تحول الاعلام في مصر منذ الشهر الماضي الى وسيلة يستخدمها طرفا النزاع لتشكيل الرأي العام. فمع ان حكومة مرسي التي عزلت بداية الشهر الماضي لم تكن قادرة على السيطرة على الاعلام الخاص الا ان مؤيديها الذين اصبحوا الان في المعارضة باتوا يستخدمون اعلام التواصل الاجتماعي للمطالبة باعادة الرئيس المعزول. وفي الوقت نفسه تعتمد الحكومة المدعومة من الجيش على الاعلام الحكومي والخاص لتشكيل مواقف الرأي العام في وقت تستمر حالة الانسداد السياسي وذلك بعد زيارة مفوضة الشؤون الخارجية لمصر ولقائها مع الرئيس المعزول في زيارة لم تكشف عن تفاصيلها، ولكنها كانت كافية لتطمين مؤيديه انه بحالة جيدة. وتنظر صحيفة ‘لوس انجليس تايمز′ الى ان حالة الاضطراب التي هزت مصر ادت الى حرب صور. وفي الوقت الذي نظر الاعلام للفريق عبدالفتاح السيسي، قائد القوات المسلحة على انه منقذ الامة، ينظر اليه اعداؤه من مؤيدي مرسي كقاتل. ومع ان الصور تعبرعن حالة كاريكاتيرية الا انها تلخص انقساما يثير الخوف. ويقول التقريران الحقيقة غير واضحة لان المصريين غاضبون فهم لا يثقون بدرجة كبيرة بالاعلام الحكومي، ويعتقدون ان الاعلام الاجنبي خاصة قناة الجزيرة التي داهمت قوات الامن مكاتبها في القاهرة متعاطفة مع الاخوان المسلمون. وقد ولد هذا الوضع مناخا لنظريات المؤامرة، وحقائق محرفة، وصور امهات يندبن ابناءهن القتلى وموسيقى وطنية تعزف على خلفية افلام ممنتجة لاستعراضات عسكرية وجنود. وتقول الصحيفة انه لا الاخوان المسلمون ولا الجيش حاولوا التقرب للاعلام، وعادة من هو في السلطة يتحكم ويستفزه. وفي الوقت الذي حاول الاخوان وهم في السلطة اسكات الاصوات الاعلامية والناقدين لهم لم يجدوا الان الا اعلام التواصل الاعلامي لكسر الة العلاقات العامة التي يعتمد عليها الجيش والتي تضم الاعلام الخاص الذي يحاول اثارة اعجاب القادة العسكريين ونيل رضاهم. وكان الجيش قد دعا يوم السبت مراسلي الاعلام الاجنبي للركوب في مروحية كي يشاهدوا حجم التظاهرات المؤيدة للجيش في ميدان التحرير وذلك الجمعة الماضية. وفي الوقت نفسه يعتمد الاخوان المسلمون على الانترنت والقنوات الاجنبية لايصال رسالتهم. ويبدو ان ما يدفع المعسكرين هو حرب الصور، فمؤيدو مرسي يصورون السيسي بالرجل الوالغة رجليه في دم القتلى ، اما مؤيدو الجنرال فعادة ما يحاولون في اعلام التواصل الاجتماعي تصويراعدائهم بانهم عملاء للغرب واسرائيل، لانهم سمحوا كما يزعم هذا المعسكر لمراسلي التلفزة الاسرائيلية تغطية اعتصامات رابعة العدوية. وفي حرب الصور وصناعة المواقف يقول صحافي في احدى صحف القاهرة ان محرري الصفحات الاخبارية طلبوا منه عدم اعداد تقارير عن قيام قوات الامن باطلاق النار على المتظاهرين الاسلاميين، في نهاية الاسبوع الماضي والذي ادى الى مقتل اكثر من 80 شخصا. وفي قنوات التلفزة خاصة المملوكة من رجال الاعمال تبدو معركة صناعة المواقف اكثر وضوحا. فنجوم البرامج الحوارية الذين انتقدوا فترة السبعة شهرا التي حكم فيها العسكر حولوا مدافعهم الان للاخوان المسلمين الذين وصفوا بالعصابة والكذابين والارهابيين المتطرفين. مدخل هادىء ولعل ما يلخص المواقف الاعلامية هي الطريقة التي تم فيها تقديم لقاء اشتون مع مرسي، اما روبرت فيسك فقال ان اشتون لم تقل لنا اي شيء عن الحديث الذي دار بينها وبين المدعو ‘الرئيس مرسي' او السيد مرسي او ‘السيد'. وبعيدا عن لهجة المقارنة بين ‘المفوضين الساميين' الاوروبيين لمصر والبوسنة التي لم تنجح فيها الدبلوماسية الاوروبية بوقف مذابح الصرب للمسلمين، فان نجاح اشتون ومقابلتها الرئيس المعزول مرسي نابع من الطريقة التي ادارت فيها المحادثات مع الجنرالات حيث اعتمدت مدخلا هادئا ابتعد عن القاء المحاضرات. ويقول فيسك في مقاله الذي نشرته (اندبندنت) ان اشتون بدت هادئة ومتواضعة على خلاف مرسي الذي استخدم كلمة ‘الشرعية' في خطابه قبل الانقلاب اكثر من 15 مرة. ويضيف ان الفريق السيسي ربما اعجب باشتون، فالشعب المصري شعب ذكي لا يحب ان يلقن محاضرات كما يفعل الامريكيون. ويقول فيسك ان ما يتضح من اللقاء ان مرسي لم يسحب مطالبته بالرئاسة. ومع مرور الوقت فالاسئلة تطرح حول وضع الاخوان المسلمين الذين لن يعودوا للسلطة، ليس بعد انتخابات جديدة قد يفوزون فيها، هل هذا ما نقلته ليدي اشتون لمرسي؟ يتساءل الكاتب، وهذا مرتبط في النهاية بالمعتصمين في مدينة نصر والجيزة. ويقول فيسك ان الجيش لا يزال يتمتع بشعبية، خاصة ان معظم المصريين لا يريدون العودة الى الفوضى والقتل والانهيار الاقتصادي التي ميزت حكم مرسي، ويعيد فيسك بالتذكير بخطاب مرسي الاخير، حيث قال ان احد اصدقائه الذين يثق بهم قال ان مرسي في اخر خطاب له بدا مثل مبارك. وهو ما يؤمن عليه الكاتب مضيفا ان الفريق السيسي بدا مثل عبدالناصر، اما اشتون فقد بدت مثل الام الكبيرة. المصريون نضجوا و ظهرت اشتون بمظهر الشخص النشيط اكثر من اي مسؤول امريكي. وهذا ليس مرتبطا بالحكمة السياسية او ان اوباما تخلى عن مرسي او في طريقه لعمل هذا بل لان الولاياتالمتحدة لم تعد مؤثرة في المنطقة. واشار في نهاية المقال ‘سنرى كيف سينجح السيد كيري في ‘عمليته السلمية' الاخيرة مع الفلسطينيين والاسرائيليين الى جانب مارتن انديك الذي لم يفشل ابدا في تخييب امال المنطقة. وبالعودة الى مصر، يقول ان ثورة 2011 التي كانت سلمية مقارنة بما يحدث في سورية، اظهرت نضج المصريين بعد عقود من الديكتاتورية، ولكن الاخوان المسلمين هم الذين لم ينضجوا بعد. فمع انهم جاءوا للثورة متأخرين الا انهم امسكوا بكلمة ‘ الشرعية' وكذا الجيش الان، ويتساءل ان كانت اشتون قد ذكرت نفس الكلمة لمرسي. حل سياسي وفي نفس السياق اشارت الصحيفة الى لقاءات اشتون مع عدد من المسؤولين المصريين وقادة الحركات الشبابية ومن ضمنهم حركة شباب 6 ابريل حيث نقلت عن امل شرف التي كانت ممن قابلوا اشتون قولها ان الاخوان المسلمين هم جماعة ‘ارهابية' وان ‘الجيش يقوم بعمل ما يستطيع لوقف العنف'، مضيفة ان ‘ لا احد يقبل اعتصاما مسلحا في البلاد'. ونقلت عن احمد العناني من الحزب الدستوري الذي تحدث عن وضع الانقسام في المجتمع المصري قائلا ‘ما يجري في المجتمع هو نوع من الاستقطاب، حيث يعتقد الناس ان اي شخص من الاخوان المسلمين او ملتح هو ارهابي، ولهذا يجب ان يكون الحل سياسيا وليس امنيا'. وفي افتتاحيتها علقت صحيفة ‘اندبندنت' ان مجرد عودة اشتون لمصر مرة ثانية والسماح لها بزيارة مرسي، وهو ما لم يسمح به لاي مسؤول من قبل يعتبر اعترافا باهمية الدبلوماسية الاوروبية ونجاح شخصي لاشتون. وقالت الصحيفة انه يبدو ان كلام الاتحاد الاوروبي واشتون لن يقبل من الطرفين حيث وصلت حالة الاستقطاب درجة عالية. وترى ان نجاح اشتون بزيارة مرسي، وقبولها من النظام المصري الجديد، يعني قدرة اوروبا على لعب دور مهم في السياسة الدولية، وما فعلته لا يعبرعن سياسة خارجية اوروبية واحدة لان الحديث عن هذا يعتبر طموحا اكثر من اللازم. والى هذا ذهبت ‘ديلي تلغراف' في تقريرها الذي قالت فيه ان الجنرالات سمحوا لاشتون بزيارة الرئيس المعزول، مشيرة الى ان ‘الزيارة اعتبرت كدليل على قدرة تأثير السياسة الخارجية المشتركة، لكن محمد البلتاجي، السكرتير العام لحزب الحرب والعدالة، الذراع السياسية للاخوان المسلمين قال للصحيفة ان الزيارة كانت ‘فاشلة' لان اشتون وقفت مع طرف ضد طرف اخر'. نجاح اوروبي وفي تحليل كتبه ‘التايمز′ ان اشتون انتقدت في الماضي على انها دبلوماسية متواضعة كي تمثل اوروبا على المسرح العالمي. وبعد اربعة اعوام من اختيارها المثير للجدل من بين مسؤولي حزب العمال فانها بدأت كما تقول بتحويل ضعفها لقوة. ولعل طريقتها الهادئة في التعامل مع الشؤون الدولية هي التي اهلتها للقيام بدبلوماسية مكوكية بين الاطراف المتنازعة في مصر. ومع انه لم ترشح اية معلومات عن لقائها مع الرئيس المعزول محمد مرسي، ولكن زيارتها تعطي تطمينات لانصاره بانه في حالة صحية جيدة ويعتقل في وضع مقبول. وكان شرط حديثها مع حكام مصر الجدد هو مقابلة الرئيس مرسي، وجاء نفوذها من الدعم المالي الكبير الذي يقدمه الاتحاد الاوروبي لمصر، والذي يمكن ان يوقف في اي وقت'. انسداد في الافق وعلق باتريك كينغزلي مراسل صحيفة ‘الغارديان' في القاهرة على زيارة اشتون ان بها وبدونها مصر تعيش حالة من الانسداد السياسي المرشحة للاستمرار، فالاخوان المسلمون سيرفضون دعوة الجيش لانهاء اعتصامهم، فيما يرى الجيش انهاء الاعتصامات كما في رابعة العدوية شرطا للتفاوض، ولكن الاخوان المسلمين يرون في الاعتصامات الحماية الوحيدة لهم من قمع واعتقالات جديدة'. وقالت صحيفة ‘التايمز′ ان الحكومة الانتقالية قد طلبت من الاخوان تفكيك ما وصفتها بنقطة انتاج الارهاب، وحذرت انها قد تقوم باخلائها بالقوة، وكان الاخوان المسلمون قد اعلنوا عن مليونية يوم الثلاثاء لكنهم نظموا سلسلة من التظاهرات التي مرت بسلام، وشارك فيها الالاف ومنهم امهات قتلى يوم السبت، حيث حملن النعوش التي ترمز الى جثث ابنائهن وكتب عليها لن تحققوا ما تريدون الا على اجسادنا. وقالت هدى تحرير، مدرسة من منطقة الدلتا ‘نعرف الى اين نسير ولكن دماءنا ليست اغلى من دماء الذين سقطوا يوم السبت'.