الرباط مغارب كم": سعيد بنرحمون تحدث، محمد نجيب بوليف، النائب البرلماني عن طنجة والخبير الاقتصادي في حزب العدالة والتنمية المعارض، في حوار مع "مغارب كم" عن التدبير الحكومي للزمن الانتخابي وعن البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية في شقه الاقتصادي، الذي أثار العديد من ردود الأفعال بين المتفائل بقدرة حزب المصباح على تحقيق ولو جزء منه ومن يعتقد أنه مجرد شعارات لن يستطيع إخوان بنكيران تحقيقها.وفيما يلي نص الحوار. كيف تقيمون خطوة تراجع الحكومة عن صندوق التضامن مع الفقراء في النسخة المعدلة من مشروع قانون المالية؟ -لا يخفى على المتتبع الموضوعي للعمل الحكومي في الفترة الأخيرة أنه أصبح يتخبط خبط عشواء. فمنذ الإعلان عن تاريخ الانتخابات يوم 11/11 ثم التراجع عنه، إلى انخراط بعض أحزاب الأغلبية الحكومية في تحالف مع أحزاب في المعارضة وتقديم برنامج انتخابي موحد...إلى التدبير المرتبك لملف الانتخابات... يلاحظ أننا أمام أطراف متنازعة داخل الحكومة، جزء منها يقرر وجزء آخر يربك العمل...وما الارتباك الحاصل في عرض مشروع القانون المالي على البرلمان ثم سحبه في نفس اليوم، ثم تقديم نسخة مختصرة من المشروع الأولي للمالية إلا دليل آخر على أننا أمام صراع خفي داخل الحكومة، تضيع معه مصالح الوطن والمواطنين. فالتراجع عن صندوق التضامن مع الفقراء مثلا، دليل على أن الأحزاب التي تدعي أنها ليبرالية، ومنها حزب "مزوار"، لم تكن مستعدة للنزول للانتخابات وهي تحمل بعض المؤسسات المالية حملا جديدا لدعم الفقراء، كما أن المشروع الحالي قد أزيلت منه الضريبة على السيارات "فينييت" بالنسبة للسيارات الفارهة، ويدخل ذلك في نفس المنطق، عدم إزعاج الفئات الغنية في المغرب. بالانتقال إلى البرنامج الانتخابي لحزبكم هل تعتقدون أن فترة يومين التي اعتكف فيها بعض أعضاء المصباح في بوزنيقة على إعداده كانت كافية لوضع تصور واضح لما سيترافع به الحزب أمام الناخبين؟ - لقد بدأنا العمل لوضع تصور ومنهجية برنامج الحزب منذ سنتين، وذلك بعد الانتخابات الجماعية مباشرة، وقد تكونت وقتها عدة لجان موضوعاتية طلب منها العمل على حصر السياسات العمومية، كل في مجال اختصاصها، مع تقييمها وفق أحدث المناهج العلمية. ثم بعد ذلك بكثير تم دمج بعض القطاعات الحكومية، وذلك وفق الأولويات الكبرى التي اعتمدها الحزب في برنامجه...أما فترة الاعتكاف، فهي التي تمت فيها المصادقة على جزء كبير من محتويات عمل اللجان الموضوعاتية، وكانت محطة لترشيد عمل الفريق المصغر الذي تابع بعد ذلك الإعداد وإخراج برنامج حزب العدالة والتنمية، من خلال وضع الأهداف والإجراءات العامة ثم الإجراءات التفصيلية. ماهي أهم الإجراءات التي تنوي العدالة والتنمية اتخاذها لترشيد نفقات الدولة على مستوى التسيير؟ -إن مختلف الإجراءات المتعلقة بدعم موارد الدولة وتقليص النفقات، فيها ما له علاقة بدعم القدرات العامة للبلاد، على أساس "الزيادة"، ومنها ما يتعلق بتدبير ما هو كائن على أساس "التقليص". ففي الخانة الأولى نجد مثلا الرفع من مستوى النمو بنقطتين، وكذلك إحداث ضرائب جديدة على المواد الكمالية وعلى بعض مؤشرات ومظاهر الثروة...وهي أمور من شأنها الرفع من مداخيل الدولة، وفي الجانب الثاني، نتحدث مثلا عن تجميع القطاعات الوزارية المشتغلة على ملفات متقاربة، واعتماد النفقات وفق الأهداف وليس وفق القطاعات، وتحديد نسبة معينة من النفقات الطارئة في الميزانيات، والتقليل من النفقات غير المنتجة كالسفريات "السياحية" والحفلات والهدايا...التي تعتبر بروتوكولا غير ذي منفعة بالنسبة للبلاد...وفي برنامج الحزب حوالي 100 إجراء تتعلق بمجال الحكامة التدبيرية يمكن الرجوع إليها بالتفصيل. هل تنوون تقليص نفقات أجور وزرائكم في حالة نجحتم في الوصال إلى قيادة الحكومة؟ -في الحقيقة مثل هذه الأسئلة والمطالب ليست هي الأصل الذي يتطلع إليه المغاربة، فما القيمة المضافة التي سيقدمها تقليص أجرة 40 وزيرا مثلا بمليون أو مليوني سنتيم؟ ففي الحالة القصوى التي قد يخفض فيها أجر الوزراء ب20000 درهم، يعني ذلك أننا سنمكن خزينة الدولة من حوالي 9 ملايين درهم سنويا...وأن بعض الوزراء في هذه الحالة لن يحصلوا إلا على نصف راتب مدير مركزي يعمل تحت إشرافهم... المطلوب منا التفكير في تغييرات حقيقية جوهرية تهم المجتمع ككل، وتمس الواقع العام المتعلق بمزيد من الحكامة، ومزيد من الرقابة على تبذير المال العام، ومزيد من التحكم في النفقات الطارئة والزائدة، وتحصين المسؤولين العموميين من الرشوة والفساد والمحسوبية...آنذاك سيكون الربح كبيرا وسينتفع المجتمع...في المغرب أجور في القطاع العمومي تصل إلى حوالي 10 أضعاف أجر الوزير، وفي القطاع الخاص مسؤولون يتوصلون شهريا بأكثر من ذلك...فاستحقاق الأجور ينبغي أن يكون حسب المردودية وحسب القيمة المضافة، وليس حسب المنصب في حد ذاته...في أمريكا مثلا، أستاذ جامعي معين قد يحصل على أجر يساوي 10 أضعاف أستاذ جامعي آخر لأنه كل سنة يتم تقييم عمله، وتكون أجرته السنوية وفق هذا التقييم. ما الإجراءات التي تعتزمون اتخاذها على مستوى محاربة الريع الاقتصادي في البلاد؟ -لقد عاش المغرب حوالي 50 سنة من منطق الريع السياسي والاقتصادي، بحيث أن نظام الترضيات كان هو السائد لإسكات الغاضبين واستقطاب الداعمين والمؤيدين والموالين، وبالتالي عرفت الثروات المغربية استنزافا غير مسبوق خلال أكثر من 50 سنة...ونحن نقول الآن كفى من هذا الاستنزاف من طرف حفنة من المحظوظين، كفى من العبث بخيرات البلاد، وجب اقتسام الثروة وحصيلة النمو بطريقة عادلة بين المغاربة، وبالتالي فإن الإجراءات التي نقترحها شاملة وتمس جوهر المقاربة التنموية التي نعتمدها في العدالة والتنمية، والتي تؤسس لنموذج تشاركي، يكون للجميع فيه نصيب، كل حسب قدراته ومؤهلاته...ونموذج مقترحاتنا العديدة: التمكين للاستثمار المنتج للثروة، عوض الاستثمار الريعي، ضمان الشفافية وحماية المبادرة الحرة والمنافسة، مما يقلل من الرخص الريعية، ضمان فعالية ونزاهة التعيين في المناصب العليا عبر إصدار القانون التنظيمي المحدد لمبادئ ومعايير التعيين وخاصة منها تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية، مما سيمكن من تجاوز الريع الإداري والوظيفي، تعزيز الإطار القانوني للصفقات العمومية وتقوية اختصاصات المؤسسات الرقابية في هذا المجال، مما سيجعل القادرين على المنافسة والإنتاجية والمردودية هم الذين سيربحون المشاريع....إلخ. راج في العديد من اليوميات الوطنية أن المصباح ينوي تضريب الفلاحين (الكبار) هل هذا المعطى حقيقي؟ وإذا كان كذلك فكيف ستطبقونه؟ -من الواضح جدا أن المغرب يعرف اختلالات كبيرة على صعيد عدالة النظام الضريبي. فمنذ الأيام الأولى للاستقلال حرض النظام المغربي على الاستقواء بالعالم القروي وبالفلاحين والملاك، وذلك ليكونوا سندا له ضد "المستقلين في القرار" و "التقدميين" و"الاشتراكيين" و غيرهم في المجالات الحضرية بالأساس، وعليه فقد تم إعفاء البادية من أداء الضريبة، وهو ما جعل فئات عريضة من الملاك والفلاحين يصبحون من أغنى أثرياء المغرب...بينما في المقابل نجد "الرأسماليين" في القطاعات غير الفلاحية يؤدون الضرائب...بل حتى التعاونيات تؤدي الضرائب إذا زاد رقم معاملاتها عن مبلغ معين... لا يعقل في مغرب القرن الواحد والعشرين أن يبقى كبار الفلاحين الذين يحققون أرباحا طائلة معفيين من الضرائب، والمغاربة يتصارعون مع البطالة وضعف التشغيل وصندوق المقاصة وصندوق التقاعد...يحتاج مغرب 2012 تضامنا كليا و لا مشروطا بين جميع فئاته، فالاستقرار مبني على العدالة في توزيع الثروة والعدالة في توزيع ثمار النمو، وهذه أولى أولويات البرنامج الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية. ماهي الملامح الأخرى للبرنامج الاقتصادي للعدالة والتنمية؟ -إن الهدف من برنامجنا الاقتصادي هو بناء اقتصاد وطني قوي وتنافسي ومنتج وضامن للعدالة والتنمية، وذلك من خلال: • اعتماد مقاربة جديدة للتنمية الاقتصادية مبنية على الحكامة الجيدة، (اعتماد إطار استراتيجي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتفعيل الاستراتيجيات القطاعية، وتطوير بنيات الاقتصاد التعاوني والتضامني، ودعم الاقتصاد "الحقيقي"، وإنهاء اقتصاد الريع والاحتكار والهيمنة والحد من المضاربة، واعتماد مقومات الاقتصاد "النظيف" المحترم للبيئة والطاقة...). • رفع تنافسية الاقتصاد الوطني (تنويع عرض الصادرات والبلدان التجارية الشريكة، ووضع سياسة استباقية إزاء تقلبات الأسعار العالمية، إصدار ميثاق/مدونة جديدة للاستثمار محفزة، تمكين المقاولة المغربية الوطنية من حصة في الصفقات العمومية، وضع سياسة استثمارية للمغاربة القاطنين بالخارج، اعتماد نظام تمويلي تشاركي بإدخال المنتجات الإسلامية، تفعيل الدور التنموي للبورصة...) • تفعيل قواعد الشفافية والنزاهة والفعالية وتطويرها وإنهاء الاحتكار في النظام الاقتصادي وتحسين مناخ الأعمال ( تطبيق مقتضيات الشفافية والنزاهة في الصفقات العمومية، إقرار إطار قانوني لمنح الرخص والامتيازات والاستثناءات وإصلاح قانون نزع الملكية، مراقبة "عقود البرنامج" من طرف المؤسسة التشريعية، إصلاح قضاء الأعمال...)، • اعتماد نظام جديد للمالية العمومية والإطار الضريبي قائم على التبسيط والفعالية والإدماج (رفع مستوى شفافية وفعالية الاستثمار العمومي ومضاعفة مردوديته، إصلاح شمولي للإطار القانوني المنظم للقانون المالي، اعتماد إستراتيجية شجاعة لحل الإشكالات الجوهرية للمالية العمومية كالمقاصة والتقاعد والقطاع غير المهيكل، مراجعة النظام الجبائي المغربي لجعله نظاما أكثر عدالة وفي خدمة التنمية، ضبط السلطة التقديرية للإدارة الضريبية...)، • إقرار نظام فعال وعادل لتوزيع ثمار النمو (دعم التشغيل الذاتي، إحداث منح للتدريب لسنتين بالنسبة للعاطلين حاملي الشهادات، تفعيل آليات الوساطة في سوق الشغل، دعم احترام قوانين الشغل وإخراج قانون الإضراب...). • تقوية الطبقة الوسطى ومكافحة الفقر ومحاربة البطالة (تعزيز أنظمة التعاون والتعاضد والتضامن، تطوير برامج الحماية الاجتماعية...).