كادت السنيورة "كارمي شاكون" وزيرة الدفاع الإسبانية السابقة في حكومة، خوصي لويس ثباتيرو الثانية (2008/2011) وقبلها تقلدت وزارة الإسكان، أن تصبح زعيمة الحزب الاشتراكي العمالي، خلال المؤتمر 38 الذي عقده الاشتراكيون، قبل أكثر من عامين، في أعقاب هزيمتهم المدوية أمام الحزب الشعبي المحافظ، بزعامة رئيس الحكومة الحالي، ماريانوراخوي. انحصر الفارق بينها وبين الأمين العام الحالي "الفريدو بيريث روبالكابا" في 22 صوتا فقط. اعتبرالتصويت عليها بكثافة، رغبة من "المناضلين" في تجديد دماء الحزب. انسحبت السيدة التي دخلت العقد الرابع (من مواليد 1971) بهدوء من المعركة وسلمت بانتصار غريمها "روبالكابا" دون أن تشوش على قيادته، منتظرة نتائج برنامج إعادة الهيكلة الذي التزم به الأمين العام أمام المؤتمرين. يتذكرها الإسبان، وقد تقلدت منصب وزارة الدفاع، لأول مرة في تاريخ إسبانيا، حيث بدأت عملها الرسمي في الوزارة وسط الضباط الكبار الذكور، من مختلف الرتب، وهي حامل في وضع متقدم، من زواج ثان؛ لدرجة إن الرأي العام الإسباني، خشي ان تضع مولودها وهي على متن الطائرة الحربية التي أقلتها من مدريد إلى أفغانستان، ذهابا وإيابا، لتتفقد الجنود الإسبان المشاركين ضمن قوات التحالف الغربي، جريا على عادة وزراء دفاع التحالف الذين يمضون عطلة الميلاد بين الجنود "المنفيين" في الأقاصي. لم تخف "شاكون" في أي وقت، طموحها نحو زعامة الحزب، لكنها تخوض معركة الوصول إلى الهدف، بأعصاب هادئة وتفاؤل بالمستقبل، رافعة شعار "التجديد" دون تجريح القيادة الحالية واتهامها بالشيخوخة. تبشر بمشروعها السياسي، وهي منضبطة للحزب ولقيادته الحالية. معركتها ديمقراطية بالأساس، لكنها ربما أحست، حسب مقربين منها، بالاختناق والملل من ركود سياسي يسود البلاد، لا يسمح بأداء الأدوار التي يطمح إليها قيادي طموح وذو قدرات، من طراز السيدة "شاكون" لذلك قلصت حضورها في البرلمان، لأنها لم تجد دورا أساسيا يناسبها و يمكنها الاضطلاع به.الواقع أن الأزمة المالية ألقت بظلالها على المجتمع والفاعلين الحزبيين. تستعد السيدة "شاكون" لذروة القيادة، بدءا باتخاذ عدة خطوات وإجراءات تمهيدية، بينها ضمان تأييد واسع وعريض بين قيادات الحزبومنتسبيه، خاصة التيار الراغب في "التجديد" دون تفريط في الزعامات والقيم النضالية القديمة،مشخصة في أسماء مثل الزعيم التاريخي، فيليبيغونثالت، والأمين العام السابق، خوصي ثباطيرو، الذي راج أنه كان يفضل "شاكون" لخلافته، لكنه امتثل لمنطق الحزب، والتزم الحياد، في زمن الشدة والتوتر العام الذي أقتضى أن تسند الأمانة العامة إلى رجل "انتقالي" ذي تجربة غنية في العمل الحزبي والحكومي، يصلح كجسر رابط بين الاستمرارية السلسة، في أفق تجديد الماكينة الحزبية.وذاك ما أصبحت تنادي به المرشحة المحتملة "شاكون" قائلة أن التجديد يجب أن يحدث في القريب العاجل، وأن هناك أمورا يجب أن تصلح داخل الحزب. ولذلك تعارض"شاكون" علانية إرجاء المؤتمر العام للحزب إلى ما بعد الانتخابات التشريعية الأوروبية المقررة العام المقبل تدرك "شاكون" أن زعامة الحزب،تستلزم أن يتمتع الأمين العام، بقبول شعبي في الداخل ولمعان وصيت دولي. هي مطمئنة بخصوص الشرط الأول، طبقا لاستطلاعات رأي سابقة لصالحها وهي تتحرك الأن من أجل تجميل صورتها الوطنية، بهالة دولية، على اعتبار أن زعيم الحزب، بصبح آليا، رئيس وزراء إسبانيا، في حال تبوء حزبه صدارة الاستحقاقات التشريعية. وتعرف "شاكون" أن أهم صفة يلزم توفرها،في الأمين العام، هي الكفاءة الفكرية. ومن هذا المنطلق قررت الوزيرة المحاربة، أن تهجر بلادها طلبا للعلم، ميممة وجهها نحو الولاياتالمتحدة وبالضبط إلى ولاية "ميامي " حيث تقول "شاكون " بكل تواضع، إنها ذاهبة إلى هناك، لتتعلم كطالبة وكمحاضرة في النظم السياسية المقارنة لطلاب إحدى معاهد "ميامي" العريقة. هناك في موقعها الجديد،ستوثق صلاتها وعلاقاتها بالمجتمع السياسي والمدني والنسيج الحقوقي،في الولاياتالمتحدة وخارجها بل ستطل على مدى سنة دراسية كاملة تنتهي مع متم شهر يونيو المقبل، تعود بعدها الأستاذة "شاكون" إلى إسبانيا لاستئناف حراكها، استعدادا لخوض المعركة من أجل الزعامة، منتهزةفرصة انعقاد الندوة الحزبية في نوفمبر، حيث سيتقرر من سيخوض سباق الانتخابات التمهيدية لاختيار المتنافسين على منصب الأمانة العامة. وإذا كانت "شاكون" حريصة على وحدة الحزب الاشتراكي العمالي، في زمن الأزمة، فإنها تطمح، بنفس القدر، إلى الجلوس على كرسي القيادة،دون فتح عداوات وخلافات مع رفاقها، ولربما هي موقنة أن الأمين العام الحالي "روبالكابا" الأستاذ الجامعي المتخصص في "الكيمياء" لن يعاود ترشيحه إلا إذا تعرض لضغط قوي ممن يسمون "بارونات الحزب" تحرص المرشحة المحتملة، على الظهور بمظهر "موحدة الصفوف "ليس على صعيد الحزب فقط بل على الصعيد الوطني ؛لذلك عارضت موقف الاشتراكيين في اقليم "كاتالونيا"الذي تنحدر منه، لمساندتهم دعوة تنظيم استفتاء عام، يفضي إلى استقلال الأقليم ذي الخصوصيات العريقة، عن المملكة الإسبانية. احتمال لو تحقق سيكون بداية تمزيق المملكة الإسبانية. لم تصوت "شاكون" في البرلمان المحليب"كاتالونيا" لصالح التوجه الانفصالي الخطير. هي مقتنعة أن مستقبل بلادها يكمن في الوحدة ضمن التعدد وضمن الفضاء الأوروبي. موقفها هذا سيطمئن المترددين والمعترضين على توليها المسؤولية الرئيسة في حزب كبير وذي ماض حافل ورصيد نضالي،مدون في سجلات التاريخ. تواجه "شاكون" عائقا كبيرا في طريقها نحو شارع "فراث" :كيف سينسى الناخبون الإسبان بسهولة، الأزمة المالية الخانقة التي داهمت بلادهم والاشتراكيون يحكمون من قصر "لامنكلوا"؟ لا يعي السواد الأعظم من الإسبان أن الأزمة هيكلية وضاربة الجذور، نتيجة اختيارات اقتصادية سيئة، يتحمل مسؤوليتها الاشتراكيون والمحافظون على السواء،فهم الذين تداولوا على الحكم والمعارضة، فضلا عن النقابات ورجال الأعمال وأرباب البنوك وخبراء الاقتصاد. وعلى افتراض أن "شاكون" لن تجد مقاومة في طريقها نحو مقر الحزب الاشتراكي العمالي، لكن سيكون لزاما عليها إجراء ألف حساب وأن تضرب أخماسا في أسداس، إذا أرادت حقا أن تنعت ذات يوم ب " سيدة قصر "لا منكلوا" صحيح أنها تتوفر على أوراق يمكن أن تلعب بها إن أجادت اللعبة.عليها أولاأن تعترف بشجاعة، بأخطاء الاشتراكيين،دون التستر عليهم، فالبلاد غرقت الأزمة إبان حكمهم. يمكنها إن تضيف مبرر أن الحزب الشعبي المحافظ، عجز بدوره عن إخراج إسبانيا من الأزمة الخانقة. الأخطر من ذلك أن الشعب الإسباني، اكتشف أن سجل "المصلحين المنقذين " من الحزب الشعبي،طافح بالجرائم الاقتصادية، ممثلة في الرشوة والاختلاس وسوء استعمال النفوذ والشطط في السلطة... هل استفادت "الوزيرة " التي اطلعت على أساليب الحرب وفنون القتال أثناء عملها مع القوات المسلحة ؟ أم أنها تخبئ استراتيجيتها الخاصة مثل القادة العسكريين الكبار ؟