تأتي زيارة الملك الإسباني خوان كارلوس Juan Carlos I للمغرب يوم الاثنين 15 يوليوز في سياق الرغبة الإسبانية المُعلنة في تحسين علاقاتها بالمملكة المغربية، وهي الزيارة التي تأجلت بعد الوعكة الصحية التي تعرض لها ملك إسبانيا في شهر مارس الماضي. المثير والمُعبر في هذه الزيارة أنها تحظى بعناية حكومية خاصة، وبدعم أغلب الأحزاب السياسية الوطنية والجهوية في إسبانيا، كما تحظى باهتمام النقابات والباطرونا الإسبانية المهتمة بالسوق المغربية بشكل لافت، وهذا ما يؤكده الارتفاع غير المسبوق للاستثمار الإسباني في المغرب الذي سجل، سنة 2012، 35 في المائة من مجموع استثمارات إسبانيا في القارة الإفريقية، و51 في المائة من استثمارات جهة مدريد. الترتيبات في إسبانيا لهذه الزيارة كانت استثنائية، وعلى غرار زيارات الدولة لمراكز الاقتصاد الكبرى في العالم مثل الصين والبرازيل، دعا العاهل الإسباني الباطرونا الإسبانية إلى اجتماع في قصر لاثارثويلا La Zarzuela وبتغطية إعلامية غير مسبوقة لترتيب زيارته للمغرب، وحرص على ضمان مشاركة قوية للمستثمرين الإسبان في الوفد المرافق له، وأعلن رئيس الباطرونا خوان روسل Juan Rossel أنه سيرافق الملك في زيارته الرسمية للمغرب إلى جانب ممثلين عن أهم القطاعات الاقتصادية الإسبانية (القطاع البنكي، قطاع الطاقة في شخص رؤساء أكبر الشركات الإسبانية، القطاع الفلاحي والقطاع الصناعي والسياحي والمواصلات والهاتف، وغيرها..)، كما يرافقه خمسة وزراء من العيار الثقيل (العدل، الداخلية، التجهيز والصناعة إلى جانب وزير الخارجية). وصرّح وزير الخارجية الإسباني خوصي غارسيا ماراغايو بأن الملك خوان كارلوس طلب من الحكومة ترتيب مرافقة وزراء الخارجية السابقين له بداية بالاشتراكي ميغيل أنخيل موراتينوس والاشتراكية ترينيداد خيمينيس، ووزراء يمينيين في حكومة أثنار، منهم جوسيب بيكي وآنا بلاثيو التي كانت وزيرة للخارجية أثناء النزاع المغربي الإسباني على جزيرة ليلى. الترتيبات الاستثنائية التي سبقت الزيارة والوفد المرافق تُؤكد رغبة الحكومة الإسبانية والملك خوان كارلوس في توجيه رسالة قوية إلى المغرب مضمونها رغبة إسبانيا في تمتين علاقاتها الاقتصادية بالمغرب كعلاقات دولة تحظى بدعم كل الأطراف، وتبتعد عن المقاربات السياسية والحزبية المتقلبة. رهان إسبانيا في أزمتها الاقتصادية والمالية على المغرب كان وراء مواقفها الداعمة للمغرب في موضوع الصحراء، واقترابها التدريجي من المقترح المغربي. هو الاقتصاد، إذن، الذي يفرض اليوم على إسبانيا تغيير سياساتها تجاه المغرب. وسبق لي أن أكدت، بالاعتماد على مصادر من داخل الحزب الشعبي، أن مثل هذه الخطوات فقط يمكن أن تتم بدعم ملكي في البلدين، وأن مصدرها الطبيعي لن يكون إلا اليمين الشعبي بدل ما كان يعتقده البعض من أنها ممكنة بمبادرة الاشتراكيين العاجزين رغم براغماتية زعمائهم على اتخاذ مثل هذه الخطوات في مواجهة قواعدهم. تقديري أن مراكز القرار في المغرب فهمت هذه المقاربة ولو متأخرة، وحكومة بنكيران يناسبها هذا التقارب، والمصلحة العليا للوطن تفرض إجماعا مشابها في المغرب يمكن أن يجعل من البلدين قاطرة لنمو اقتصادي منافس ينطلق لأول مرة من ضفتي مضيق جبل طارق ويُحيي مشروع النفق القاري بشراكة بين البلدين تجعل من تقاربهما وتعاونهما أمرا إجباريا ومستعجلا. يبقى السؤال الذي يتداوله الإعلام الإسباني يتعلق بمدى تأثير الأزمة الحكومية في المغرب على النتائج المنتظرة من هذه الزيارة، مقابل السؤال التقليدي الذي يطرحه المغرب والمتعلق بمدى قدرة الحكومة الإسبانية على تغيير مقاربتها لتدبير عناصر الخلاف والنزاع التاريخية بين البلدين، بداية بملف سبته ومليلية، ومرورا بملف الهجرة، سواء منها العابرة أو المغربية المُقيمة، ونهاية بملف الصحراء والتعاون المُتصاعد في محاربة الإرهاب، والانتقال إلى علاقات مستقرة ومُربحة للطرفين.