أجرى وزير خارجية تونس منجي حامدي في باريس خلال اليومين الماضيين سلسلة لقاءات مع المسؤولين الفرنسيين شملت رئيس الحكومة جان مارك أيرولت ووزير الخارجية لوران فابيوس ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان أليزابيت غيغو. وهذه أول زيارة عمل يقوم بها حامدي إلى أوروبا منذ تشكيل الحكومة التونسيةالجديدة. وفي لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» شرح الوزير التونسي هموم وشجون حكومته، مشددا على ضرورة أن يمد لها المجتمع الدولي يد العون للتغلب على أزمتها الاقتصادية والمالية والمشكلات الأمنية وعلى رأسها محاربة الإرهاب والعنف السياسي بكافة أشكاله. وأعرب الوزير التونسي عن رغبة بلاده في توثيق علاقاتها مع بلدان مجلس التعاون الخليجي واصفا إياها ب«العلاقات الاستراتيجية وليس العادية»، داعيا مستثمريها إلى المجيء إلى تونس والاستفادة من الفرص التي يوفرها اقتصادها. وأبدى حامدي الأسف لأن الوعود التي أغدقت على بلاده في إطار «شراكة دوفيل» لمجموعة الثماني «الأكثر تصنيعا» لم تترجم إلى أفعال باستثناء النزر القليل. وفيما يلي نص الحوار. * التقيتم وزير الخارجية الفرنسي. ما المطالب التي تقدمتم بها، وما الوعود التي حصلتم عليها؟ - الرسالة التي أردت إيصالها إلى الوزير فابيوس هي أن تونس والتونسيين قاموا بما كان يجب أن يقوموا به. لقد أقررنا دستورا يعترف به الجميع، ويعدونه من أفضل الدساتير الموجودة. إذ يصون الحريات ومن ضمنها حرية الأقليات وحرية المرأة، ويوفر الازدهار والمستقبل للشباب. إنه دستور شامل وحديث ويتماشى مع تطلعات العصر. ثم لدينا حكومة منتخبة وصلت إلى السلطة بطريقة حضارية من غير مشكلات ولا قتل ولا عنف. وهي سابقة في تاريخ المنطقة على الأقل. فضلا عن ذلك، أسسنا لحوار وطني أنجز حكومة كفاءات وطنية. كل ذلك وفر لتونس نوعا من المساندة والعطف الدوليين. ولذا، نحن نقول إننا قمنا بالواجب وما نريده أن يهب الأصدقاء والمجتمع الدولي إلى دعمنا اقتصاديا وماليا وأيضا على الصعيد الأمني ومحاربة الإرهاب. * ما الذي عرضه عليكم نظيركم الفرنسي؟ -- لقد قلت للوزير فابيوس إن تونس قامت بكل ذلك ونطلب من المجتمع الدولي أن يساعدها لأن مصلحة المجتمع الدولي والعالم أن تنجح التجربة التونسية، وأن تكون نموذجا للبلدان الأخرى. إذن نحن ننتظر مساعدة جماعية ضخمة خصوصا من بلدان الاتحاد الأوروبي. وبرأينا أنه ليس من العدل أن الاتحاد الأوروبي يوفر نحو 100 مليار دولار لبلد كاليونان ولا يعطى تونس إلا أقل من واحد في المائة من هذا المبلغ. هذا بنظرنا أمر غير معقول لأن تونس في نظرنا لها نفس أهمية اليونان بل أكثر من ذلك. لأنه إذا لم يتوافر الأمن والاستقرار في تونس فإن ذلك سينعكس على المنطقة وعلى المتوسط وعلى أوروبا. الأمر الثاني، قمت بلفت نظر الوزير الفرنسي إلى ما يحصل في أوكرانيا، واحتمال أن تنصب أنظار العالم على أوكرانيا وتنسى تونس. كذلك ذكرته بأن مجموعة الثماني التي أطلقت «مبادرة دوفيل» في عام 2011 وعدت تونس بمساعدات ذات معنى «خمسة مليارات دولار» ولكننا لم نحصل منها على شيء. وأود أن أخبرك أنني كنت بالغ الصراحة مع الوزير فابيوس وقلت له إن دولا كثيرة ساعدتنا منها قطر وتركيا والجزائر لكن الاتحاد الأوروبي لم يمد لنا يد المساعدة، وحتى فرنسا لم تقم بالكثير. * لكن المصادر الفرنسية تقول إن هناك 500 مليون يورو مخصصة لتونس ومقسمة لتمويل مشاريع بنية تحتية وتنمية ونقل وتحويل ديون مستحقة إلى استثمارات. أليس كذلك؟ - هذا صحيح، ونحن نرحب بذلك. لكن ليس هناك وضوح بالنسبة لطريقة استخدامها ويبدو لنا أنها مربوطة بتوافر مجموعة من الشروط. وفي أي حال، فإن تونس تطلب دعما إضافيا. * ما هي اليوم تحديات الدبلوماسية التونسية؟ - التحدي الأول بالنسبة لنا هو دعم النمو الاقتصادي، وذلك بالتركيز على الدبلوماسية الاقتصادية وهو يعني تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتشجيع السياحة إلى تونس. التحدي الثاني في نظرنا هو التحدي الأمني. تونس ترى أنه يتعين التنسيق مع دول الجوار كالجزائر وليبيا والدول الأخرى لتبادل المعلومات والخبرات للعمل على الحد من مخاطر الإرهاب الذي نرى فيه مشكلة لا تتعلق بتونس فقط بل هي مشكلة إقليمية وشاملة. ولذا يتعين التركيز على إقامة تعاون وتنسيق على المستويين الإقليمي والدولي. وفي هذا الحقل، نحن نحتاج للمساعدة في مجال التجهيزات التقنية وتوفير الخبرات. نحن في تونس نفتقر للتجهيزات الضرورية للوقوف بوجه الإرهاب بشكل فعال. * هل بينت فرنسا استعدادها لتجاوب مع ما تحتاجون إليه؟ - نعم هناك استعداد فرنسي ولديها مجموعة من الأفكار حول ذلك. * علمنا أن وفدا فرنسيا سيتوجه إلى تونس قريبا جدا؟ - نعم هناك وفد من كبار الموظفين سيزور تونس الأسبوع المقبل. كذلك سيقوم وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا بزيارة لعاصمتنا قريبا. نحن اقترحنا أن تجري الزيارة في 24 و25 أبريل (نيسان) المقبل، وربما تجري الزيارة قبل ذلك لأن حكومتنا مستعجلة في العمل. * كيف تتعامل تونس مع الحالة الليبية في ظل شكاوى أكثر من عاصمة بسبب الانفلات الأمني في الحدود مع ليبيا؟ - بداية أود أن أنوه بالتعاون الأمني والتنسيق النموذجي القائم بيننا وبين الجزائر. هذا ساعدنا على التعامل بشكل أكثر فعالية مع المشكلات الأمنية التي عرفناها في منطقة الشنعبي «القريبة من الحدود الجزائرية». ثمة تنسيق يومي وكامل بين القيادات الأمنية في البلدين. * هل يمكن اعتبار أن المشكلات الأمنية غرب تونس دخلت مرحلة بداية النهاية؟ - نحن مطمئنون تماما للعلاقات القائمة بيننا وبين الجزائر. * ولكن ماذا عن الملف الليبي؟ - معلوم للجميع أن هناك تدهورا للأوضاع الأمنية في ليبيا وهذا له انعكاساته السلبية على تونس. * عمليا، مم تشكون منه؟ هل هناك تهريب سلاح لتونس، دخول أشخاص غير مرغوب فيهم؟ - عانينا من مشكلة تهريب السلاح في مرحلة تميزت بالتسيب «في تونس». لكن اليوم، نحن متيقظون تماما لهذه الظاهرة. والقوى الأمنية تعمل على إخضاع كافة السيارات التي تدخل إلى تونس «من ليبيا» للمراقبة. والشيء نفسه ينطبق على الممرات. لكنني لا أذهب إلى حد القول إن الأمور مضمونة مائة في المائة. * هل أفهم من كلامك أنه ليس هناك أي نوع من أنواع التنسيق مع الجانب الليبي؟ - التنسيق بسيط للغاية. الحكومة الليبية نفسها في حيرة مما هو جار في ليبيا. * يوم الأربعاء المقبل، ستستضيف روما مؤتمرا عن ليبيا سيتناول موضوع الأمن والحدود. هل تونس مدعوة للمشاركة فيه بصفتها دولة جارة؟ - نعم. نحن مدعوون لهذا الاجتماع وسأشارك فيه شخصيا. * ما الذي ستطرحونه؟ بماذا ستطالبون؟ - نحن ننطلق من مبدأ أن الحرب على الإرهاب يجب أن تكون على المستوى الإقليمي والدولي. ولهذا الوضع موجبات والتزامات. أما الأمر الآخر، فهو أن تونس تستضيف 1.9 مليون ليبي. هناك نحو 1.2 مليون يقيمون في تونس وما بين 700 ألف و800 ألف يتنقلون بين ليبيا وتونس. * هل هؤلاء يمثلون مشكلة لكم؟ ومن أي نوع؟ - يتعين علينا أن نلتزم جانب الحذر. أنت تعلم أن تونس هي البلد الوحيد الذي يدخله الليبيون من غير تأشيرات بعكس الجزائر والمغرب ومصر على سبيل المثال. وبالطبع هذا الوضع يرتب علينا أعباء إضافية. * الطرف الليبي يقول «لماذا لا يقوم الجيران بمراقبة الحدود من جانبهم؟ ولماذا يلقون المسؤولية علينا وهم يعرفون أوضاعنا؟». - التقيت نظيري الليبي أخيرا. هل تريد ليبيا أن تتخلى عن واجباتها وترمي مسؤولياتها كدولة علينا؟ نعرف أن ليبيا تعاني من صعوبات كبيرة لفرض السيطرة على أراضيها وعلى حدودها. الحكومة الليبية ضعيفة والميليشيات الموجودة تجعل الأوضاع أكثر صعوبة. لذا نحن ندعم الحكومة الليبية حتى تتمكن من الإمساك بالملف الأمني لأن أمن تونس من أمن ليبيا. * رئيس الحكومة الإيطالية أعلن أول من أمس أن أول زيارة سيقوم بها إلى الخارج ستكون إلى تونس. هل لهذه البادرة علاقة بموضوع الهجرة غير الشرعية؟ - لا أعتقد ذلك. برأيي أنه يريد إيصال رسالة دعم وصداقة لتونس. أستبعد أن يكون موضوع الهجرة وراء ذلك إذ إنه لم يعد مطروحا بالنسبة لنا بل إن الهجرة إلى الشواطئ الإيطالية لا تنطلق من تونس. حصل ذلك في عام 2011. لكن تراجعت هذه الظاهرة كثيرا انطلاقا من تونس. والمعلوم اليوم أن مراكب المهاجرين غير الشرعيين تنطلق من ليبيا. اليوم الأمن في تونس أفضل مما كان عليه في أي وقت مضى. وبالطبع هناك رقابة على المرافئ. * المشكلة قد لا تكون مع التونسيين بل مع الأفارقة الذين ينشدون الوصول إلى أوروبا بأي طريقة متوافرة. أليس كذلك؟ - الأمن التونسي أوقف عمليات الهجرة غير الشرعية سواء كان ذلك بالنسبة للتونسيين أو بالنسبة للأفارقة أو على الأقل أوقف أكثريتها. * ماذا حصلتم عليه من دوفيل حتى الآن؟ - ما حصلنا عليه قليل للغاية إلى درجة أننا نخجل من ذكره. كانت هناك الكثير من الوعود ولكن ما تحقق منها قليل للغاية. * إلى ماذا يمكن أن نعزو ذلك؟ هل للمشكلات والخلافات السياسية التي عرفتها تونس؟ وهل يمكن اعتبار أنه بعد إقرار الدستور الجديد وقيام حكومة تكنوقراط محايدة، ستسرع الأمور؟ - ربما يكون الأمر كما وصفته. لذا، فإنني شددت في لقائي مع الوزير فابيوس على أن حكومتنا مستقلة وهي حكومة كفاءات وطلبت منه التدخل لدى شركاء مبادرة دوفيل لتفعيل الوعود التي أغدقت علينا قبل ثلاث سنوات. ولدينا اليوم أمل في الحصول على مساعدات إضافية من فرنسا وألمانيا. وكنت ذكرت لك سابقا بعضا من الدول التي وقفت إلى جانبنا. الولاياتالمتحدة ساعدتنا فيما يخص ضمانات القروض بمليار دولار. * الجميع يحث دول المغرب العربي على الاندماج خصوصا الاتحاد الأوروبي. هل تعتقدون أن هناك فرصة لإحياء الاتحاد المغاربي أم أنه قد مات ودفن نهائيا باعتبار أنه بنية فارغة؟ - الأمل موجود. وأنا شاركت في الاحتفال الذي حصل في ليبيا قبل أسبوعين للاحتفال بمرور 25 سنة على قيام الاتحاد المغاربي. ولكن للأسف كلامك التوصيفي صحيح. لا شيء فعلي يقوم به الاتحاد وإعادة إطلاقه تنتظر التقارب بين الإخوة الجزائريين والمغاربة. ونحن قمنا دائما بلعب دور الموفق بين الجميع ولذا الأمل غير مفقود. * شهدت علاقاتكم مع عدد من بلدان مجلس التعاون الخليجي بعض الفتور. هل أخذت الأمور بالتغير إيجابيا مع مجيء الحكومة الجديدة؟ - في برنامج رئيس الحكومة مهدي جمعة، خصص زيارته الأولى للجزائر. وهذا أمر طبيعي. كذلك زرنا المغرب. لكن وجهتنا للمرحلة الثانية هي دول الخليج. ومنذ وصولي إلى رأس الوزارة، سعيت إلى إصلاح ذات البين مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت استدعت سفيرها من عاصمتنا. ولذا بذلنا مع رئيس الحكومة الجهد ونجحنا في إعادة السفير الإماراتي إلى تونس. ونحن عازمون على تحسين علاقاتنا مع أبوظبي وسنقوم بجولة تشمل كل بلدان الخليج ابتداء من الإمارات في شهر مارس (آذار) المقبل، ثم السعودية وقطر وعمان والكويت والبحرين. إن هدفنا هو تنمية العلاقات مع بلدان مجلس التعاون التي ننظر إليها على أنها استراتيجية وليست علاقات عادية. ونريد تشجيع المستثمرين الخليجيين على المجيء إلى تونس. كذلك نرى أنه ليس من الطبيعي ألا تكون علاقاتنا ممتازة ومميزة مع الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات. هذا بنظرنا أمر ضروري. ولا أخفيك أننا بحاجة إلى الاستثمار الخليجي في تونس وإذا ما تخلى الأوروبيون عنا ولم يستثمروا في اقتصادنا، فإننا نعول على البلدان الخليجية ومستثمريهم المرحب بهم في تونس. ولذا نحن ندعوهم ونلح عليهم من أجل المجيء إلى تونس، والاستفادة من الفرص الاستثمارية التي يوفرها اقتصادنا. وأود أن أشير إلى أن سعادتنا كانت كبيرة بعودة سفير الإمارات الذي زارنا كما زارنا سفير السعودية، واتفقنا على تطوير العلاقات على أعلى مستوى.