تميز ملك اسبانيا خوان كارلوس بدوره المستمر في الوساطة وحل الخلافات التي تبرز أحيانا بفعل الأداء الحكومي، وغالبا ما كان يقوم الملك الاسباني بهذا الدور مع دول أمريكا اللاتينية لما يحظى به من شعبية في هذه البلدان، ومع الملكيات الصديقة وفي مقدمتها المملكة المغربية. وتاريخ العلاقات المغربية الاسبانية منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني مليء بالروايات والأحداث الشاهدة على دور الوساطة الذي يتقنه العاهل الإسباني، ويحكى في الكواليس أنه يتباهى به أمام حكوماته المتعاقبة. الآن وبعد الانفراج الحاصل بين المغرب وإسبانيا، وحرص رئيس الحكومة الاسباني ماريانو راخوي Mariano Rajoy على استمراره، تُشرف الخارجيتين المغربية والاسبانية على ترتيب زيارة ربما تكون الأخيرة للملك خوان كارلوس إلى الرباط ، والمنتظرة في أواخر مارس من هذه السنة. كما تأتي هذه الزيارة لتعزيز الانفراج في العلاقات بين البلدين إلى جانب الاهتمام المتزايد للمستثمر الاسباني بالسوق المغربية وحيويتها بالنسبة لإسبانيا الغارقة في أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة. لا يخفى على المتتبع لهذا الشأن أن المغرب يُعتبر الآن السوق الثاني لإسبانيا خارج دول الوحدة الأوروبية من حيث الأهمية، وهو الأمر الذي يفسر دعم حكومة راخوي للشركات المستثمرة في المغرب ب 400 مليون أورو بعد لقاء القمة بين البلدين في أكتوبر من السنة الفارطة. هذه الدينامية في العلاقات الاقتصادية، والاهتمام المتزايد للمستثمر الاسباني بالسوق المغربية، يتطلب حسب مصادر من الحكومة الاسبانية الرفع من وتيرة العلاقات الدبلوماسية واستثمار العلاقات الجيدة التي تربط الأسر المالكة والاحترام الذي يحظى به الملك خوان كارلوس لدى العاهل المغربي الذي تتحدث بعض المصادر من الخارجية الاسبانية بأنه يناديه في اللقاءات غير الرسمية ب"العم خوان". لا تأتي زيارة الملك خوان كارلوس للمغرب هذه المرة لتخفيف التوتر بين البلدين كما كان الأمر سابقا ، بقدر ما تأتي لتعزيز الانفراج والتعاون الاقتصادي، والوساطة في فتح السوق المغربية للمزيد من الاستثمار الاسباني. ومن أهم القطاعات التي انخرط فيها المستثمرون الاسبان في الآونة الأخيرة، قطاع السياحة وقطاع الطاقة المتجددة وتحلية مياه البحر، وكلها تعتبرها اسبانيا واعدة وتمتلك شركاتها القدرة الكافية للمنافسة فيها. تُعتبر هذه الزيارة الأولى للملك خوان كارلوس بعد أن انتقلت اسبانيا في متم 2012 من المرتبة الثانية بعد فرنسا في الاستثمار وعلاقات التبادل التجاري مع المغرب إلى المرتبة الأولى على حساب تراجع فرنسي في بعض القطاعات وفي مستوى الواردات والصادرات بين البلدين. كما تتوفر اسبانيا ومنذ مدة على ما يُعتبر أكبر شبكة تعليمية وثقافية لها في الخارج بعد التي تتوفر عليها في البرازيل (ستة معاهد وأربعة مدارس بقدرة استيعابية تجاوزت هذه السنة 5000 تلميذ، بالاضافة إلى ستة مراكز سيرفانطس Cervantesالثقافية ). بالاضافة للزيارة الملكية المرتقبة في مارس القادم تعرف العاصمتين الرباطومدريد تبادلا مستمرا ومتزايدا للزيارات واللقاءات بين المؤسسات التشريعية، والقضائية، وعلى المستوى الحكومي بلقاء القمة المقبل الذي سينعقد قريبا في مدريد وكذلك اللقاء البرلماني المشتركInterparlamentario والذي سينعقد كذلك في مدريد. كما تتوالى بشكل لافت زيارات رؤساء الجهات المستقلة للمغرب مرافقين بوفود من المستثمرين أهمها زيارة رئيس حكومة البليار خوصي رامون باوثاJose Ramon Bauza في الاسبوع الأخير من شهر يناير،والذي صرح بما يلي: "اسبانيا وجهاتها المستقلة اقتنعت الآن بضرورة تجاوزها لأسباب التوتر والخلاف مع المغرب، والانطلاق للمزيد من التعاون الاقتصادي والاستثمار وأن المغرب بلد واعد تأخرنا رغم القرب الجغرافي في اكتشافه وفهمه". قبل زيارة رئيس جهة البليار إلى المغرب توافد خلال السنة الفارطة على الرباط رؤساء جهات مهمة وقوية في اسبانيا أهمها الأندلس وكاطالونيا وكانارياس، وتميزت كل الزيارات بمرافقة وفود المستثمرين من هذه الجهات وبعضها حظي بلقاء الملك المغربي كما هو الشأن بالنسبة لرئيس جهة جزر الكناري. اللافت في الزيارة المرتقبة للملك خوان كارلوس إلى الرباط أنها تأتي في ظل احتقان اجتماعي متصاعد في إسبانيا جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة، ومواجهة سياسية للدولة المركزية في اسبانيا مع جهة كاطالونيا التي صوت برلمانها في الآونة الأخيرة على قرار إجراء استفتاء انفصالي. كما تأتي الزيارة في أجواء اقليمية متقلبة وغير مستقرة بعد التدخل الفرنسي في مالي والعملية الارهابية في منشأة الغاز الجزائرية "إن أميناس" وما رافقها من تطورات في المنطقة وتداعياتها المحتملة على موضوع الصحراء الذي يعد من أكثر الملفات تأثيرا على العلاقات الاسبانية المغربية. وتجدر الاشارة إلى أن وزير الخارجية الاسباني مانويل غارسيا مارغايو Manuel Garcia Margayoدعا منذ أيام المنظمات الاسبانية العاملة في مجال التنمية إلى مغادرة تندوف تحسبا للتطورات في منطقة الساحل، واحتمال انتقالها إلى الصحراء. كل من الأزمة الاقتصادية في إسبانيا، و التطورات في منطقة الساحل والظرفية الاقليمية والدولية، تُنبئ حسب مصادر دبلوماسية أوروبية بتغيرات في الموقف الاسباني من النزاع في الصحراء، ويُنتظر أن يلعب العاهل الاسباني دورا في التهيئ لهذا التحول من خلال هذه الزيارة باعتباره كان رئيسا للدولة بالنيابة أثناء المسيرة الخضراء، وأشرف حينها على عودة الجيش الاسباني من الصحراء وتسليم تسييرها الاداري للمغرب. كما أن الملك خوان كارلوس خبر هذا الملف خلال مُلكه سواء من خلال علاقته مع الملك الحسن الثاني وبعده محمد السادس. وتتحدث بعض المصادر أن هذه المهمة ستكون الأخيرة للملك خوان كارلوس قبل تسليمه العرش لوريثه الأمير فيليبي Principe Felipe نظرا لوضعه الصحي ونزول شعبيته مؤخرا بشكل مقلق بعد توالي نشر بعض تجاوزاته في الاعلام الاسباني والدولي.