وضعت ندوة نظمت بالرباط حول السلطة بالمغرب مسألة العلاقة بين القصر والحكومة على طاولة التشريح الفكري بعيدا عن الفعل السياسي اليومي، نظرا للحساسية التي تتميز بها هذه المسألة المثيرة للجدل والتي تأخذ طابع الممارسة اكثر منها طابع التنظير او القوانين. وشكلت العلاقة بين الملكية الحكومة وأيهما يملك حقيقة سلطة اتخاذ القرار محور ندوة ‘الملكية..الحكومة..والسلط' التي نظمتها المدرسة العليا للتجارة ليلة أمس بالرباط تحدث فيها الأنثروبولوجي عبد الله حمودي عن مفهوم الدولة ووضعية الديمقراطية في المغرب، فيما تحدث المفكر والاستاذ الجامعي حسن اوريد عن الدولة التي ما زال المغرب يفتقدها. ولاحظ عبد الله حمودي أن المجتمع المغربي بدأ يحس بالأزمة، ويفكر فيها وهذا الوعي هو ضروري من أجل المستقبل لأنه ‘إذا استمر الوضع على ما هو عليه سياسيا واجتماعيا فعلينا أن نخاف على مصلحة البلد'. وقال إن ‘الحكومة المغربية ضعيفة للغاية، رغم أن الدستور الأخير من المفروض فيه أن يعطينا حكومة قوية، وهو الضعف الذي جعل الأوضاع تسوء، لدرجة أن السؤال الذي يشغل النخبة السياسية منذ عقود هو كيف نصلح هذه الأعطاب الواضحة في بنية الدولة'. وعزا الأستاذ في جامعة برنستون بالولايات المتحدة سبب هذا الضعف إلى ‘شخصنة الدولة بشكل كبير على خلفية اشتغالها بنسق وحيد، هو الملكية الذي ورثته عن عهد الملك الراحل، بحيث لم تتوفق إلى غاية اللحظة في إصلاح هذا النسق رغم كل محاولاتها الواضحة'. وأضاف حمودي أن ‘طريقة التدبير التي نشتغل بها في المغرب لم تعد موجودة حتى في عدد من الدول العربية التي تعيش مخاضا سياسيا عسيرا كسوريا والعراق، جراء حالة من التجاذب المستمر بين عقلية الأمير وعقلية الدولة'. وعقد مقارنة بين حكومة التناوب، بقيادة عبد الرحمن اليوسفي 1998، وحكومة ما بعد الدستور الجديد بقيادة عبد الإله بنكيران 2011، وقال ‘رغم أن السياق مختلف، ورغم أن النصوص التنظيمية مختلفة، إلا أن النتائج هي نفسها، بحيث لم يطرأ تغيير على أي قطاع من القطاعات'. واوضح ‘سنخاف على مصلحة البلد إن ساءت الأحوال السياسية والاجتماعية أكثر مما عليه الآن، فمن منا لا يخاف على وطنه من الانجرار إلى حالة من الفوضى السياسية؟' ولا بد من إيجاد علاقة بين تدبير المجال الديني والمجال السياسي بالمغرب، دون أن يقع بينهما خلط سلبي'. ولفت حمودي إلى ‘وجود مساحة يمكن أن يتم فيها حصر ما هو ديني داخل إمارة المؤمنين، التي يجب الحد من أدوارها في المجال التدبيري، وترك هذا الأخير لحكومة تشتغل وفق نسق علماني، حتى ولو كان حزب إسلامي هو من يترأسها، شرط التوقف عن التعارك الإيديولوجي بين الليبراليين والإسلاميين، لأن العالم كله بدأ يقطع مع الإيديولوجيات بأن تحولت المصلحة العامة الى هدف الجميع′. ولم يتفق الأستاذ في جامعة برنستون مع المواقف المتشائمة من التغيير، حيث اعتبر أن ‘الوعي الذي ينتشر في المجتمع المغربي قادر على إحداث التغيير، ولو بصورة جد بطيئة، وأن الشباب المغربي يستطيع صنع مغرب جديد يقطع مع العهود السابقة'. واستدل ب'الإرث النضالي الذي قدمته عدد من الحركات السياسية والاجتماعية بالمغرب منذ الستينيات، وهو الإرث الذي استمر مع حركة 20 فبراير التي لم تمت، ما دامت روحها موجودة في دينامية الشباب المغربي، وجرأتها واضحة في عدد من العمليات الاحتجاجية التي عرفها المغرب أخيرا'. واعتبر حمودي بأن الدولة في المغرب كمفهوم هي موجودة ‘ولكن موجود في حالة سيئة وذلك لانتشار البيروقراطية ووجود أجهزة في الدولة حتى العراق وسوريا لم تعد لديها'، ويرى ضرورة الانتهاء من حالة الغموض بين عقلية الأمير في تسيير الدولة وبين عقلية الدولة من حيث هي مؤسسات، ‘ويجب على الدستور أن يوضح الصلاحيات وأن تعود بعض القطاعات الحساسة كالدفاع والخارجية إلى منطق الدولة في التسيير'. ورفض مقولة أن المغرب يعيش حالة من الجمود ‘نحن نتقدم ببطء خاصة على مستوى تحديد صلاحيات الملك ومفهوم إمارة المؤنين ودور رئيس الحكومة كل هذه الأمور لم تتضح إلى الآن والمغرب يسير ببطء في هذا المجال'. وقال بأن الملكية بحاجة إلى ‘إعادة الهيكلة'، كما أن الأحزاب السياسية أصبحت مفلسة وهذه الممارسات السياسية الحالية تؤدي إلى الكثير من النتائج السلبية على المجتمع من بينها فقدان الثقة بين الناس وفقدان الثقة في السياسة كما تفقد الحياة السياسية معناها. وعن نظرته للمستقبل قال حمودي بأن هناك الكثير من التغيرات التي تطال المجتمع المغربي وهناك طبقة جديدة من النخبة هي في طور التشكل لا تنتمي إلى أحزاب وإنما هي نتيجة للحراك الذي صنعه الشباب و'علينا أن نرفع عليهم الوصاية وأن ندعهم يتصرفون ويفكروا وفق عقليتهم ورؤيتهم للأشياء في هذا البلد'. واعتبر المفكر حسن أوريد الذي شغل بالسابق منصب ناطق رسمي باسم القصر الملكي ومحافظ على مكناس ومؤرخ للمملكة أن المغرب لا يتوفر على دولة بالمفهوم العصري للدولة، وفي الوقت ذاته نفى أن يشكل المخزن الدولة كما يعتقد الكثيرون. واوضح اوريد أن المغرب يفتقد لمفهوم الدولة كما هو متعارف عليه في العلوم السياسية، وذلك بسبب غياب الهياكل التي تقوم عليها الدولة وكذلك غياب فصل السلط الذي يشكل الركيزة الأساسية أو روح الدولة في الدولة الديمقراطية. واستشهد بأمثلة كثيرة تبرز خلل العمل وسط الدولة المغربية. واعتبر أن الصراع الديمقراطي الآن لم يعد كلاسيكيا بين الأحزاب والدولة المجسدة في هذه الحالة في المخزن بل بين السلطة المخزنية ونشطاء المجتمع المدني والسياسي ومنهم حركة 20 فبراير والناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي. وركز حسن أوريد على نقطة هامة في المغرب وهي المتعلقة بسياسة الدولة العميقة في معاقبة المثقفين عندما يدلون بآراء صريحة، حيث يجري تهميشهم ضمن أشياء أخرى. ويرى حسن أوريد أنه يجب القطع مع هذه المعاملات نهائيا.