لعب الإعلام دورا محوريا في كشف أخطاء محمد مرسي، وبيان زلاته للعيان، منذ اعتلائه عرش مصر إلى آخر أيامه لحظة عزله من طرف الثوريين العسكريين.. وكان من أبرز من أمّ الإعلاميين في مواجهتهم لمرسي، الطبيب الإعلامي باسم يوسف. الطبيب الذي تخلى عن وزرته البيضاء، واستبدل شاشة التلفاز بآلاته الطبية؛ فجعل من همه وطموحه الكشف عن أمراض حكم مرسي وعِلاته المزرية، بدل الكشف عن أمراض الأبدان وأسقام الأجساد، فتحول من مهنة طبيب مغمور.. إلى فكاهي ساخر ملأ الدنيا صخبا.. وفعلا حظي برنامجه "البرنامج" على قناة سي بي سي CBC بنسبة مشاهدة جد عالية، فاقت كل التوقعات.. واستمالت كافة الشرائج الاجتماعية المصرية والعربية.. وكان من أبزر رواده والمعجبين به، كل الناقمين على خط سير مرسي؛ من إعلاميين وثوريين وعسكريين وفلوليين وساخطين... كلهم شُدت حدقاتهم إلى هذا الفنان الساخر الذي نال إعجاب الجميع.. شهرة باسم يوسف تخطت كل الخطوط.. وبالذات حين تولى الاستهزاء الكوميدي بالمشايخ والعلماء المقربين من مرسي.. أي من له ميول إسلامية.. فاستحضرهم في حلقاته المتتابعة.. بحيث صَيّرهم لب برنامجه.. وبؤرة حلقاته.. فهذا شيخ معمم يقطر الدم من فمه، ويظهر ثغره صاكا لأسنانه.. وذاك يلبس قفازات الدراكولا.. والآخر يرتدي غطاء الوطواط Batman.. أو يسترق نظرات خفية من سيقان هامة الجميلات.. لقد حشاهم كلهم في سلة النقد اللاذع.. ما عدا شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية.. وشيوخ من طينة أخرى سنراهم حالا. وزاد من حدة النقد ودرجة الاستهزاء.. تحليله الكوميدي لأقوالهم وفتاويهم وخطاباتهم.. فأصبح شيوخ التيار الإسلامي من مؤيدي مرسي في مرمى القوس.. خصوصا وقد تزامن هذا الهجوم، مع باقي الحملات السياسية والإعلامية والأخلاقية التي أثيرت حولهم واتهموا بها.. بل حكم على بعضهم بالسجن عقابا له لإهانته للفنانات القديرات الشريفات.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد.. بل تجاوزه إلى وسم شعب بأكمله بأنه صهيوني إخواني.. لسبب وحيد.. هو هجومه ونكيره على المطربة المصرية شيرين حين حاولت الرفع من أسهم العسكري الثوري عبد الفتاح السيسي في حفلة بمدينة تطوان.. نعم هذا التعميم يجلي لنا الغطاء عن السخرية الهزلية التي مارسها باسم يوسف على مرسي وأتباعه.. فاستقبحهم بحركات عينيه.. وحملقة مقلتيه.. وخروج مذربه.. وعوج محياه.. وذرف دموعه.. واهتزاز يديه.. كل هذا زاد من جاذبيته.. إضافة إلى مزجه بين السياسة والفكاهة والدين واللغة الساخرة. باسم يوسف الذي غدا ظاهرة فنية إعلامية.. حظي بمتابعة استثنائية، لما دُعي للمثول أمام محكمة مصرية، بسبب بلاغ يتهمه بازدراء الأديان.. ثم أفرج عنه.. وأقيمت حوله الندوات وألقيت المداخلات.. دفاعا عن حرية كلمته وانعتاق الإعلام النبيل. باسم يوسف الذي غدا أيقونة الحرية الإعلامية والنقد السياسي الساخر.. عند قنوات الغربيين، الذين فتحوا له الأبواب وجعلوه رمزا لمقاومة الرجعية والاستبدادية والديكتاتورية الشوفينية الإخوانية المرسية.. مرسي الذي لم يسلم منهم في أي شيء.. فانتقدوه في أسلوب لباسه.. وطريقة كلامه.. ومستوى ثقافته ولغته.. ونمط عيشه.. وحجاب امرأته.. وضعف شخصيته.. بل حتى في استرواح صدغه.. ودرجة حكّه لجسمه !!! لقد أحالت حلقاته وغيره من الناقدين، صور مرسي وشيوخه، إلى رسوم تشكيلية كاريكاتورية، لا تصلح لقيادة المصريين داخليا، بله لتمثيلهم أمام العالم خارجيا. لكن باسم يوسف الإعلامي الساخر.. لم يكمل لنا هزله ولا كوميديته النقدية، حول الجانب الآخر من المجتمع؛ فلم نره.. ولم نسمعه.. ينبت ببنت شفة عن رجال الدين المسيحيين.. ولم يطرق بابهم.. ولم يكلف نفسه عناء البحث عن زلاتهم كما فعل مع أبناء ملته.. ولم يرسل ولو رسالة فكاهية إلى أصحاب الزنانير والسلاسل من قسيسين ورهبان.. أرأيناه اقترب ولو من قريب من البابا.. أي بابا.. المهم أنه مسيحي.. أألفناه يضحك من أي عبادة.. إلا تلك الخاصة بالمسلمين.. ربما لأن كهان النصارى ملائكة.. أو لأنهم لا يقترفون الزلات كأصحاب العمامات.. أو لأنهم لا يتطرقون للسياسة.. أو لأنهم حملان وديعة.. يديرون للجاني وجنته كي يضرب الأخرى.. كلها أمور واردة.. لكن الثابت أن أصحاب اللحى الطويلة من الإسلاميين هم مدار قوس الهزل.. ومطمع باسم وإخوته. وحتى لا نكون متطرفين منحازين لجهة دون أخرى.. أو من دعاة العنصرية والطائفية الدينية.. ولا قدر الله الإرهاب.. سندَع لباسم، الرجل الناقد الحر النحرير.. الميكروفون والشاشة لنقد كل من يعتلي كرسي الحكم، كيفما كان شأنه وجاهه ولحيته.. فلن يسلم من حلقاته.. فباسم رجل ديمقراطي نزيه.. سلاحه الكلمة المعبرة الفكاهية.. ما أن جيء بالثوريين العسكريين الشرفاء، عن طريق الانقلاب الديمقراطي الشعبي السلمي.. وركوب رئيس جهاز قضائي منصة الرئاسة.. حتى بدأت حلقات الإعلامي باسم في الخفوت شيئا فشيئا.. كخفوت الشمعة في ليلة باردة.. وبدأت حركاته الهزلية في الاضمحلال رويدا رويدا.. وانتهت خطاباته السينمائية المضحكة من التطرق للحكام.. فلم نلمحه على الشاشة كما اعتدناه دوريا.. ولم نعد نستمتع بهزله.. ولم ننصت لنكته .. ولم نقتف له أثرا.. ولم نستفد من خرجاته المضحكة.. أين ذهب يا ترى باسم الإعلامي الحر ؟ باسم لم يرسل كَمّه الهائل من النقد الساخر الحركي والتصويري واللغوي.. إلى الحكام الجدد كما كان يفعل.. ولم يعر اهتماما لعدلي منصور الشريف.. ولا السيسي الوطني.. ولا الببلاوي المهفهف.. فلم نره يصوب سهام حلقاته وقذائف سخريته نحو أصحاب البزة العسكرية الثقيلة بالنياشين والأوسمة.. ولم نلحظه يسخر من سراويلهم أو خطاباتهم أو سياساتهم.. كما درج مع مرسي لشهور مديدة.. ألا يستحق السيسي ولو صورة كاريكاتورية مصغرة تحاكي ما كان يفعله أيام مرسي.. أيام الديكتاتورية وتكميم الأفواه !! اللهم إلا إذا حاز السيسي كل الاحترام.. أو ربما حاز عصا غليظة أو ربما لم يستحق السخرية حتى الآن !! أو ربما أنه اختفى ليس خوفا من السيسي وديمقراطيته.. وإنما من حب الناس للسيسي العسكري.. والعسكر له هيبة.. وكل من اقترب منه سيسقطه الشعب.. باسم أدى دوره وانتهى.. باسم ظاهرة طارئة وظيفية.. باسم يشبه الأراجيز في عملها.. باسم جعل من الإسلاميين ومرسي هدفه وطموحه.. باسم الحر عاد لمهنته الطب.. باسم أتم ابتكاراته وأفكاره حول الكوميديا السياسية.... باسم كغيره من المتطفلين.. صنعوا أمجادهم على ضعف الإسلاميين وتكالب الجميع عليهم.. باسم أعاد البلاد حرة متقدمة.. فليهنأ متابعوه ومشاهدوه بالحرية والكرامة ورغد العيش.. ومناقشة العسكريين الديمقراطيين.. غير أني لحد الآن لم أجد لباسم أثرا.. فمن رآه.. فليخبره أننا سئمنا منه ومن اختفائه..