جيد جدا أن سارع عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي بعد الفوز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى القول إن محوري الحكم هما، الديمقراطية والحكم الرشيد، وإن الحزب لن يتدخل في الحياة الخاصة للمغاربة رغم مرجعيته الإسلامية. كذلك فعل راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة من قبله بكثير، مع قياديين آخرين وحتى بعد فوزهم في انتخابات المجلس التأسيسي في تونس قبل أكثر من شهر. الحزبان الفائزان في تونس والمغرب يدركان أيضا، على ما يبدو، أن ما ينتظرهم لمعالجة مشاكل بلديهما الاقتصادية والاجتماعية ثقيل بحيث لا ينطبق عليهم الرسم الساخر قبل أسابيع في صحيفة مصرية لجماعة من الملتحين تحلقوا يسألون شيخهم العابث بمسبحته بين أصابعه: مولانا وما هي الحلول لأزمة البطالة وتفاقم الديون عندنا فيجيبهم: 'الله أعلم' !!. طبعا الله أعلم أولا وأخيرا ولكن أن يقولها المرء في حياته شيء وأن يقولها سياسي اختاره الناس لتولي شؤونهم العامة شيء آخر مختلف تماما. العبرة من مثل هذا الرسم الساخر كله أن هؤلاء الإسلاميين جميعا وقد وصلوا للحكم مدعوون الآن لمعالجة معضلات البلاد والعباد، بعيدا عن أي خطاب وعظي سواء كان واعدا أو متوعدا. هؤلاء ظلوا لعقود ينتقدون السياسات القائمة ودفعوا أثمانا باهظة لقاء ذلك، لكنهم اليوم في الصفوف الأولى من المسؤولية وعليهم إثبات أنهم أهل لها بالفعل. شتان بين التعاطف مع معارض مقموع وصرامة مواجهته مسؤولا. من حق هؤلاء أن يتمتعوا بفترة سماح معقولة وأن يحاسبوا على أفعالهم أكثر من أقوالهم، ولكن من واجبهم أن يعلموا أنهم أمام امتحان تاريخي جديد تعطى فيه الفرصة ثانية لهؤلاء الذين طرحوا أنفسهم لعقود كبدائل لنرى ما إذا كانوا فعلا كذلك، أم أن من كان يخوفنا بهم حتى نبقى على استبداده وفساده، قد لا يكون مخطئا كثيرا. لماذا الحديث عن فرصة ثانية؟ لأن كل الذين حكموا أو يحكمون باسم الاسلام لم ينتجوا في الغالب سوى كوارث متعددة الأبعاد في إيران وأفغانستان والسودان سابقا وحاليا وغيرها. لقد أصاب الغنوشي عندما اعترف قبل يومين بأنه 'ليس هناك تجارب إسلامية معاصرة ناجحة في الحكم'. صحيح أن هؤلاء الإسلاميين الجدد لا يتحملون بالضرورة وزر هؤلاء ولكن الحذر يقتضي استحضار هذه التجارب السابقة حتى لا نظل في عبثية تجربة المجرّب. كل الأنظار تتابع الآن بمزيج من الأمل والحذر، من الحرص والقسوة، هؤلاء الإسلاميين الجدد القادمين في تونس والمغرب، وربما لاحقا في مصر وليبيا وسورية. لقد جاؤوا اليوم بخطاب سياسي جديد الكل سيمتحن مصداقيته من ناحية وقدرة هؤلاء على أن يكونوا رجال دولة أكفاء من ناحية أخرى. السلطة امتحان رهيب وهي تنزع بطبعها إلى الاستبداد والفساد. إما إثبات جدارة في إدارة الشأن العام يفحمون به العدو قبل النصير، وإما سقوط في نفس المستنقع الذي سقط فيه من قبلهم فيستوي وقتها التقي وخلافه. السياسة لا تفرق بين الاثنين طالما لم يفرق الساسة أنفسهم بين المرجعيات النظرية والاستحقاقات العملية. تصريحات الإسلاميين الفائزين في تونس والمغرب إيجابية مبدئيا لكن لا أحد يمكن أن يضمن نفس الشيء من إسلاميي مصر مثلا الأكثر تشددا. تجربة الإسلاميين الجديدة في الحكم قد تمثل المخرج الأمثل للخروج من عقدة الاضطهاد التي لازمتهم لعقود، شرط ألا يضطهدوا هم الآن غيرهم باسم الله الذي لم يفوض إلا رسله الكرام، أما هم فلم يفوضهم إلا الشعب لمهام محددة توسم فيهم الخير لإنجازها. ومع فرصة رفع الفيتو الدولي السابق على وصولهم الحكم يوجد أمامهم طريقان: إن نجحوا، على الجميع أن يصفق لهم، كما في تركيا، وإن فشلوا فعليهم التنحي كما تنحى من كان قبلهم. إن لم يكن بصناديق الاقتراع فبغيرها. هذا هو الدرس الذي خبره الجميع الآن.