لم يستطع الخصوم السياسيون في ليبيا أن يتجاوزوا خلافاتهم العميقة أمام العالم وكشفت الدعوة الموجهة إلى الدولة الليبية للمشاركة في مؤتمر روما، مؤتمر أصدقاء ليبيا، عن واقع سياسي مخجل، يجمع بين أطراف عملية سياسية غير متوازنة. صراع لم يتوقف من الطبيعي وووفق أبجديات البروتوكلات الدولية حين توجّه الدعوة لدولة ما أن تسارع بتشكيل وفد موحّد يجمع برلمانيين وتنفيذيين بحسب الحاجة لوجودهم، وطبقاً لطبيعة الحدث المراد تدراسه وتوجهاته ومحاوره. اختلف الأمر في ليبيا، فالدعوة للدولة الليبية من الأصدقاء في الخارج، اصطدمت بصراع ‘الإخوة الأعداء' في الداخل الذين يتربص كل طرف منهم بصاحبه، وينتهز الفرصة للانقضاض عليه. أعضاء المؤتمر الوطني ‘البرلمان الليبي' منذ عدة أشهر يجتمعون ويخططون ويتوعدون حكومة السيد زيدان بالإقالة والتغيير. تكررت عمليات التصويت لسحب الثقة، لكن في كل مرة كان السيد زيدان ينجو بأعجوبة. لعدم تمكنهم من الوصول إلى سقف التنفيذ 120 صوتا. تطور الخلاف بين الطرفين حتى بلغ الاتهام المباشر من رئيس الحكومة السيد علي زيدان لأعضاء في البرلمان بالتدبير والتحريض على خطفه فجرا ً من مقر إقامته في إحدى فنادق طرابلس والاعتداء على حاجياته الخاصة وأوراق ووثائق تخص الدولة الليبية بل أيضاً كما صرح رئيس الحكومة ‘سرقة ملابسه الداخلية' ومن ثم التحقيق معه من جهة، أحيانا تكون مجهولة وأحيانا أخرى تصبح معلومة. وبعد ساعات يتوجه السيد رئيس البرلمان إلى مكان اختطاف رئيس الحكومة ويتسلمه ويتوجه بالشكر للخاطفين على حسن المعاملة. عضلات بوسهمين في مواجهة عضلات زيدان استمرت المعارك السياسية ‘المدعومة ‘ في كثير من جولاتها باستعراض كل طرف لأجنحته العسكرية. ومن العجب العجاب أن يستصدر رئيس البرلمان الليبي، قرارا يعتبره قائدا أعلى للقوات المسلحة، تتعالى الأصوات لإلغاء القرار ثم يعود البرلمان من جديد ويعيد تنصيب السيد نوري بوسهمين رئيس المؤتمر الوطني ذي المهام التأسيسية والتشريعية في أضيق الحدود، قائدا أعلى للقوات المسلحة الليبية، ومن المفارقات أيضا التي أفرزتها محاولات استقواء كل طرف على الآخر أن جعل منصب رئيس الأركان تابعاً للبرلمان، هوالذي يعينه وهوالذي يقيله وهوالذي يصدر له الأوامر. ولا سلطان لوزير الدفاع أو رئيس الحكومة عليه يتخذ قراراته – وحدث هذا كثيرا- بمعزل عن وزير الدفاع فقط بأوامر من رئيس المؤتمر الوطني. رئيس الحكومة هو أيضاً يكشر عن أنيابه من آن لآخر وهو الذي استطاع أن ينتزع مبلغ 900 مليون دينار بقرار من البرلمان الليبي ليقوم بتوزيعها على ‘ميلشيات مسلحة' تدين ظاهرياً للدولة الليبية – وهي بحسب مراقبين للشأن الليبي – تنتمي لأجندات وأيدلوجيات منها ما هوداخلي وجلها خارجي. استطاع زيدان من خلال صراعه مع البرلمان، وتحديداً تيار الإخوان المسلمين الذي يرى رئيس الحكومة أنه هوالمسيطر على قرارات ‘القبة' وأنه هومن يسعى للإطاحة به، استطاع أن يكسب ثقة عدد من الميلشيات المسلحة ذات الحضور القوي والمؤثر. وبدأ هو أيضاً في الإيعاز إلى هذه الميلشيات للتحرك وإلقاء البيانات كلما ضيق الإخوان عليه الدائرة. كان آخر تلك الاستعراضات ‘الزيدانية ‘ في وجه الممارسات ‘السهيمنية' بيان كتيبتي الصواعق والقعقاع وهما كتيبتان كبيرتان مدججتان بكامل أنواع الأسلحة. حيث توعدتا المؤتمر بالإطاحة به ومنحته 4 ساعات. وبتدخل المبعوث الدولي طارق متري، تم التوصل إلى حل توافقي لا يعرف أحد حتى الآن تفاصيله. اتهام زيدان وكرسي أبوسهيمن على ‘العمدان' الأسبوع الماضي شهد هجوما كاسحا لمتظاهرين في العاصمة الليبية طرابلس على مقر المؤتمر الوطني، حيث اقتحموا قاعات الاجتماع واعتدوا على عدد من الأعضاء اعتداءات مسلحة، ونزعوا مقعد رئيس البرلمان من مكانه وقاموا بتعليقه على عامود إنارة في وسط طرابلس. سارع كثير من أعضاء البرلمان الليبي' المؤتمر الوطني' بتوجيه أصابع الاتهام للسيد زيدان وحكومته. صراع الضرائر يبلغ ذروته في ظل هذا الصراع الموتور.. يسقط أناس أبرياء ويزداد عدد الثكالى واليتامى والضحايا. يزداد عدد المختطفين والمعذبين في قعور سجون سرية. يغلى فيها الناس في قدور. في ظل هكذا صراعات واتهامات واستعراضات، ثمة نازحون في الداخل يأكلهم القهر والحزن والعوز. وثمة مهجرون في الخارج بعضهم يسكن المقابر وبعضهم يتعيش من مهن مهينة، وبعض النساء للأسف أجبرن على أعمال غير شريفة كي يتحصلن على قوتهن اليومي. في ظل هكذا صراعات مصلحية لا حسم لملفات أمنية ولا عدالة انتقالية ولا مصالحة وطنية ولا خطى حثيثة تنموية. في ظل هكذا صراعات واستقواء بمليشيات، يدعوالمجتمع الدولي للمرة الثانية بعد مؤتمر أصدقاء ليبيا الذي احتضنته باريس قبل عام، وخرج بتوصيات لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع. فريق بوسهمين، فريق البرلمان الليبي، غادر على طائرة خاصة من مطار معيتيقة في طرابلس وهوالمحسوب على جماعات إسلامية بحسب معلومات متواترة موالية للمؤتمر الوطني. فريق زيدان رئيس الحكومة غادر على طائرة خاصة أيضا، لكن من مطار آخر وهو مطار طرابلس وهوأيضا بحسب ما يعرفه جل سكان طرابلس، تسيطر عليه كتائب من منطقة الزنتان التي تعلن رفضها الصريح للمؤتمر ولتمديد مدة ولايته. فريقان متعاركان متخاصمان وكأنهما ضرتان، ذهبا إلى روما. ولا يعرف كل منهما ما سيطرحه الآخر ولا تنسيق بينهما وفد كبير من الفريقين، مما لا تحتمله المباراة وبعضهم غير معني بالأمر، طابور من الوزراء وفيهم وزير الكهرباء وكلاء والأمر كذلك مع السادة البرلمانيين. تسربت أخبار من إعلاميين مصاحبين عن ‘نزاعات' واحتكاكات تمت بين الفريقين الليبيين،على مرأى ومسمع من الأصدقاء الذين شدوا الرحال إلى روما ولكل هدف ولكل مصلحة ولكل غاية. لقد أخفق مؤتمر روما في دعوة القوى الحقيقية في المشهد الليبي، الذين حضروا هم يلعبون في الوقت الضائع.. برلمان منتهي الصلاحية، وحكومة تنازع ساعاتها الأخيرة. مؤتمر روما، لم يدع الفرقاء الحقيقيين، من يملكون القوة على الأرض القوة بكافة أنواعها والقادرين على الفعل والتأثير. أما هؤلاء المساكين فلا حول لهم ولا قوة سوى التدافع نحو إقامة مدهشة في عاصمة الحسن والسحر والجمال.