في خطوة لم تكن مفاجئة، أعلن وزير الداخلية الإسباني والنائب الأول لرئيس الحكومة، ألفريدو بيريث روبالكابا، تنحيه «الفوري» عن منصبه بهدف التفرغ الكامل للعمل على كسب الانتخابات العامة في مارس المقبل، والترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة. ونفى روبالكابا، في مؤتمر صحافي، وجود أي تعارض قانوني أو سياسي بين مواصلته العمل في الحكومة وترشحه للانتخابات العامة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه سبق أن ألمح في شهر مارس الماضي إلى احتمال مغادرته الحكومة عندما يشعر بأن التزامه كمرشح للحزب الاشتراكي الحاكم في الانتخابات العامة يعيق وظائفه كوزير للداخلية، مشددا على أن الوقت قد حان لاتخاذ هذا القرار. وأضاف روبالكابا أنه «لن يكون قادرا على تكريس كافة جهوده للوقوف على متطلبات الحكومة والتوفيق بين الأمرين» ولاسيما بعد أن يتم اختياره كمرشح رسمي وحيد للحزب الاشتراكي العمالي الحاكم، خلال انعقاد اللجنة الاتحادية للحزب. وأعلن روبالكابا أن رئيس الوزراء، خوسي لويس روديغيث ثاباتيرو، سيعلن عن اسم خليفته في بحر هذا الأسبوع. وكان الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني قد أعلن، في نهاية شهر ماي الماضي، أن روبالكابا قد يكون مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك بناء على اقتراح من ثاباتيرو وموافقة الزعماء الإقليميين للحزب خلال الاجتماع الطارئ الذي عقد للبحث في أفضل الطرق لتعزيز صورة الحزب بعد الهزيمة التاريخية غير المسبوقة التي مني بها خلال الانتخابات المحلية والإقليمية الأخيرة، والتي منحت فوزا مطلقا للحزب الشعبي اليميني. ويعتقد الاشتراكيون الإسبان أن روبالكابا، البالغ من العمر 59 عاما، يعتبر خير خليفة لثاباتيرو وشخصية سياسية ذات كاريزما قوية، بالإضافة إلى كونه قائدا حكيما يحتاط منه غريمه، الحزب الشعبي اليميني المعارض، كما أنه يتمتع بمقاربة أمنية حديدية في محاربة المنظمة الانفصالية الباسكية «إيتا»، فضلا عن تمتعه بقاعدة شعبية واسعة في الأوساط السياسية والاجتماعية في البلاد. وفي أول تصريح له بعد اختياره مرشحا للحزب الاشتراكي لانتخابات الرئاسة المزمع تنظيمها خلال شهر مارس من سنة 2012، ركز ألفريدو بيريث روبالكابا على معضلة البطالة المرتفعة التي تنخر الأسر الإسبانية، مشيرا إلى أن «إسبانيا تعيش لحظة صعبة تتطلب التزامات كبرى، وهذا هو سبب وجودي هنا.. أعتقد أنني مفيد لبلدي». وكشف روبالكابا في خطابه الأول، الذي استغرق ساعة من الوقت، الخطوط العريضة لبرنامج اليسار، مشددا على توفير مناصب الشغل للمواطنين الإسبان، على اعتبار أن «الأمر الملح حاليا هو خلق فرص عمل» في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أعلى نسبة بطالة بلغت 21,29 في المائة، يقول المرشح المقبل لدخول قصر «لامونكلوا» الرئاسي. واقترح روبالكابا في هذا الإطار «الطلب من صناديق الادخار والبنوك تخصيص جزء من أرباحها لخلق وظائف» وتعزيز سوق الشغل، مؤكدا أن ذلك من شأنه مساعدة الشبان الإسبان، وهم الأكثر معاناة من البطالة (45,4 في المائة من الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 بلا عمل)، «لأن البنوك تستطيع الانتظار، لكن الشبان لا يستطيعون ذلك»، يقول وزير الداخلية الإسباني السابق. ودعا المرشح الاشتراكي إلى «اقتصاد سليم وتنافسي» من خلال تحفيز العمل بدوام جزئي وفرض ضريبة أعلى على الثروات الضخمة ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي، لكنه وعد بعدم الاستسلام لما وصفه ب«ديكتاتورية» السوق، قائلا: «هناك أشخاص يعتقدون أن السياسة فقدت المعركة وأن الأسواق تفعل ما تريده، في حين أن السياسة هي التي يجب أن تحل المشاكل». وجاء قرار الحزب الاشتراكي الإسباني بتغيير زعيمه ثاباتيرو، بعد تعرضه لهزيمة تاريخية في الانتخابات الإقليمية والمحلية, التي جرت في شهر ماي الماضي، أمام الحزب الشعبي اليميني المعارض الذي تغلب عليه بفارق مليوني صوت و10 نقاط مائوية في ما يعد أسوأ نتيجة يمنى بها الاشتراكيون منذ سنة 1995. ويتوقع المواطنون الإسبان أن نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في إسبانيا ستكون حاسمة لصالح الحزب الشعبي الإسباني التي يقودها ماريانو راخوي، استنادا إلى نتائج الانتخابات الإقليمية والمحلية الأخيرة، ولفشل الحكومة الاشتراكية في الثلاث سنوات الأخيرة في إيجاد حلول، ولو ترقيعية، للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالجارة الشمالية التي أرغمت الناخب الإسباني على الارتماء مجددا في حضن اليمين المحافظ.