أشادت وسائل الإعلام الإسبانية بالزيارة التي سيقوم بها الملك خوان كارلوس الأسبوع المقبل إلى المغرب، واعتبرتها حدثا هاما ذا دلالات سياسية واقتصادية واستراتيجية. ولاحظت صحف ومواقع إلكترونية عدة أن الزيارة غير المسبوقة من حيث طابعها وشكلها، تأتي بعد أن استعاد الملك خوان كارلوس عافيته وقدرته على الحركة العادية، إثر سلسلة من العمليات الجراحية التي خضع لها في المدة الأخيرة، آخرها تلك التي أجريت له في شهر مارس (آذار) الماضي حينما داهمته آلام حادة في منطقة العمود الفقري، وهو يهم بزيارة المغرب، بناء على دعوة من الملك محمد السادس. كما تأتي الزيارة بعد أن هدأت الضجة الإعلامية والسياسية التي هبت على القصر الملكي في مدريد، جراء تورط صهر الملك وزوج ابنته «كريستينا» في ملفات مالية حامت حولها شبهات الرشوة والتملص الضريبي، ما جعل القضاء الإسباني يحقق مع زوج ابنة الملك. بل إن الإجراءات القضائية اقتربت من الأميرة ولم يحفظها سوى وضعها العائلي والحصانة المعنوية التي تتمتع بها الأسرة المالكة. وعلى أثر تلك القضية التي أحزنت ملك إسبانيا كثيرا وسببت له أزمة ضمير، طبق مبدأ الشفافية على نفسه وقرر نشر الحسابات المالية للقصر في موقع إلكتروني أتاح للرأي العام إمكانية التعرف على الميزانية المرصودة للملك وأسرته وأوجه صرفها بالتدقيق، على أن تخضع لاحقا للمراجعة المحاسباتية. وبرأي محللين إسبان، فإن زيارة الملك خوان كارلوس إلى المغرب، تعتبر أسمى هدية يقدمها إلى ملك المغرب كشخص وكسياسة؛ كونه وقف إلى جانب الجار الإسباني وهو يواجه اللحظات المالية الصعبة. وفي هذا السياق، يقر الإسبان بأن المغرب لم يتوان في تطبيق الالتزامات التي أخذها على عاتقه حيال الجار الشمالي، وهكذا ضاعف جهوده بخصوص الملفات التقليدية، من قبيل الهجرة السرية ومكافحة المخدرات والتنسيق الأمني في مجال الهجرة السرية. ويعترف الإسبان بحكمة ملك المغرب الذي عالج بنجاح تداعيات الربيع العربي التي مست بلاده، ليس بالقوة والعنف الذي تميزت به في بعض الدول العربية، لكنه مع ذلك قرأ رسالة المستقبل فاستبق الإصلاحات الجريئة التي فاجأت بعض المحتجين في الشارع والأحزاب السياسية المغربية. وأشار ملاحظون إسبان إلى أن مدريد باتت حريصة في المدة الأخيرة على تنسيق المواقف مع المغرب بخصوص التعاطي مع التطورات السياسية في المشرق العربي، وخاصة الحرب الأهلية في سوريا والأزمة السياسية المستعصية في مصر، وكذلك الخلاف الدولي مع إيران. ووقف الملاحظون عند الطابع التاريخي للزيارة، وسجلوا أن الملك خوان كارلوس يناقش بنفسه تفاصيل ترتيباتها مع الجهات المعنية، فقد عقد اجتماعين مطولين مع وزير الخارجية ومع رئيس اتحاد المقاولات الإسبانية، خوان روسيل، الذي سيرافق الملك على رأس وفد هام من رجال الأعمال والمقاولات المتوسطة الإسبانية ذات الجذور والأنشطة الاقتصادية الراسخة في المغرب. ويراهن مجتمع الأعمال في إسبانيا أكثر من أي وقت مضى على الفرص الاقتصادية المكاثرة في المغرب الذي يعتبر، من وجهة نظرهم، مهما بمثل أهمية البرتغال، على سبيل المثال، وبلدان أخرى قريبة من إسبانيا. إلى ذلك، يعتبر اصطحاب ملك إسبانيا كل وزراء الخارجية الأحياء الذين توالوا على المنصب، منذ توليه الملك في إسبانيا عقب وفاة الجنرال فرانسيسكو فرانكو عام 1975، حدثا استثنائيا في حد ذاته، محملا بالإشارات السياسية والإنسانية. أولها أن الملك يريد أن يبرهن لمضيفيه أن بلادهم مهمة بالنسبة لإسبانيا ملكا وشعبا وطبقة سياسية، ولذلك فإن اختيار الوزراء الذين يعرفون دقائق وأسرار ومصاعب العلاقات مع المغرب، أي وزراء الخارجية وليس زملاؤهم في الداخلية أو الدفاع على سبيل المثال، ما يعني أن الحوار السلمي هو الذي يجب أن يسود مستقبلا بين البلدين الجارين لتجاوز الملفات والمشاكل المعقدة العالقة والموروثة من الماضي البعيد. وتتجلى أهمية الالتفاتة الدبلوماسية لملك إسبانيا في كون وزراء الخارجية في بلاده يعرفون المغرب وسياسييه جيدا، فقد زاروه جميعهم مرات ومرات، ولم تتغير سياساتهم رغم انتمائهم إلى ثلاث عائلات سياسية: الحزب الاشتراكي العمالي، والحزب الشعبي (محافظ)، والمستقلين. وطبقا لما تناقلته الأنباء فإن وزراء الخارجية الإسبان السابقين وافقوا على اصطحاب الملك إلى الرباط، حيث من المتوقع أن يكونوا جميعهم ضيوفا على الملك محمد السادس في مأدبة عشاء. ضمنهم خافيير سولانا، جوزيب بيكي، أبيل ماتوتيس، ميغل أنخل موراتينوس، آنا بلاثيو، ترينيداد خيمينيث. وتجدر الإشارة إلى أن بعض هؤلاء كانوا في قلب العاصفة الدبلوماسية مع المغرب في السنوات الماضية. ولا يغيب عن الزيارة الطابع الإنساني والديني، ذلك أنها تجري في شهر رمضان المخصص للعبادة والراحة الذهنية، وبالتالي لا يستقبل المغرب رجال السياسية إلا في حالات نادرة، كما أن الأجانب غير المسلمين يحترمون هذا الشهر ويؤجلون زياراتهم الرسمية إلى ما بعد. لماذا اختار العاهل الإسباني الشهر الفضيل للقدوم إلى المغرب وفي عز الصيف؟ لا يوجد سبب سياسي عاجل سوى أن ضيف المغرب قرر أن يهدي المغرب وملكه هدية معنوية مفادها الرغبة في تجاوز مشاكل الماضي وعثراته والمراهنة على المستقبل من أجل مواجهة تحديات مشتركة كثيرة سياسية وأمنية واقتصادية وبيئية. وهذه الزيارة هي الأكثر إثارة من تلك التي قام بها ملك إسبانيا إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين قبل سنوات، والتي أغضبت ملك المغرب، فأمر بسحب سفيره من مدريد عمر عزيمان، أحد مستشاريه الحاليين. هل يمكن اعتبار الزيارة الحالية تكفيرا عن زيارة سبتة ومليلية المحتلتين في شمال البلاد؟ مهما كانت النوايا والمقاصد، فإنه يجب الاتفاق مع رئيس المقاولات ورجال الأعمال الإسبان على أن الهدف من الزيارة الحالية هو بناء «جسر دائم بين البلدين» بعد أن تعثرت محاولات إنجاز مشروع الربط القاري عبر المضيق، بين المغرب وجارته الأوروبية. هذا ما يقوله رجال المال والأعمال، ويجب تصديقهم، وحث السياسيين على دعمهم للانخراط في تشييد الجسر المأمول. ويبقى السؤال الذي يتردد على كثير من الألسنة: هل تكون زيارة ملك إسبانيا الأخيرة والوداعية للمغرب؟ في ضوء تقارير تحدثت من قبل عن رغبته في التنازل عن الملك لصالح نجله الأمير فيليبي بسبب متاعبه الصحية؟