«كنت أحب باسم يوسف لأنني كنت أكره سياسة محمد مرسي، واليوم أكره يوسف لأنني أحب الجيش والفريق عبد الفتاح السيسي». هكذا علق الشاب المصري (سعيد سبب) على سبب وقفته الاحتجاجية مع عدة مئات من المصريين أمام مسرح سينما «راديو» في شارع طلعت حرب وسط القاهرة ضد الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف. كما جاء في قصة الزميل عبد الستار حتيتة بهذه الجريدة. تعليل غاية في المباشرة والوضوح، أصاب كبد الشعور. غير أنه تعليل يفتح على سؤال أخطر وأعمق، وهو سؤال الحرية كمفهوم تأسيسي حاكم، من مفرداته: حرية التعبير. هل كان الشاب سعيد متناقضا وهو يؤيد باسم يوسف حين كان يسخر من جماعة الإخوان ومحمد مرسي، ثم يغضب ضد باسم يوسف حين سلط سخريته على الجيش والجنرال السيسي الآن؟ في الوهلة الأولى، يبدو أن هذا السلوك صورة فاقعة للتناقض. مع قليل من التأمل، قد تتبدى لنا صورة أخرى مستورة، متجسدة في هذا السؤال: هل كان الشاب سعيد وأمثاله ممن طربوا لسخرية باسم يوسف ضد الإخوان وغضبوا منه لسخريته ضد الجيش، فعلوا ذلك تغزلا بقيمة الحرية، كقيمة مطلقة لا تقبل التقييد والتأجيل، أم تغزلوا ثم غضبوا انتصارا لقيمة أخرى في حياتهم، غير قيمة الحرية؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي تلك القيمة الأخرى، الأعمق والأصدق لدى سعيد وأمثاله، التي تتقدم عندهم على قيمة الحرية؟ ليس ثمة يقين هنا، لكن قد تكون قيمة «العدل» باعتبار أن قيمة العدل هي القيمة المركزية في الخيال الإسلامي على حساب قيمة الحرية في الخيال الغربي. وهذا لا يعني أنه لا يوجد حضور لقيمة الحرية في الحضارة الإسلامية، لكن يعني أن لقيمة الحرية تجليات ومظاهر مختلفة عنها في السياق الغربي الأوروبي، كما أنها تحتل موقعا تاليا لقيمة العدل. هذا حديث متشابك، سبب إيراده هو التوقف عند ما وراء الغضب على باسم يوسف. سؤال كسؤال الكاتب حازم صاغية: «هل من المبالغة أن يقال إن حصة الليبرالية عند العرب لا تتعدى كثيرا باسم يوسف؟». سؤال كاشف يجسد الارتباك الذي داهم العرب على حين غرة بسبب حلم الربيع العربي العابر. للمفكر المغربي عبد الله العروي شروحات منيرة حول مفهوم الحرية في ثقافتنا، قد تساعد في بعض الفهم، نتوقف عندها لاحقا. باختصار: هل أحب المصريون الجيش والسيسي بسبب الغزل بالليبرالية أم بسبب الشوق للأمن والعدل؟. "الشرق الأوسط"