج اقتراع الجمعة الفائت وتطورات الموقف السياسي وحظوظ التحالفات المرتقبة. لكنها فوّضت المجلس الوطني (برلمان الحزب) التزام الموقف النهائي في اجتماع مقبل. وصرح قيادي في الحزب المحافظ بأنه في حال الوفاق حول المشاركة في حكومة بن كيران فإن لحزبه شروطاً واستفسارات ونقاشاً حول البرنامج المزمع تنفيذه. وينظر أكثر من مراقب إلى موقف حزب «الاستقلال» الذي احتل الرتبة الثانية ب 60 مقعداً من أصل 395، بأنه سيكون مؤثّراً لجهة جلب شركائه في «الكتلة الديموقراطية» لدعم تجربة الائتلاف الجديد. لكن الحزب قد يقلب كل المعادلات في حال التزم المجلس الوطني موقفاً مغايراً. وإن كان الراجح أن «الاستقلال» لا يريد أن يبدو في موقف يعاكس التيار. بيد أن بن كيران عبّر عن سعادته في حال انضمام «الاتحاد الاشتراكي» إلى الائتلاف الحكومي الذي سيقوده. وقال: «سأكون سعيداً في حال حدوث وفاق بانضمامه إلى التحالف». وجدد في الوقت ذاته احترامه موقفه إذا اختار توجهاً آخر. لكن القيادي في «الاتحاد الاشتراكي» محمد الأشعري، وهو وزير سابق للثقافة، كتب أمس: «لا نريد الحكم مع العدالة والتنمية». وشرح ذلك: «إننا نريد أن ندافع عن مشروع آخر غير مشروعهم، (عن) مشروع مجتمعي يؤمن بفصل السياسة عن الدين، ويؤمن بالمساواة بين النساء والرجال، ويؤمن بحرية التفكير والإبداع والتعبير، وبالتعددية الثقافية واللغوية وقيم الحداثة والتقدم». كما تساءل نجل الزعيم التاريخي للاتحاد الاشتراكي عبدالرحيم بوعبيد عن مستقبل اليسار المغربي. وكتب علي بوعبيد أنه مدعو إلى التفكير ملياً في الأمر، أقله من خلال «فتح نقاش داخلي حول شروط تجديده (اليسار)». ورأى أن التجربة أثبتت أن المشاركة في الحكومة تمنعه من القيام بذلك و «إلا فإن توجهه في أدعاء الزعامة في مجال الدفاع عن الحريات والتقدم الاجتماعي سيُقبر نهائياً». وتقول مصادر «الاتحاد الاشتراكي» إنه بصد درس تداعيات أي موقف يلتزمه، أكان لجهة دعم حكومة بن كيران والمشاركة فيها، أو معاودة الالتحاق بصفوف المعارضة تحت ضغط الأطراف التي تدفع أكثر في هذا الاتجاه. وتوقعت تكهنات أن ينفرد حزب «التقدم والاشتراكية» بموقف مغاير لشريكيه في «الكتلة الديموقراطية» عبر الإعلان عن مشاركته في الحكومة المرتقبة، بخاصة أن الميثاق الذي يربط الأحزاب الثلاثة - «الاستقلال» و «الاتحاد الاشتراكي» و «التقدم والاشتراكية» - لم يعرض إلى إمكان تباين مواقفها بهذا الصدد، ما جعلها تخوض المنافسات الانتخابية كأحزاب وليس ككتلة بمرشحين مشتركين. وثمة من يفسّر صدور مواقف متباينة أو غير نهائية بانتظار ما ستؤول إليه مشاورات رئيس الحكومة المعيّن. كونها ما زالت تطاول الالتزامات المبدئية، ولم تنتقل بعد إلى توزيع الحقائب واختيار الأشخاص. ويرى مقربون إلى «العدالة والتنمية» أن تمسك الحزب الإسلامي ببعض الحقائب التي قد لا يقل عددها عن خمسة في حال خفض المناصب الوزارية سيركّز على القطاعات الحيوية التي تتعلق بتنفيذ برنامجه الانتخابي مثل المال والعدل والشؤون العامة والإعلام. لكن ذلك لن يصبح في وارد التنفيذ إلا في ضوء الاتفاق على الحد الأدنى من البرنامج الذي يلتف حوله شركاء الحزب في الائتلاف الحكومي. ولاحظت المصادر أنه على عكس الاندفاع الذي ميّز مواقف غالبية الأحزاب السياسية في التعاطي وحكومة التناوب التي شكّلها عبدالرحمن اليوسفي في ربيع 1998، فإن الكثير من مظاهر التحفظ والتذبذب لبّدت الأجواء السياسية في البلاد، على إثر فوز «العدالة والتنمية» بالرتبة الأولى في الانتخابات. ورأت المصادر أن بعض الفاعليات التزم موقف المعارضة حتى قبل أن تبدأ المشاورات. وعلى الصعيد الإقليمي، انبرت الجزائر نحو تهنئة حزب «العدالة والتنمية» بفوزه في الاستحقاقات الاشتراعية، في سياق تطور سياسي يعكس مرونة في التعاطي والحركات الإسلامية.