فعلها باسم يوسف. ها هو كسر المحظور ووزع انتقاداته لتطال حتى من كاد ينصب مقدسا. عاد باسم يوسف ليبث الروح من جديد بعد غياب وغموض وأسئلة طالت لأربعة أشهر. لسنا نحمل الرجل ما لا طاقة له به، لكن الانشغال الكبير به وحتى الانقسام والإعجاب الذي قوبلت به عودته بعد عرض الحلقة الأولى من هذا الموسم قبل يومين يشي بالخواء الكبير الذي تعيشه شرائح واسعة. ليس المصريون فقط من يشعرون بوطأة الانقسام العمودي الكبير في مجتمعاتنا، لذا كان طبيعيا أن ينخرط كثيرون في موجة المتابعة والتعليق على عودة الكوميدي الساخر الأهم في الساحة العربية اليوم. نعم، حرص الإعلامي المصري الساخر على توزيع نقده اللاذع على ما وصفه بفاشية «الإخوان» وبفاشية العسكر وانقسام المجتمع ما بين هذين الخيارين. سخر باسم يوسف من تزلف الإعلام وتأليه الشخص وتحديدا الفريق عبد الفتاح السيسي دون أن يفقد خفته وقدرته الهائلة على إضحاكنا على أنفسنا وعلى الوضع القاتم الذي نعيشه ولم ينس أن يحذر من استمرار سياسة إسكات الصوت المخالف خاتما حلقته بأذرع تمتد لتحاول أن تسكته. لماذا علينا أن نهتم بما قاله باسم يوسف وبما سخر منه. لأنه ببساطة أعطى جرعة حياة جماهيرية للخيار الثالث، نعم الخيار الثالث.. ذاك الخيار العابر للثورات وللدول وللأفكار والذي غمره الكمد والإحباط سوى من أنين بالكاد يسمع عبر «تويتر» و «فيس بوك». ذاك الخيار الذي أطل في بداية الربيع العربي بصفته الوجه الأنقى للحراك قبل أن تشتته قبضات «الإخوان» والسلفيين وقبل أن تسحقه صيحات العسكر. نعم الخيار الثالث هو خيار مدني ديمقراطي وهو خيار من خارج عباءة الإسلاميين وأبوة العسكر. تجد ذاك الخيار في مقال أو تعليق أو فيلم أو في رأي لسياسي منفرد أو في تجمع صغير لكنه لم يصل بعد ليكون قوة ثالثة وازنة. وإذا كان باسم يوسف هو المعبر الأبرز عن هذا الخيار وصاحب الصوت الأعلى فيه فذلك لأن هذا التيار هو تيار مشتت ولا قدرة لسلميته على مواجهات فتاوى القتل واتهامات العمالة والإرهاب وهو تيار لا تجمع واضحا له فأتت خفة وبراعة باسم يوسف وحداثته لتمد هذا الخيار بصوت وبفكرة. من تابع التعليقات التي أعقبت حلقة باسم يوسف يشعر أن هناك أفرادا كثر دبت فيهم الحياة من جديد. لست أشير إلى الأصوات المستاءة سواء من «الإخوان» أو من مؤيدي الفريق عبد الفتاح السيسي والعسكر. إنما أشير إلى أولئك الذين صمتوا خلال الأشهر الأخيرة شاعرين بأنهم وحيدون. كتبت مغردة مصرية على «تويتر» «سألوني إنتي مع الإخوان ولا مع السيسي. قلتلهم أنا مع باسم يوسف». اليوم لا يبدو أن هناك حاملا سياسيا لهذا الخيار الثالث ولا رافعة قوية له. فمصر مقسومة اليوم بين خيار العسكر وخيار «الإخوان». بينهما يبدو الشارع ضئيلا لكن هناك صوتا قويا مدويا اسمه باسم يوسف. "الشرق الأوسط"